بعد أن تختاري بين نعم ولا.. تمسكي بموقفك
طلبت الأم من ابنتها ان تتخلص من العلكة التي تلوكها في وجود سيدات الاسرة الكبيرات فهمست في أذنها 'من الادب الا تمضغي العلكة في وجود الضيوف' فما كان من ابنة السنوات العشر الا انها انتقلت الى مكان آخر دون ان تنفذ ما طلبته الام وبعد خمس دقائق اعادت على مسامعها نفس الملحوظة واعادت الابنة السلوك نفسه وفي النهاية استسلمت الام وقالت لابنتها في تساهل مصحوب بابتسامة 'انت محظوظة، فلم تكن جدتك تسمح لي بذلك' وهنا ابتسمت الابنة فرحا بانتصارها على الام.
من السهل ان نخطئ الحكم على هذا الموقف - رغم انه يصدر عن معظم الآباء والامهات - ولكن هذه الام ادركت ان الامر لا يستحق ان يطول الصراع بينها وبين ابنتها لمجرد الا تبدو ضعيفة الشخصية.
الا ان التنازل المستمر يؤدي إلى دلال الطفل والظن بانه يستطيع التلاعب بقرارات الوالدين. وقد يكون السبب الرئيسي في الرجوع عن القرارات والتنازل المستمر هو ان معظم الامهات - وقليل من الآباء - يقلن 'لا' على اشياء يمكنهم ان يقلن لها 'نعم' او يجب ان يقلن فيها 'نعم' او يردن في اعماقهم ان يقلن 'نعم' لذا يكون من الطبيعي اذن ان يستسلمن في نهاية اي جدل مع اطفالهن اذن عليك ان تختاري بعناية الموقف الذي تقولين فيه 'لا' حتى لا تعودي وتقولي 'نعم'.
متى تقولين 'نعم'؟
من المؤكد انك سمعت وقرأت آلاف المرات ان عدم وضع قواعد وحدود يحول الطفل الى شخص منحل مدلل لا يجد من يحكمه او يوجهه، ولكن كما ان القواعد والحدود مهمة فإن أفضل طريقة لتنشئة طفل مؤدب يتحمل المسؤولية تكمن في ان تقولي كلمة 'نعم' بمعدل اكبر لانه حين يكون معدل كلمة 'لا' اعلى في حديث الوالدين فإن النتيجة تكون طفلا يحاول دائما اختبار حدود الوالدين او يتسلل للالتفاف حول ما يراه قواعد غير معقولة.
ومع الاطفال الاصغر سنا قد يؤدي ذلك الى مشكلات بخصوص ما يتناولون من اطعمة وفي مواعيد نومهم وفي مواعيد استحمامهم. اما في الاطفال الاكبر - المراهقون - الذين يشعرون عادة بأنهم لا يتحكمون في مجريات حياتهم من خلالها - التغيب عن الحصص الدراسية، التدخين، الخروج عن قواعد اخرى حين يكونون بعيدا عن عيون الاهل - ثم يخفون هذه الامور عنهم.
ويؤكد المتخصصون ان الافراط في استخدام كلمة 'لا' يشعر الطفل بانه يعيش عالما عشوائيا جائرا وان أبويه غير منطقيين ومستبدان، فالرفض الدائم يحرم الطفل من فرصة تعلم صنع قرارات خاصة به وهو يرى الآخرين يصنعون قراراتهم. كما انك حين تقولين 'لا' دائما وابدا سيبدأ الطفل في عدم طاعتك كليا وهذا درس تعلمه كثير من اولياء الامور قبلك ولكن بعد تجارب مريرة.
في المرات القادمة حين تشرعين في نطق كلمة 'لا' اسألي نفسك الاسئلة التالية:
هل تقولين 'لا' لمصلحتهم أم من أجل مصلحتك انت؟
تأكدي تماما من انك لا تقولين 'لا' كرد فعل عكسي على اشياء لن تؤذيهم ولكنها ستتعبك انت، مثلا حين يطلبون اشياء ستشيع الفوضى والقذارة في البيت كاللعب في حوض المطبخ ونثر المياه في كل مكان وتبليل ملابسهم. او حين يرغبون في حفر مناطق غير مزروعة من الحديقة فقد يكون الرد الاولي والسريع 'لا ليس الآن' لتفادي مزيد من العمل. ولكن كبت رد الفعل هذا سيسمح لاطفالك بتنمية قدراتهم الابداعية. ولكن لا تفهمي من ذلك ان عليك تجفيف ارضية المطبخ او اعادة الحديقة إلى ما كانت عليه كل يوم، لان الحفاظ الى سلامة اعصابك مهم مثل ابداع الاطفال تماما. لذا فعلى الرغم من رأي اصحاب مبدأ الثبات على رأي واحد في تربية الابناء، لا بأس ابدا من ان تقولي 'نعم' احيانا وتقولي 'لا' احيانا اخرى لانه لا يوجد ابدا موقفان متشابهان تمام التشابه حيث يجب ان يدخل في حسبانك اثناء اتخاذ القرار كم التعب واليأس الذي يصاب به طفلك من جراء هذه الكلمة ولا تكثري من استخدامها لمجرد انك لا تريدين ان تسجلي سابقة يعتمد عليها الطفل في جدله حين يطلب الطلب نفسه مرات اخرى.
وتأكدي من تفهم الطفل لسبب حصوله على رد معين في يوم معين ووضحي ان قرارك لن يتأثر بأي كم من النحيب او التملق او الالحاح.
هل 'لا' رد فعل تلقائي معتاد؟
- هناك الكثير من القواعد التي سمعناها مرارا وتكرارا اثناء الطفولة 'لا تمضغ العلكة في وجود الكبار'، 'لا تشاهد التلفزيون في ليالي المدرسة' وبالتالي فنحن نرددها على مسامع اولادنا ولكن هل نؤمن حقا بهذه الاقوال؟
اذا كنت لا تجدين غضاضة في ان 'تتعلك' ابنتك فكوني امينة معها. واذا كنت وانت صغيرة تشاهدين التلفزيون بعد اداء واجبات المدرسية فامنحي اطفالك حرية المشاهدة طالما انهم ادوا ما عليهم من التزامات، حين تترددين في قول كلمة 'لا' سيلتقط الطفل هذا الشعور فيتجاهلك ويستاء منك لانك تقولين 'لا' في حين تعرفين ان 'نعم' اكثر منطقية. فإذا شعرت بالتمزق بين الرغبة في القبول بسلوكيات ومشاعر تقيدها القواعد، فحاولي ان تكوني عصرية وصريحة، وقولي لاطفالك 'يوجد قواعد يجب اتباعها حتى لو ظننا انها سخيفة نوعا ما ومن واجباتي كأم ان اساعدكم على اتباع هذه القواعد'. اما اذا وجدت ان القاعدة بلهاء حقا فابدئي بالخروج عليها واشرحي لاطفالك انه بينما يتبع معظم الناس تقاليد معينة فإنك لا تشعرين ان لها قيمة حقيقية لعائلتك. ومن ثم سيتعلم اطفالك ان تشغيل عقولهم اهم من الخضوع والامتثال مما سيفيدهم كثيرا حين يكبرون ويشقون طريقهم في الحياة.
لمن تقولين 'لا'؟
- أين تطلب ابنتك ان تؤخر موعد نومها، هل تقولين 'لا' لانك تعتقدين بأن قلة النوم تؤثر على القدرة على الانتباه في المدرسة صباح اليوم التالي، ام انك ما زلت تختزنين بداخلك كيف كان من حق اختك الكبرى ان تسهر اكثر مما يمكنك انت؟
وحين تقولين 'لا' لابنك عندما يطلب مقدارا آخر من الحلوى، فهل تهتمين حقا بقواعد التغذية السليمة ام انك ما زلت تذكرين ان اخاك كان يتناول كميات حلوى اكبر منك لأن امك كانت تخاف على وزنك من الزيادة وعلى جمال أسنانك؟
احيانا تكون الصرامة مع الاطفال طريقة غير واعية تنتقمين بها مما حدث لك في الطفولة، وهنا تذكر احدى طبيبات علم النفس ان احدى الامهات كانت ترحب دائما وتوافق على طلبات طفلها الاول ثم ترفضها من دون تفكير، اذا صدرت من طفلها الثاني، وحين سألتها الطبيبة عمن يذكرها به طفلها الثاني اعترفت بأنه يذكرها بأخيها الذي لم تكن علاقتها به جيدة في صغرهما وحين ادركت الام هذا صار بامكانها معاملة ابنها بشكل عقلاني عادل.
هل حان وقت تعديل القواعد؟
تتذكر احدى الامهات - لطفلين مراهقين - وتقول 'وجدت ان المواضيع التي كنت اقول فيها 'لا' بشكل روتيني لاولادي وهم صغار ما زالت تثير على لساني كلمة 'لا' حتى الان ولم انتبه للامر الا حين اشار اولادي الى ذلك وبأنهم صاروا اكبر واكثر تحملا للمسؤولية، فأدركت ان القواعد تحتاج دائما لاعادة تقييم.
عند تعديل قاعدة معينة اشرحي لاولادك تطور افكارك كأن تقولي 'كلامكم معقول، وبما اننا قد فكرنا في الامر جيدا فقد غيرت رأيي في طريقة تطبيق هذه القاعدة'. وبهذه الطريقة سيتأكد لاطفالك انك انسانة منطقية، فتصبحين مثلا يحتذى في المستقبل لانهم شاهدوك بأنفسهم وتعلموا ان اتخاذ القرار تدخل فيه عدة عوامل. فمن الافضل اذن الاعتراف بأنك قد غيرت رأيك فتميلين مع الريح بدلا من عدم المرونة التي قد تكسر العلاقة بينك وبين اولادك.
رد مع اقتباس
مواقع النشر (المفضلة)