لا يـزال الـعـبـد مـنـقـطـعـا ً عـن الـلّـه حـتـى تـتـصــل إرادتـه ومــحـبـتـه
بـوجـهـه الأعـلـى، والـمـراد بـهـذا الاتـصـال أن تـفـضـى الـمـحـبـه إلـيـه
وتـتـعـلـق بـه وحـده فـلا يـحـجـبـها شئ دونـه ، وأن تـتـصل الـمعـرفـة
بـإسـمـائـه وصـفـاتـه وأفـعـالــه فـلا تـطـمـس نـورهـا ظــلـمـة الـتعطيل
كـمـا لا تـطـمـس نـور الـمـحـبـة ظـلـمـة الـشـرك ، وأن يـتـصـل ذكـره به
سـبـحانـه ، فـيـزول بـيـن الـذكـر والـمـذكور حجـاب الـغـفـلـة والتفاتـه
فـي حـال الـذكـر إلـى غـيـر مـذكـور . فـحـــينـئـذ يـتـصـل الـذكـر بــه
ويتـصـل الـعـمـل بـأوامـره ونـواهـيـه ، فـيـفـعـل الـطـاعـة لأنـه أمـــر
بـهـا وأحـبـهـا ، ويـتـرك الـمـنـاهـى لـكـونـه نـهـى عـنـهـا وأبغضـها
فـهــذا مـعــنـى اتــصـال الـعــمـل بـأمـره ونـهــيـه ، وحـقـيـقــه زوال
الـعـلـل الـبـاعـثـة عـلـى الـفـعــل والــتـرك مـن الأغـراض والـحــظــوظ
الـعـاجـلـة .يــتـصـل الـتـوكـل والـحـب بـه بـحـيــث يـصـيـر واثـقـا ً بــه
سـبـحـانـه مـطـمـئـنـا ً إلـيـه ، راضـيـا ً بــحـسـن تـدبـيــره لـه ، غــيــر
مـتـهـم لـه فـي حـال مـن الأحـوال .
ويـتـصــل فـقـره وفـاقـتــه بـه سـبـحـانـه دون مـن سـواه . ويـتـصــل
خـوفـه ورجـاءه وفـرحه وسـروره وابـتـهـاجـه بـه وحـده ، فـلا يـخاف
غـيـره ، ولا يـرجـوه ، ولا يـفـرح بـه كـل الـفـرح ، ولا يـسـر بـه غايـة
الـســرور . وإن نـالـه بـالـمـخـلـوق بـعــض الـفـرح والـسرور ، فـلــيـس
الـفـرح الـتـام ، والـسـرور الـكـامـل ، والابـتـهـاج والـنـعـيــم ، وقــرة
الـعـيـن ، وسـكـون الـقـلــب إلا بـه سـبـحـانــه ، ومـا سـواه إن أعــان
عـلـى هــذا الــمـطـلـوب فـرح بــه وسـر بـه ، وإن حـجــب عـنـه فـهــو
بـالـحـزن بـه ، والـوحـشـة مـنـه ، واضـطـراب الـقـلـب بـحـصـولـه ، أحق
مـنـه بـأن يـفـرح بـه ، فـلا فـرحــة ولا سـرور إلا بــه ، أو بـمـا أوصــل
إلـيـه ، وأعـان عـلـى مـرضـاتـه .
وقـد أخـبـر سـبـحـانـه أنـه لا يـحـب الـفـرحـيـن بـالـدنـيـا وزيـنـتـهــا ،
وأمـر بـالـفـرح بـفـضـلـه ورحـمـتـه وهـو الإسـلام والإيـمـان والـقـرآن ،
كـمـا فـسـره الـصـحـابـه والـتـابـعـون .
والـمـقـصـود أن مـن اتـصـلـت لـه هـذه الأمـور بـالـلًـه سـبـحـانـه فـقـــد
وصـل ، وإلا فـهـو مـقـطـوع عـن ربـه ، مـتـصـل بـحـظـه ونـفـسـه ،
مـلـبـس عـلـيـه فـي مـعـرفـتـه وإرادتـه وسـلـوكـه .
رحــيــق الــورد
مواقع النشر (المفضلة)