عمر بن أبي ربيعة
1- اسمه ونسبه :
هو عمر بن عبدالله بن عبدالله بن مخزوم ينتهي إلى لؤي بن غالب بن فهر ،وفهر هو قريش نفسه.
يكنى عمر بأبي الخطاب ،ويلقب بالمخزومي نسبة الى جده مخزوم .
وقد جاءت كنيته الأشهر بابن ربيعة على اسم جده ابي ربيعة الملقب بذي الرمحين .
سمي بذلك لطوله ،أو لأنه قاتل يوم عكاظ برمحين .
وذكر أن عبدالله والد عمر كان قبل الإسلام يدعى بحيرا ، وقد سماه الرسو صلى الله عليه وسلم عبد الله .وكان تاجرا موسرا كريما يكسو الكعبة من ماله عاما ويغب عاما فلقبته قريش
بالعدل لأنه عدلها في كسوة الكعبة .
كان والد عمر يتعاطى التجارة إلى اليمن ،وكانت اليمن في العهد الإسلامي الأول ثلاث ولايات هي : الجند وصنعاء وحضرموت .
وقد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله على ولاية الجند وقراها ،ولم يزل عاملا عليها حتى قتل عمر بن الخطاب .وفي رواية أن عثمان بن عفان قداستعمله عليها ايضا.
أما أم عمر فقد كانت أم ولد يقال لها (مجد). وهي من سبي حضرموت ،وقيل بل هي من حمير .وقال محمد بن سلَام يعلل ويشهد على براعة عمر في الغزل (من هناك اتاه الغزل ، ويقلا غزل يمان ودلٌ حجازي )).
2- مولده ونشأته :
ولد عمر بن ابي ربيعة عام23هـ.وذكر أن مولده كان في الليلة التي قتل فيها الخليفة عمر بن الخطاب ، فاكتسب كنيته أبا الخطاب أو اختارها لنفسه فيا بعد.
ونقل عن الحسن البصري أنه كان إذا جرى ذكر ولادة عمر بن أبي ربيعة يقول ((أي حق رفع وأي باطل وضع)).
ويرجح أن مولده كان في الجند من اليمن حيث ولاية ابيه عبدالله . وقدانتقل به أبوه إلى المدينة فأقام فيها في حيَ البلاط الذي يقع مابين السوق والمسجد النبوي ، وكان له بيت في ضواحي مكة بالأقحوانة ،وهذا عرفناه من أشعار عمر وما تردد فيها من أسماء المواضع :
من كان يسأل عنا أين منزلنا *** فالأقحوانة منا منزل قمن
على أن ذكر مواضع الحج الأكثر ورودا في مجموع قصائده لأنه طفق عقودا من عمره يتردد عليها في مطاردة الحاجات الحسناوات ، وقد يكمن لهن على طرق الوفود ، القادمة من العراق والشام واليمن .هذا كله وهو في حال البحبوحة واليسر وارثا الأموال والتجارة عن أبيه ما بين الجاز واليمن .
3- أسرته:
تزوج عبدالله بن أبي ربيعة والد عمر بأكثر من امراة .وكان له أربعة من البنين هم عبد الله وعبد الرحمن والحارث وعمر .ووالدة عمر أم ولد يقال لها (مجد) ولم يرد نا أي خبر عن مجد هذه أكثر ما قلناه .
وقد كان لعمر أخ من أبيه اسمه الحارث ولقبه القباع ولد من أم نصرانية سوداء من حبش فرسان .وفرسان مجموعة جزر في بحراليمن (البحر الأحمر). وعرف أن أم الحارث قد ماتت في عهد عمر بن الخطاب مما يؤكد لنا أن الحارث أكبر سنا من أخيه عمر .
ويروى عن الحارث أنه كان شريفا كريما ديَنا وسيدا مرموقا من سادات قريش حتى بلغ به أن يوليه عبدالله بن الزبير على البصرة قبل ان يستقر الأمر لعبد الملك بن مروان .وقد ظل الحارث على خلاف مع أخبيه عمر في ابتذاله وإسرافه في التشبيب والغزل ومطاردة النساء ، ويروى من خبره أنه قد حاول أ، يثني عمر عن خطته بالأغراءو المكافأة ، علاوة على النصح والعذل ،فلم يفلح .
أما عمر فقد تمكنت امرأة من بني جمح كان أبوها قد فر بعا خوف تعرض عمر من مكة إلى البصرة ،تمكنت من الإيقاع به في شرك الزواج بعد قفولها من مكة إثر وفاة والدها ،بل وأنجبت له.
روى حكايتها الأغاني ،كما روى حكاية زواجه بكلثم بنت سعد المخزومية التي استأسر لها عمر . وقد أنجبت له جوان بن عمر ،وكان على حظ من الين والتقى والأمانة .
وكانت لعمر بنيًة سماها أمة الواحد ،لم يعرف أهي من زوجته كلثم أم منغيرها .
والتصوير القائم ،أن عمر بطرز حياته التي اختارها لم يكن رب أسرة بحق .وقد بلغ به أن ضاق ذرعا بزيارة طفلته هذه ،وكانت وسترضعة في هذيل :
لم تدر وليغفر لها ربها *** ما جشمتنا أمة الواحد
جشمت الهول براذيننا *** نسأل عن بيت أبي خالد
فقد خشي على نفسه وعلى دوابه المشقة ، ولم يذكر شيئا عن حنين قلب الأب إلى طفلته ، التي غربها إلى حضن بيت آخر .
وذكر صاحب الأغاني أن أمة الواحد شبت وأصبحت عند محمد بن مصعب بن الزبير.
4-أصدقاؤه :
عاش عمربن أبي ربيعة حياة لاهية مترفة على قدر ما سمح له شرفنسبه القرشي ،وثراء مورده من التجارة واستغلال عبيده من الأحباش وما يحترفو ن.
ولأنه انصرف تماما عن الخوض في غمار السياسة ، وجد من الحكام والخلفاء ترخصا وتساهلا ،إن لم نقل تشجيعا ، ليبقى فارس الحلبة اللاهية بحضور مجالس القيان ،وغازلة الحسان والوقوف لهن على الدروب القادمة إلى الحج في المواسم استقبالا وتوديعا . وهذا النهج في الحياة الرخية العباثة يحتاج إلى رعيل من الخلان والندماء والمشجعين الملتفين حول رعيم على شاكلتهم . وقد حظي عمر بالعديد من هؤلاء ممن واكبوا مسيرته ولم يتحرجوا . وفي مرحلة من المراحل ،كان أمير مكة المدعو بالحارث بن خالد هو الرفيق والنديم . وقد بلغت وحدة الحال بينهما أنهما عوملا معاملة واحدة في مؤامرة مازحة ماجنة حاكتها مجموعة من النساء من جواري بني أمية بتقديم هدية أو تذكار لائقين بكل ماجن خليع (الاغاني ج1ص169).
وفي الحين الذي قلت فيه لقاءات عمر مع أنداده الشعراء من معصريه كجرير والفرزدق وجميل بثينة وكثير .ونجد علاقاته وشيجة بالمطربين والمغنين أمثال معبد والغريض وابن سريج . وكانت له جاريتان لمجالس أنسه هما البغوم و أسماء . وكثيرا ما نعم بمجالس خاصة لا يحضرها إلا النساء .
وقد ذكر عمر في شعره أسماء بعض غلمانه ورسله إلى الغواني .وذكر أسماء بعض اصدقائه ومنهم:حكيم وبكر وزهير وسالف بنسنان.وكان عمر اذاقدم الكوفة نزل على عبدالله بن عبدالله بن هلال الذي كان يلقب بصاحب إبليس لما به من خفة وطيش وخلاعة .وكانت له قينتان حاذقتان يأتيهما فيسمع منهما .وقد قال فيهما:
يا أهل بابل ما نفست عليكم *** من عيشكم إلا ثلاث خلال
ماء الفرات وطيب ليل بارد *** وغناء مسمعتين لابن هلال
على أن أقرب أصدقائه إليه ،ممن كانوا يعينونه على تلبية نوازع هواه ومغامراته ،والتوسط بينه وبين صاحباته هما اثنان ،الأول:المكنى بابن أبي عتيق ، واسمه عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق الخليفة الأول .والثاني خالد بن عبد الله القسري الملقب بالخريت .ومعناه الحاذق الذكي .وتذكر كتب التراجم عن خالد هذا أنه ممن ولوا لبني أمية في مكة في العراق .وقد ورد اسم عتيق مرارا في قصائد عمر كما ورد مرارا عديدة في اخبار ه.ومن قبيل المزاح جعله عمر شيطانه المغري بالعشق والصبابة (الأغاني ج1ص98):
لا تلمني -عتيق-حسبي الذي بي *** إن بي يا عتيق ما قد كفاني
لا تلمني وأنت زينتها لــــــــــــي*** أنتمثل الشيطان للإنســـان
وما عتيق هذا الا تخفف من كنية أبي عتيق .
5- شاغله الغزلي:
كل ديوان من دواوين الشعر العربي قديمه وحديثه ، يحوي في مضامين قصائده أغراضا عديدة . وأبرز هذه الأغراض في عصر عمر بن أبي ربيعة ، ما نجده عند غيره من فخر ومديح وهجاء ورثاء ووصف وغزل . أما عمر فقد اقتصر على الغزل والتشبيب من دون سائر الأغراض ، فلا عجب إذا لقب على مدى الأجيال بشاعر الغزل ... قد نجد على وجه الاستثناء في الديوان الذي يعد أربعمائة وأربعين قصيدة وقطعة شعرية ، نجد نموذجا واحدا في الرثاء ، ومثله في الهجاء ، ومثله في الفخر بالانتماء القرشي ، مما لا يشكل موضوعا للاهتمام والذكر بأكثر من هذه الإشارة العابرة . وعندما تباسط أميرا أو خليفة ، سليمان بن عبدالملك ، وسأل عمر بن أبي ربيعة : ما يمنعك من مدحنا ؟ قال له : إني لا أمدح إلا النساء .
ماذا وراء هذا التصميم ، وهذا التفرغ بالموهبة والشاعرية للمرأة ، وللمرأة وحدها ؟ ... لا شك أن المرأة هي دنيا الرجل ، ومن أجلها يطلب الرجل دنياه الأخرى وهي المال الذي يكفل إرضاءها ، فإذا كان عمر قد حاز الشباب والجمال والمال في آن معا ، فقد حق لها أن يضع نفسه تحت قدميها بدافع من الغريزة ، يحلو لبعضهم أن يسميه الشيطان حينا أو الغوى والضلالة حينا آخر ، ولا تعليق على ما يخالف ذلك من مترادفات ومداليل .
قد نجد في شخصية عمر لونا من غطرسة الفحولة والاعتداد بالنفس ، ولكنها غطرسة ما تلبث أن تستسلم ، وتلقي سلاحها لتصبح معلقة بكلمة رضى من أنثى لا تستبد مرة واحدة ، ولكن مرة بعد مرة ، ليصبح الرجل ألعوبة مضحكة بين يديها .. وهذي هي تماما حكاية عمر مع هند ، وحكايته مع الثريا والرباب والقتول ، وحكايته مع كل النساء :
ليت هند أنجزتنا ما تعد *** وشفت أنفسنا ممـــــا نجد
واستبدت مــــرة واحدة *** إنما العاجز مـــن لا يستبد
كلما قلت : متى ميعادنا *** ضحكت هند وقالت بعد غد
ستظل أحلام عمر معلقة دون إنجاز ما بين غد وما بعد غد ، وحتى ولو ظفر بواحدة يوقعها في حبائله ، فإن الكثيرات الكثيرات سيلوعنه بنار الشهوة التي لا تنطفئ إلا بانطفاء جذوة الشباب ، الذي هو العمر كله . وما دام الباب ليس موصدا بين عمر وما يهوى ، فسيظل الغزل شغله الشاغل ، وقد كان حتى أفل الشباب وزعم أنه تاب ونسك .
يتبــــــع
مواقع النشر (المفضلة)