ليس صحيحاً ان افضل شعراء الغزل هم الذين احبوا.. هناك شعراء لم يحبوا، وكتبوا اجمل أبيات شعر الغزل وأرقها.
كنت اقرأ قصة الصراع المشهور بين اثنين من ابرز شعراء العصر الأموي هما جرير والفرزدق.. كان كلاهما شاعراً عظيماً وكان الفارق بين اسلوبي حياة كل منهما كبيراً.
اشتهر جرير بعفته.. واشتهر الفرزدق بفجوره.. عاش جرير حياة زوجية هادئة.. وعاش الفرزدق حياة حافلة بالنزوات، والخطايا، وقصص الحب.. ومع ذلك كان جرير ارق شعرا من الفرزدق.
وكان جرير يقول: لو عشقت لنسبت نسيباً تسمعه العجوز فتبكي على شبابها وكان الفرزدق يقول: ويح ابن المراغة (يعني جريرا) ما احوجه مع عفافه الى صلابة شعري.. وما احوجني مع ما انا فيه الى رقة شعره.
وقد كتب جرير اشهر بيتين باجماع النقاد في الغزل وهما:
* ان العيون التي في طرفها حور - قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
* يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به - وهن اضعف خلق الله انسانا* والأكيد ان.. العيون.. التي طرفها «حور» لم تصب من جرير مقتلا.. ولم تصرعه.. لم تصبه بالأرق.. فقد كان رجلا عابدا متعبدا.. وزوجا مخلصا عاش حياة زوجية هادئة.
ولعل ذلك يذكرنا بالمتنبي .. الذي كتب افضل شعر المعارك والقتال دون ان يخوض معركة واحدة.. او يشترك في قتال.. الا ثلاث مرات.. واحدة مع بعض غلمان «ابن العشائر» والثانية مع عبد حاول ان يسرق حصانه، والثالثة عندما خرج عليه بعض الفرسان فقتلوه!! ليست التجربة المباشرة هي عماد الابداع، وربما عبر الاديب عما ينقصه بأفضل مما يعبر عما توفر له، وأقول «ربما» فليس في الابداع احكام مطلقة، او هذا على الاقل ما انا مقتنع به.
مواقع النشر (المفضلة)