الأمل شريان الحياة. فالحياة بلا أمل حياة فارغة لا معنى لها، بل يمكن القول بأنها والموت صنوان. فالأمل هو الذي يجعل الإنسان يحب الحياة ويعمل من أجلها لخير نفسه وخير مجتمعه ولترقية الحياة ذاتها وإثرائها.
والدين من شأنه أن يغرس الأمل في النفوس، ومن هنا يرتبط الإيمان بالأمل ارتباطا وثيقا ويشكلان وحدة واحدة، فالمؤمن لا يمكن أن ييأس أو يصاب بالإحباط والقنوط أو يتسرب القلق إلى نفسه، لأنه يثق في الله وفي عدله وفي رحمته، وأنه لا يضيع أجر من أحسن عملا، فالله أرحم بعباده الذين خلقهم من الأم بولدها. ولذلك يرزق المؤمن والكافر، ولكنه يمهل الظالم ولا يهمل عقابه إن عاجلا أو آجلا.
ويؤكد القرآن الكريم أن المؤمن لا يعرف اليأس: “إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون”، ومن ذلك يتضح أن الأمل يعد نتيجة طبيعية للإيمان، ومن هنا فإنه نعمة كبرى ومنة إلهية، ورحمة من عند الله لعباده، فلولا الأمل “ما أرضعت أم ولدا ولا غرس غارس شجرا” كما جاء في بعض الأحاديث النبوية.
والله يفتح للمذنبين الذين أسرفوا على أنفسهم باب الأمل في التوبة على مصراعيه. وهذا ما يؤكده القرآن الكريم في قوله تعالى “قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم”.
وزيادة في مد حبال الأمل لمن يتسرب اليأس إلى قلوبهم يعلن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإنسان من شأنه أن يخطئ والخطأ في حد ذاته ليس عيبا، ولكن الإصرار على الخطأ هو الذي يبعد الإنسان عن الله، ف “كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون” كما يقول النبي عليه الصلاة والسلام.
وتشجيعا لهم على التوبة وعدم فقدان الأمل يخبرنا القرآن الكريم بأن الله يحب التوابين، ويخبرنا الحديث النبوي بأن الله يفرح بتوبة عبده، وهذا كله يبين لنا بما لا يدع مجالا للشك أن باب الأمل مفتوح لا يغلق أبدا، وهذا من شأنه تأكيد الثقة في الله وفي عدله وإحياء الأمل في النفوس وإنعاشها بالرجاء في الاستجابة.
ومن أجل ذلك يحطم الدين كل الحواجز التي تفصل بين الله والإنسان، فالله قريب من الإنسان يجيب دعوة من يدعوه، بل هو أقرب إليه من حبل الوريد، ولذلك يطلب الله من الإنسان أن يدعوه مباشرة دون وساطة: “ادعوني استجب لكم” كما يقرر القرآن ذلك في وضوح لا لبس فيه.
ويمتد هذا الأمل مع الإنسان المؤمن بالله إلى آخر لحظة في حياته، ولذلك يحث النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين على أن يفعلوا الخير حتى آخر نفس في حياتهم، حتى ولو قامت الساعة، مادام الإنسان في موقف يستطيع من خلاله أن يقدم شيئا ويعبر عن ذلك الحديث النبوي: “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل”.
إن التمسك بالأمل هو في حد ذاته تمسك بالحياة، وهو في الوقت نفسه ثقة تملأ جوانب النفس الإنسانية، وتشعر الإنسان بأنه يستطيع أن يتغلب على كل ما يعترضه من صعاب، لأن الأمل يمد الإنسان بأسباب القوة للتغلب على كل العقبات.
إننا مدعوون إلى التمسك بالأمل والإقبال على الحياة، وألا ننظر إليها بمنظار أسود يرى فقط نصف الكوب الفارغ ولا يرى النصف الآخر المملوء، إن حياتنا ليس لها وجه واحد، ففيها الخير وفيها الشر أيضا، وفيها جوانب ايجابية وأخرى سلبية، فلنغلب الجانب الإيجابي الذي هو دائما جانب الأمل حتى نستطيع بسلاح الأمل أن نتغلب على الجوانب السلبية في الحياة، فبالأمل والإصرار عليه وبالإرادة القوية يستطيع الإنسان أن يملي إرادته على دنيا اليأس والإحباط.
مواقع النشر (المفضلة)