ما الذي منع إبليس من السجود لآدم ؟ هو السبب نفسه الذي طُرد به من رحمة الله إلى يوم الدين واستحق بها لعنة رب العالمين! إنه الكبر! الكبر آفة كل فضيلة وأساس كل مهلكة. والمتكبرون أصناف وألوان، لكن لهم رائحة واحدة.. رائحة غير طيبة، قلما يقبلهم أحد، وإن فعل فهو كاره، وقلما يحترمهم أحد، فهم ليسوا أهلاً لاحترام ولا تقدير.
ويُقال إن الكبر انعكاس لمركب نقص جامح يحاول المسكين تعويضه من خلال كبر زائف، وعجرفة لا معنى لها. وهذا النوع من المتكبرين لا يتورع عن إيقاع الأذى بكل من وقع تحت يده إن اشتم فيه رائحة اعتراض أو سمع منه لغة لا تعجبه. ويُروى أن جاهلياً اسمه ابن عوانة ''يضم بين جنبيه نفساً تنضح بكبر ما هو ببالغه، طلب ذات مرة من غلام له أن يسقيه ماء، فقال الغلام: نعم. فقال المتكبر المتعجرف: إنما يقول نعم، من يقدر أن يقول لا، اصفعوه، فصُفع الغلام. هكذا دون ذنب ولا جريرة سوى ذنب وقوعه بين براثن سيد لا يؤمن بيوم الحساب.
ومن الكبر المقبوح -وكله مقبوح- غمط الناس حقوقها، وأشد منه غمط الشعوب حقها بطراً وظلماً وقهراً. ما بالكم بصاحب سلطان وصلاحيات يستغلها لينفّس عن كبريائه وليرفع من قدر نفسه المريضة على حساب الأبرياء الآخرين. تصوروا ربة بيت تعامل خادمتها كما تُعامل الحشرة المنكرة، أو رب بيت يتلفظ بكلمات سوء لا قرار لها على خادم أو سائق، وكأنه اشترى عباد الله وهم أحرار كرام. وتصوروا حكماً يظلم أحد المتخاصمين لأنه ''أجنبي'' لا يزيد عن كونه ''صديق'' أو ''رفيق''. وآخر يحكم ضد شخص آخر لا لتحقيق عدالة ولكن لكونه من خلفية أو أصول لا تروق لفلان صاحب الدم الأزرق والتاريخ العريق والأسرة القديمة.
ومتكبرون آخرون لا يتورعون عن قتل أبرياء لمجرد غضب عابر أو نزوة تافهة أو خطأ بسيط، فإن لم يكن القتل فالسجن أعواماً طويلة أو الحرمان من أبسط الحقوق. هؤلاء امتلأت بهم سجلات العروبة المعاصرة ولا فخر، منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر أمر الله القادم وأخذه الشديد.
وأما المكابرون الكبار فقد سحقوا شعوباً وشردوا ملايين وألوفاً، دمروا الثروات، وأهلكوا الحرث والنسل، ومع ذلك فلا يرف لهم جفن ولا يقر لهم لسان بما ارتكبوا من أخطاء وما أسرفوا من تدمير... إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض، قالوا: إنما نحن مصلحون، وللخير منادون، وللديمقراطية داعون، وللسلام محبون.
وصدق طاغور إذ يقول: (ما تاه إلا وضيع، ولا فاخر إلا سقيط).
مواقع النشر (المفضلة)