قبل أن يزوّجها والدها لرجل هو في عمر أبيها كانت تحلم بأن تكون معلمة تربية فنية؛ لأنها كانت تحب الرسم؛ فهو هوايتها الأولى منذ أن كانت طفلة صغيرة في أيام دراستها في الروضة؛ فقد كانت ترسم كل الوجوه الجميلة التي تصادفها في حياتها، لكنها دائما ما ترددت في ضم صورة أبيها إلى تلك الصور الجميلة، ربما قد يكون ذلك بسبب العنف الكبير الذي كان يمارسه والدها تجاه أمها وأخواتها. ما زالت صغيرة فهي في المرحلة المتوسطة، وما زال أمام تحقيق حلمها الكثير من الوقت، ولكن زواجها الإجباري وغير العادل من ذلك الرجل الذي يكبرها بسنوات طويلة حال دون تحقيق ذلك الحلم؛ فهي الآن أصبحت أمّا رغم أنها ما زالت بحاجة إلى رعاية أمها وأهلها؛ فهي لا تزال صغيرة وتنظر إلى الحياة بأمل وتفاؤل وأحلام تسعى إلى تحقيقها مستقبلا!!.
انشغلت بزوجها العجوز وبطفلها الذي تجد صعوبة في التعامل معه وفي كيفية القيام بشؤونه؛ فهي لم تصل إلى سن يؤهلها لتكون أما مثالية تستطيع رعاية أطفالها كما يجب. اضطرت إلى أن تترك الدراسة بعد إلحاح كبير من زوجها لترك المدرسة والاهتمام بشؤون البيت، وقد أذعنت لطلب زوجها وتركت الدراسة، ولكنها لم تستطع نسيان حلمها بأن تكون معلمة تربية فنية، ولكن ظروف حياتها الجديدة تمنعها من تحقيق ذلك الحلم الذي ظل عالقا في ذهنها. وبعد سنوات قليلة توفي زوجها العجوز، واضطرت إلى العودة إلى بيت أهلها بعد أن طردها أولاد زوجها ورفضوا أن تسكن معهم. عادت إلى بيت أهلها حزينة بائسة، اتجهت إلى غرفتها التي كانت ترسم فيها لوحاتها الجميلة. تذكرت أحلامها وظلم الأب الذي زوّجها رغم صغر سنها. راحت تشم رائحة الألوان التي ما زالت تعطر غرفتها برائحة أحلامها وطموحاتها الضائعة.. جلست تبكي بحرقة على ما حلّ بها. تساءلت كيف لها أن تعيد الأيام إلى الوراء ليعود ذلك الأمل بتحقيق ذلك الحلم، ولكن كيف يكون ذلك؟! فهي الآن قد تركت الدراسة منذ سنوات وأصبحت أمّا ولديها طفل رضيع بحاجة إلى رعايتها واهتمامها!!. جلست في غرفتها.. تناولت ألوانها، وبدأت ترسم، فقامت برسم وجه أبيها الذي كانت ترفض أن ترسمه ضمن تلك الوجوه الجميلة التي طالما تفننت برسمها.. إنها الآن أرادت أن ترسم وجه أبيها بملامح تعبر عن مدى ظلمه لها وتجنيه عليها. انتهت من رسم اللوحة. ذهبت بها إلى أبيها وهي تبكي بحرقة. نظر أبوها إلى صورته فرأى صورة إنسان بملامح بشعة تدل على مدى الإحساس بالظلم الذي يكتنف صدر من رسم تلك اللوحة. ذهبت إلى غرفتها. أرادت أن ترسم من جديد؛ لعلها تسترجع بقايا حلمها الضائع، ولكن صيحات طفلها الصغير كانت أقوى من رغبتها في الرسم. تركت لوحاتها وألوانها وذهبت مسرعة إلى ابنها لترضعه رضعات من أم تحطم حلمها رغم أنها ما زالت صغيرة.
مواقع النشر (المفضلة)