قلب يحترق خلف القضبان
شعر جمال بالحسرة والألم على نفسه بعد ان طرد من وظيفته بسبب الظروف الصعبة التي مر بها. فوالده الشيخ الكبير أدخل الى المستشفى للعلاج من مرض عضال، فاضطر إلى مؤازرته في مرضه لأنه ابنه الوحيد من زوجته الثانية، واشقاؤه وشقيقاته من زوجة والده السابق هجروا والدهم بعد ان تزوج والدة جمال، وباتوا لا يسألون عنه حتى بعد ان وقع فريسة المرض. وعندما هاتفهم جمال، لم يستمعوا إليه ولا إلى توسلاته ليحضروا لزيارة والدهم المريض الذي يتألم كثيرا ويسأل عن أولاده وهو على فراش الموت، ولم ترق قلوبهم لوالدهم المريض المسكين.
لم ييأس جمال وذهب الى كل منهم. طرق باب شقيقاته واشقائه ليشرح لهم خطورة مرض والدهم وانه يائس من الحياة بسبب عدم زيارتهم له أو السؤال عنه، وهو على شفا خطوات من الموت، لكن الأشقاء والشقيقات تشبثوا بقرارهم بهجران والدهم وعدم السؤال عنه حتى وهو على فراش الموت، بل طردوا جمال شر طردة من بيوتهم على الرغم من توسلاته واستعطافهم زيارة الشيخ المريض الذي لم يكف لسانه عن السؤال عنهم.
لكن كانت المصيبة الكبرى طرده من وظيفته بسبب عدم انتظامه في العمل لمرافقة والده في المستشفى بصورة دائمة. استدان جمال من كل الأصدقاء والمعارف والأقارب، حتى مصوغات والدته رحمها الله اضطر لبيعها ليوفر لنفسه المأكل والمشرب ويلبي مطالب والده المريض على فراش الموت.
تكاثرت الديون على جمال المسكين وأصبحت فرص العمل ضئيلة جدا أمامه، وبدأ الاحساس بالهزيمة يتملكه بعد ان أظلمت الدنيا في عينيه وأصبحت شديدة السواد وأغلقت كل الأبواب المؤدية إلى نجاته من الكم الهائل من الديون المستحقة عليه.
كان الموقف شديد الصعوبة على جمال الشاب المسكين طيب القلب، الذي اصبح ويله ويلين: البحث عن وظيفة وطرق أبواب العمل، أو ملازمة والده المريض الذي يرقد على فراش الموت.
وما زاد من همه أكثر مطاردة الشرطة له لكونه مطلوبا في عدة قضايا شيكات من دون رصيد وقضايا اخرى مالية. فأصحاب الديون التي تستحق عليه رفعوا العديد من القضايا عليه لتحصيل مديونياتهم. الضبط والاحضار يلاحقانه في كل مكان فبات كالمطارد من مكان الى آخر يهرب من رجال الشرطة. وعندما لحقوا به الى المستشفى التي يرقد فيها والده كانت الضربة القاضية له، فكيف يمتنع عن زيارة والده الشيخ المريض المسكين؟
فكر كثيرا وهداه تفكيره اللجوء الى أحد المرابين المعروف عنهم انهم يمنحون قروضا مالية كبيرة، ولكن بشروط مجحفة، تصل الى مضاعفة القرض المستحق. لم يكن أمام جمال حل آخر لانقاذ نفسه من ملاحقة رجال الشرطة، فذهب الى ذلك المرابي الأفاق وحصل على مبلغ كبير ووقع على شيكات بقيمة المبلغ وشيكات أخرى بالقيمة ذاتها أيضا، ولكن شيكات ضمان، وأسرع في تسديد كل ديونه المستحقة عليه للدائنين لرفع الضبط والاحضار حتى يتمكن من زيارة والده في أمان وطمأنينة ولا يمتنع عنه لأنه في أمس الحاجة إلى زيارته.
اطمأن قلب جمال فترة من الوقت، لكن المرابي بدأ في الالحاح عليه لتسديد جزء من المبلغ. فطلب منه جمال مهلة إلى حين العثور على وظيفة ليتمكن من التسديد، لكن المرابي لم يعطه الفرصة، وقدم الشيكات كلها الى النيابة، وأيضا شيكات الضمان.
وفوجئ جمال بالشرطة تنتزعه من بين احضان والده المريض بسبب الأحكام التي يستحق تنفيذها.
وقدم جمال للمحاكمة بتهمة عدة قضايا شيكات من دون رصيد وحكم عليه بعشرة أعوام وراء القضبان.
وبعد دخوله السجن بأيام قليلة رحل والده عن الدنيا وحيدا من دون ان يكون جمال بجانبه.
رد مع اقتباس
مواقع النشر (المفضلة)