مدونة نظام اون لاين

صفحة 1 من 7 123 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 5 من 32

الموضوع: الجزء الاول: وقفة مع أبي نواس شاعر الخمر }~

  1. #1
    كبآآر الشخصيآت

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المشاركات
    13,511
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي الجزء الاول: وقفة مع أبي نواس شاعر الخمر }~


    مدخل


    قال الجاحظ: ما رأيت أحدا أعلم باللغة من أبي نواس ولا أفصح منه، مع حلاوة ومجانبة استكراه، يصل شعره إلى القلب بدون استئذان.

    * وقال الشافعي : لولا مجون أبي نواس لأخذت العلم عنه.

    * وقال ابن منظور : كان أبو نواس عالما بكل فن، وكان الشعر أقل بضاعته. هو أول من نهج للشعر طريقته الحضرية وأخرجه من اللهجة البدوية، نظم في جميع أنواع الشعر وأجوده شعر خمرياته، وفي الأدب العربي يعتبر أبو نواس شاعر الخمر، لا يدانيه شاعر آخر في وصفه. أتهم بالزندقة فحبسه الأمين في حبس الزنادقة ثم أطلقه.


    قال عبيد الله بن محمد بن عائشة :(( من طلب الأدب فلم يرو شعر أبي نواس فليس بتام الأدب ))


    قال فيه ابن المعتز
    في كتابه ’طبقات الشعراء‘ : "كان أبو نواس ٍ عالماً فقيهاً عارفاً بالأحكام والفتيا، بصيراً بالاختلاف، صاحب حفظٍ ونظرٍ ومعرفةٍ بطرق الحديث، يعرف محكم القرآن ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه."

  2. #2
    كبآآر الشخصيآت

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المشاركات
    13,511
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: الجزء الاول: وقفة مع أبي نواس شاعر الخمر }~

    من هو أبو نواس؟

    ابو نواس هو الحسن بن هانئ ، فارسي الاصل ,,حكمي بالولاء ولد ابو نواس في الاهواز
    لأم فارسية تدعى جلبان وبعد وفاة والده هاجرت امه مع اولادها على البصرة حيث اخذت تعمل على الحياكة
    ووزعت أبنائها للعمل في الحوانيت وقيل انها كانت تجمع الغواني في بيتها للدعارة..ولهذا كان ابو نواس يخفي اسم امه وقيل غير ذلك..

    اسلمت جلبان ابنها ابو نواس لعطار يعمل في دكانه وبعد فترة التقى بمعلمه الاول الشاعر الماجن العربيد والبة بن الحباب الاسدي
    الذي اغراه بحياة التهتك والمجون واخذه معه للكوفة وعلمه قول الشعر الماجن
    وفي البصرة عكف ابو نواس على تلقي العلوم وانكب على الدروس ولكنه لم يفارق حياة الخلاعة والمجون .

    اخذ علومه من كثير من الشيوخ كيعقوب الحضرمي وابي زيد سعيد بن اوس وابي بشر عبدالواحد العبادي ويحيي بن سعيد القطان
    وغيرهم كثير..
    وقرا الشعر على خلف الاحمر وحضر مجالس العلماء مثل ابي عبيده بن معمر بن المثنى وابي حاتم السجستاتي والاصمعي والهيثم بن عدي ...وخرج للبادية ينهل من لغة البادية وخاصة بادية بني اسد ...
    وبعد ذلك ذهب ابونواس إلى بغداد حيث التقى بالشعراء مثل العباس بن الاحنف وابو العتاهية وبشار بن برد ومسلم بن يزيد
    والفضل الرقاشي وحماد عجرد والحسين بن الضحاك ومطيع إبن ياس وغيرهم من الشعراء المتهتكين وتردد معهم إلى الحانات السرية المنتشرة في ضواحي بغداد والتقى ايضا باحدى الجواري المعروفات بحياة التهتك والمجون جنان وقد احبها حبا كبيرا
    ولكن لم تبادله الشعور فتقرب إليها بقصائد يستجدي حبها ولكن دون جدوى .


    عصره وبيئته :

    لا بد ان نتعرف على بيئة الشاعر لنعرف ظروف شعره ونتعرف دوافع شعره الماجن ونتعرف ايضا على دوافع ابداعه
    فلقد عاش ابو نواس في العصر العباسي والفترة التي عاش فيها ابونواس كانت فترة رخاء وترف واطمئنان في الدولة العباسية
    وحياة الترف هذه أدت بهم إلى البحث عن المتعة وعن التمتع بالملذات
    والانسان حينما يشبع من حياة الترف المادي فهو يبحث بعد ذلك عن الترف الروحاني ..ولهذا جاء ادباء وشعراء هذا العصر
    معبرين ومجددين في الشعر وانكبوا على كل العلوم وامر الامراء بترجمة الكتب الفارسية والهندية واليونانية والسيريانية
    وحتى لو لم يقم الخلفاء بترجمة هذه الكتب لكان الناس قاموا بترجمتها لاشباع الزاد العقلي

    لذا فالترف المادي ساير الترف العقلي ..ولم يتخلف عنه وكان لروح هذه العصر تتمثل في نفوس وفي مواهب تشدو بهذه الحضارة
    وتسجل مظاهر الترف والمجون وتصف القصور والحدائق .

    لكن روح هذه العصر لم تتمثل بصدق وتجلي إلا في ابي نواس الحسن بن هانئ
    الشاعر الذي كان يمثل الصورة الحية لزمانه وعصره والعبقري الملهم الذي استوعب كل هذه المنابع الثرة وصاغ منها اشعاره وقصائده فحفظت الاجيال اسمه وربما نسيت عصره غيرن انها لم تنس شاعره لانه كان شعلة من المرح والفكاهة

    أن ابا نواس حقيقة كان يصور جانبا من جوانب النفس البشرية بهذا اللهو والمجون الذي أوغل فيه
    بعنف .
    صوّر ابو نواس الجانب الانساني أدق تصويره وابرعه ومن هنا تعشتقته النفوس وتعلقت به القلوب لانها وجدت فيها ريها وغذائها
    وقد غلت فيه فأرادت ان تضيف من عندها شيئا لابي نواس لتكمل الصورة التي كانت تتخيلها في اعماقه
    فنسجت حوله القصص والروايات الخيالية ورسمت ذلك كله في اطار ادبي خلاب ولم يحدث ان رزق شاعر قبل ابو نواس او بعده
    بمثل هذه الحظوة مما جعل اسمه يتردد على السنة الناس العامة والخاصة وفي كل زمان وحتى في ايامنا هذه ..



    الظروف التي عاشها ابو نواس كان لها اثر في تكوين شخصيته فقد نشأ الحسن بن هانئ يتيما في كنف ام اشغلتها المشاغل
    واضطرتها الحاجة ان تجعل من بيتها ملتقى لرواد المتعة وطلاب اللذة والمجون ، يجتمعون في منزلها ويشربون ويقصفون
    ويقضون مأربهم تحت سمعها وبصرها ..وربما تحت سمع الوليد الناشئ الصغير ابونواس ..ثم انتهت بها الحال إلى علاقة مع رجل
    من اهل البصرة تناقل الناس اخبارهم فتزوجته قطعا للسان الناس وعما يشاع بينها وبينه من كلام غير كريم
    وبهذا الزواج انقطعت الصلة التي كانت تربط الام بولدها ابونواس ...انقطعت !!
    لانها شاءت لها ان تنقطع فقد انصرفت لزوجها واستغرقتها حياتها الطارئة ولم تلتفت بعد ذلك إلا إلى نفسها
    ومن شان هذا العصر مع وجود تلك الظروف ان ترسم الطريق في الحياة لصاحبها ..وأ، تخلق مقومات شخصيته


    وأن طفلا مثل ابو نواس تسلمه ظروفه وحيدا للتجربة وتتركه اعزل للحوادث لا يجد في نفسه القدرة لتجنب الحوادث
    ويعلو على التجربة ويقاوم إغراء الحياة
    ومما يزيد الامر خطورة في مثل هذه السن ان وسيلة الحياءة إلى الاغراء هي ما ركب في نفس هذا الطفل
    من ميل إلى اللعب ومن غريزة جنسية ومن حب استطلاع لايمكن تجاهله ..

    لقد اسلمت جلبان ولدها إلى عطار يبري له اعواد البخور واقبلت على شؤونها
    ووجد الطفل نفسه حرا طليقا لا تربطه بالبيت تلك الصلة العميقة التي يحس بها أي طفل ..فكان لا يأوي إلى البيت إلا لينام
    بعد العمل في دكان العطار صباحا وبعد المذاكرة ليلا في المسجد الجامع وكان الفتي الصغير احس انه مخلوق لغير هذا الامر
    فكان لا يكاد ينتهي من العمل في الدكان حتى تأخذه رجلاه إلى المسجد الجامع حيث حلقات العلم واساطين الادب ورواة الاشعار
    وعلماء التفسير وقصاص التاريخ والفلاسفة ..في ذلك العصر ...
    وكان الحسن من الذكاء وتفتح النفس والنهم الشديد للعلم بحيث لا تفوته ليلة لا يركب ظلامه إلى المسجد كي يجلس إلى العلماء ويأخذ منهم..


    وكان كذلك ردحا من الزمن وكان يختلط بناشئة الادب والمتعلمين وقد اعجبهم ظرفه وأسرهم جماله وراعهم ما عليه من ذكاء وسرعة خاطر ..وكان لديه حس الدعابة واقتدار على الفكاهة وفطنة إلى بواعث الضحك وجنوح إلى معابثة الشيوخ والمتزمتين
    وقد اخذ النواسي في هذه الفترة يتلمس العطف بعدما فقده في البيت وصار يرتاد مواقع الصداقة بروح جائعة وبدأ يتعاطى الخمر
    مع اترابه ويسلم شيطانه لهم ويسلمون شيطانهم
    وكان يشعر باللذة والمتعة شيئا مثيرا عنيفا شأن كل من يطرق بيديه الناعمتين ابواب الحياة..


    ولم تدع المقادير وليدها الناشئ طويلا في ظل هذه الحياة
    فلقد اتاحت له الفرصة بأن يتعرف على الشاعر العربيد الماجن والبة بن الحباب
    ودلت المقابلة الاولى بينهما على ان ابو نواس كان يتتبع اخبار والبة ويحفظ اشعاره
    وروى ابن خلكان في وفيات الاعيان (( أن ابا اسامة والبة بن الحباب رأى الحسن فاستحلاه فقال : إني أرى فيك مخايل أرى ان لا تضيعها فاصحبني أخرجك ...))
    فقال له ابو نواس : ومن انت ؟؟ فقال : أبو اسامة والبة بن الحباب ..فقال ابو نواس : ( نعم ..أنا والله في طلبك
    ولقد أردت الخروج إلى الكوفة بسببك لأخذ عنك واسمع شعرك ...فقال والبة : لماذا ؟؟
    فقال ابو نواس : شهوة للقائك ولابيات حفظتها لك ..فقال والبة : وما هي ؟؟
    فأنشد ابي نواس :
    ولها ولا ذنب لها ** حب كأطراف الرماح
    فسر به والبة سرورا عظيما واخذه معه إلى الكوفة .

    وفي الكوفة دأب الحسن على حضور مجالس الشعرا مع والبة
    وكانوا يعقدون هذه المجالس الشعرية بشكل يومي وهم يشربون الخمر يتنالون اشعار القدامى
    والمحدثين بالنقد او الاطراء او يلقون على بعض ما نظموه من شعرهم وكانوا يقترحون احيانا الموضوعات ليرتجلون الشعر
    ويعرضون احدث ما سمعوه من اخبار ويقصون على بعض ما يدور في حانات الكوفة من اخبار الشعراء وقصص الجواري والنساء
    وما يشغل اذهان الناس في تلك الفترة من اخبار الخوارج وحوادث الفتن التي يفتعلها الطامعون في الخلافة
    وكانت هذه المجالس تضم انماطا مختلفة من البشر فكان فيها العربي المتعصب والفارسي والشعوبي والشيعي والماجن والزنديق
    وقد كانت مشاركة الحسن لهم في تلك المجالس لها اثر عميق في نفسه فقد تعود على الارتجال ومرن على النقد
    واعتنق مبادئ لم يكن ليعتنقها لولا تلك المجالس التي كانت تشبه بالجامعة والمدرسة لتخريجه وتثقفيه ..

    بعد هذه الفترة استاذن ابونواس استاذه والبة بن الحباب في الرحلة إلى البادية فأذن له ووفد مع وفد لبني اسد
    واقام عام لدى بني اسد يسمع اخبار البادية وينهل من لغتها فعاد بعد عام ممتلئ العقل فصارت له ذخيره لمقبل ايامه
    ورصيدا نافعا لغده


    رجع الحسن بعد العام الاول والتقى بعدها في البصرة بخلف الاحمر
    الذي سلك في تدريسه طريقا اخرى غير طريقة والبة بن الحباب امره ان يحفظ كثيرا من القصائد وكثيرا من الاراجيز لفحول الشعراء فحفظ ما امره به وامتحنه خلف الاحمر امتحانا شاقا وعسيرا وانتظر بعدها الحسن ان يأذن له بكتابة الشعر
    فقال له خلف الاحمر : لا آذن لك حتى تنسى ما حفظت ..وتبدو وجهة نظر خلف الاحمر واضحة ههنا إذ انه يريده ان لا يعتمد على التقليد لغيره من الشعراء الذي حفظ لهم اشعارا
    وذات يوم أراد ان يطمئن خلف الاحمر على تلميذه فأمره ان يكتب فيه رثاء وهو حي ..فرثاه ابونواس بقصيدتين فائيتين ( أي بقافية الفاء ) وقد اعجب بها خلف الاحمر ..
    فقال له ابو نواس بظرفه المعهود : مت يا ابا محرز ولك عندي خير منها !!
    فقال له خلف الاحمر : كأنك قصرت !!
    فقال له ابو نواس : لا ولكن أين باعث الحزن ؟!
    وهذا الخبر بليغ الدلالة علىان ابو نواس كان يفهم الشعر فهما عميقا إذ ان الشعر الحقيقي هو الشعر الذي يكون نابعا بصدق وبانفعال حقيقي لا تكلف وتصنع فيه ..

    بعد هذه الفترة استقل ابو نواس بنفسه وصار يكتب معتمدا على شخصيته
    وصار ان احب جارية تدعى جنان كانت لأل عبدالوهاب الثقفي احبها حبا عنيفا
    وكت فيها ارق اشعاره في الغزل وتم له صدق العاطفة فكتب شعرا لم يقلد فيه احدا ويعتبر شعره فيها من أرقى طبقات الغزل في الشعر العربي لما فيه من معاني مبتكرة وصور عاطفية حقيقة
    فكتب فيها قصائد كثيرة واشار في شعره ان جنان كانت تبادله الحب فهو يذكر في شعره التفاف خديهما في الحجر الاسود
    وستره وجهه من ناحية بيده وفعلها كذلك من ناحيتها حتى لا يراهما الناس وهذا لا يكون إلا لعاشقين في غيبوبة النشوة ولايكون هذا إلا بين من اعماهما الحب ففعلا مثل ذلك في بيت الله اثناء الحج !!
    ولكن الواقع غير ذلك فهذه الامور لم تكن سوى خيالا اراد ان يصوره الشاعر في قصائده بعد ان يأس من محبوبته التي كانت ترفضه وبشدة تروى كتب الادب ان جنان كانت تنكر هذه العلاقة اشد الانكار فهو لم يحظ منها حتى بمشاعر العطف والاشفاق
    وقالت لأمراة تعرضت لها بشيء مما يتحدث به الناس في علاقتهما : واضيعاه !! لم يبق لي سوى أن احب هذا الكلب ))
    وهذا الكلب الذي تضن عليه بحبها قد حفظ اسمها على الاجيال فلم تستطع ان تمحوه يد النسيان وخلدها بشعره وكان من الممكن ان تعفي عليه كما عفت على اسماء كثيرات مثلها قبلها وبعدها ..
    ولا ريب ان يهاجر ابونواس بعد يأسه من جنان على بغداد لينسى حبه بعد تعرض للجفاء
    وكان ابو نواس يخاف من شماته الاعداء بعد ان فشل في حبه
    فكان يكتب شعرا يرد به على الشامتين في البصرة على فشله في علاقته مع جنان :
    أيا من كنت بالبصرة = أصفى لهم الودا
    شربنا ماء بغداد = فأنساكمو جدا

    ولكن ماء بغداد لم يستطع ان ينسيه كما يقول فهواتف الاشجان كانت تقلقه ومطارق الاحزان كانت تهوى على قلبه فتوجعه
    وكان يهرب بهذا إلى الخمر وكان يلح في طلب الخمر ويقول في شعره الخمري
    ان الخمر سوف تنسيه وسوف يحصل على الراحة مع الخمر وان الخمر والهم لا يجتمعان
    كما جاء في كثير من المقولات في شعره الخمري ..ولا شك ان ادمانه الخمر جعله يكتب كثيرا من الشعر في الخمر
    ووصل شغفه في الخمر لدرجة ان جعل الخمر كائنا حيا يخاطبه في شعره
    وللخمر في شعر ابونواس اسماء والوان وتاريخ مكتوب وماض مسطور وذهب يصف الخمر ويصف كل ما اتصل بالخمر من بعيد ومن بعيد ..يصف طريقة صنع الخمر ويفرق بين انواع الخمر ويصف مذاق هذه ولون هذه ويذكر السواقي واصحاب الحانات
    وتجار الخمر في شعره ....
    وتفرد ابونواس في شعر الخمر فكتب في الخمر اجزل الشعر وجعل الخمر هي موضوعه في الشعر
    حتى تسمي بشاعر الخمر


    وكان ابو نواس يكتب في مواضيع اخرى مثل المدح وشعر الطرائد والقنص
    وايضا كان يكتب شعرا فيها تعصب للفارسية كونه فارسيا وكان يسلب العرب كل فضائلهم في شعره وكان يهجو قبائل عربية
    ويذم الاعراب في طريقة عيشهم الجافة ويتغنى باسلوب الحياة الحضرية حيث الخمر والنساء والحدائق والملاهي والحفلات الصاخبة ويتعصب للفرس في انهم يستمتعون بحياتهم ويلهون عكس العرب الاجلاف الغلاظ ..!!

    وكان ابونواس بعد يأسه من جنان وحبها تحول إلى حب المرد وحب الغلمان !!
    واشتهر بهذا الامر وكان اول شاعر يكتب شعرا في التغزل بالغلمان وكان هذا الشذوذ الذي يعبر عنه ابونواس
    لم يأت فقط من ابي نواس فكان في ذلك العصر انتشار لهذه العادة وهذا الشذوذ الجنسي حيث ان ابو نواس لم يكن سوى المعبر بشعر صريح عن هذا الامر ولكن اغلب الناس في ذلك العصر كانوا اباحيين وماجنين ومن هنا كان اسباب سقوط الدولة بسبب انغماس الناس في الملذات


    ويقول في شعر صريح يسخر فيه من الاعراب وانهم لم يعرفوا العشق من هذا النوع وهو عشق الذكران والمردان
    لو ان مرقشا حيّ= تعلق قلبه ذكرا
    وأيقن ان حب المر=د يلقى سهله وعرا
    والمرقش هو من عشاق العرب الذين ماتوا بسبب العشق فهو يقول ان المرقش لم يعرف عشق الذكران فليته عرف هذا العشق


    في اخر ايام ابو نواس ظهرت له اشعار في الزهد وهو احساس عميق لمن اسرف في حياته بالشرب واللهو
    فكان يكتب شعرا زهديا يعبر فيه عن انفعالات نفسية عميقة وحالة ندم عميقة
    فيقول في شعره الزهدي:
    من أنا في موقف الحساب ** إذا نودي بالأنبياء والرسل ِ
    ذاك يوم يجل عن خطري** فما لمثلي هناك من عمل ِ
    هنت على الخالق الجليل فما ** ينظر في قصتي ولا عملي

    وايضا كان احساسه بالتفريط كبيرا فهو يقول :
    لهف نفسي على ليال وأيام= سلكنا بهن لعبا ولهوا
    قد أسانا كل الاساءة يا ر=ب ُ فصفحا عنا إلهي وعفوا

    وإذا صح خبر انه نسك والتزم في اخر حياته كما يقول صاحب الاغاني في كتابه فليس بمستبعد ان يصدر عنه هذا الشعر
    الذي كتبه في الزهد

    والخلاصة : ان الحسن بن هانئ فنان من رأسه إلى قدمه فنان في شعره كما هو فنان في حياته
    وحادثة واحدة تدلك على مقدار العطف الانساني الذي كان مستكنا في نفس هذا الشاعر وتشير إلى روحه الفنية الاصيلة
    تلك الحادثة هي عطفه على ابن مناذر وهو في محنته حين ضربه هارون الرشيد ومنعه من العطاء رغم ما كان في نفس ابن مناذر من الحقد على ابونواس ورغم تفضيله همزية الحسين بن الضحاك على همزيته حين احتكم ابونواس والحسين بن الضحاك إلى ابن مناذر...

    همزية تعني قصيدة قافيتها بالهمزة ......

  3. #3
    كبآآر الشخصيآت

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المشاركات
    13,511
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: الجزء الاول: وقفة مع أبي نواس شاعر الخمر }~

    شعره في الخمر :


    لا شك ان ابا نواس هو شاعر الخمر وأجود اشعاره واعذبها كانت في الخمر
    وهنا سأعرض لكم بعض من شعره في الخمر

    اسم القصيدة : مدعي الفلسفة

    دع عنك لومي فإن اللوم إغراء = ودواني بالتي كانت هي الداء ُ
    صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها= لو مسها حجر مسته سراءُ
    من كف ذات حر في زي ذي ذكر= لها محبان لوطي ٌ وزناء ُ
    قامت بإبريقها والليل معتكر= فلاح من وجهها في البيت لألاء
    لتلك ابكي ولا أبكي لمنزلة= كانت تحل بها هند وأسماء ُ
    فقل لمن يدعي في العلم فلسفة=حفظت شيئا وغابت عنك أشياءُ

    في هذه القصيدة ولها قصة هي ان ابا نواس في صباه تصاحب مع ابراهيم النظام ثم افترقا
    وكان النظام خلال ذلك قد اعتنق مبادئ المعتزلة وصار على رأس فرقة منهم فلما التقيا دعا النظام ابو نواس
    ليعتنق مبادئه ولامه في الشرب لان المعتزلة يعتبرون شارب الخمر او مرتكب الكبيرة كافر
    فعرض ابو نواس بابراهيم النظام في هذه القصيدة وقال ( دع عنك لومي فإن اللوم اغراء)
    وهذا يدل على ان المنع يزيد في رغبة الشخص ويغري بارتكاب الممنوع وهذي تعتبر حكمة فكل ممنوع مرغوب
    واما قوله ودواني بالتي كانت هي الداء فهو يقصد ان ان ادمان الخمر يعتبر داء والعلاج هو في شربها
    فلا يزول صداع الانقطاع عن الشرب إلا بشرب كاس وفي هذا قال الشاعر الجاهلي الاعشى:
    وكأس شربت على لذة = وأخرى تدوايت منها بها

    قوله من كف ذات حر في زي ذي ذكر يقصد هنا ان ان الخمر سيأخذها من كف ساقية
    ويقول ان هذه الساقية تلبس مثل زي الذكر فهي تحب التشبه بالرجال ...ولهذا السبب لها محبان لوطي وزناء
    وكانت النساء في عصره يتشبهن بالرجال فكانوا يرسمون الشوارب ويلبسون ملابس الرجال في الحفلات الماجنة
    التي كانت تقام في الحانات السرية...
    اما قوله لتلك ابكي ولا أبكي لمنزلة
    فهنا وجهة نظر ابونواس هي انه لا يريد ان يبدأ الشعر بالوقوف على الاطلال
    كما كان الشعراء يفعلون دائما..ولكنه يريد ان يبدا شعره بوصف الخمر
    وفي هذا تحرير للقصيدة العربية من القيود التي لازمتها قرون ..ويعتبر هذا تجديد لابي نواس
    فهو لم يعجبه ان يقلد غيره من الشعراء وكان لا بد ان يقول شعرا مناسبا في عصره حيث مظاهر الترف
    والتي هي بعيدة كل البعد عن الوقوف في الاطلال حسب طريقة الشعراء البدو..



    قصيدة اخرى

    اسم القصيدة : خمار يهودي

    ونلاحظ في هذه القصيدة دقة الوصف في عملية شراء الخمر وحديثهم مع الخمار اليهودي واقامتهم شهر كامل في تلك الحانة
    وكأن القصيدة قصة
    يصور لنا شرائه ومماطلته ومساومته للخمار اليهودي صاحب الحانة

    وفتيان صدق قد صرفت مطيهم =إلى بيت خمار نزلنا بها ظهرا
    فلما حكى الزنار أن ليس مسلما= ظننا بها خيرا فظن بنا شرا
    فقلنا : ( على دين المسيح بن مريم؟=فأعرض مزورا وقال لنا :كفرا
    ولكن يهودي يحبك ظاهرا= ويضمر في المكنون منه لك الخترا
    فقلنا له : ماالاسم ؟ قال : سموأل= على انني اكنى بعمرو ولا عمرا
    وما شرفتني كنية عربية =ولا أكسبتني لا سناء ولا فخرا
    ولكنها خفت وقلّت حروفها=وليست كأخرى إنما خلقت وقرا
    فقلنا له عجبا بظرف لسانه=( أجدت أبا عمرو فجودْ لنا الخمرا
    فأدبر كالمزور يقسم طرفه= لأرجلنا شطرا وأوجهنا شطرا
    فجاء بها زيتية ذهبية= فلم نستطع دون السجود لها صبرا
    خرجنا على ان المقام ثلاثة= فطابت لنا حتى أقمنا بها شهرا
    عصابة سوء لا يرى الدهر مثلهم=وإن كنت منهم لا بريئا ولا صفرا
    إذا ما دنا وقت الصلاة رأيتهم=يجثونها حتى تفوتهم سكرا

    الزنار هو ما يشد به على الظهر وهو خاص باهل الذمة في الاسلام كان يتميزون بلبسها
    مزورا : أي انحرف
    الختر: الغدر
    الوقر: الحمل الثقيل...

    ونأخذ قصيدة اخرى


    وهنا قصيد أخرى

    اسم القصيدة : بستان عمار

    وهو يصف مجلس للشرب لصاحب حانة اسمه عمار


    يا حبذا مجلس قد كان يجمعنا = بطيزناباذ في بستان عمار
    وحبذا أم عمار ورؤيتها = خمارة أصبحت أما لخمار ِ
    تعلنا بمدام قد تناولها = ريب الزمان وعصر بعد أعصار
    أنّت زمانا كما أن المريض وما= تشفى فدافع عنها الخالق الباري
    فلم تزل حقب الايام تنقصها = حتى اختبا عشرها في دنها القاري
    كأنما شربت من نفسها جرعا = فازداد من لونها في باطن القار
    لم تخط من خدرها شبرا إلى احد= ولم تزل بين جنات وأنهار

    في هذه القصيدة يشير ابونواس إلى ان الخمرة التي كانت لدى حانة عمار
    خمر قديما ومنذ عصور فهي معتقة ....ولم تخط من خدرها شبرا أي من باطن القار الذي تحفظ فيه الخمور
    ولذا فهو يشبهها بالفتاة العذراء في قوله لم تخط من خدرها شبرا ...لان الذين يلزمن الخدر هن الابكار العفيفات





  4. #4
    كبآآر الشخصيآت

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المشاركات
    13,511
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: الجزء الاول: وقفة مع أبي نواس شاعر الخمر }~

    ونأخذ قصيدة أخرى..
    اسم القصيدة : عند الأمير

    هوالامير ابو عيسى وهو ابن ابي جعفر المنصور
    وقد دعا أبا نواس إلى قصره ليقيم معه اسبوعا كاملا
    وقد ساله أن يصف مجلسهم في ايام الاسبوع فكتب هذه القصيدة.

    يا طيبنا بقصور القفص مشرقة= فيها الدساكر والأنهار تطرد ٌ
    لما أخذنا بها الصهباء صافية= كأنها النار وسط الكأس تتقدُ
    جاءتك من بيت خمار بطينتها=صفراء مثل شعاع الشمس ترتعدُ
    فقام كالغصن قد شدت مناطقه = ظبي يكاد من التهييف ينعقدُ
    فاسلتها من فم الأبريق فانبعثت= مثل اللسان جرى واستسمك الجسد
    فلم نزل في صباح السبت نأخذها = والليل يجمعنا حتى بدا الأحدُ
    ثم ابتدانا الطلا باللهو من أمم= في نعمة غاب عنها الضيق والنكدُ
    حتى بدت غرة الإثنين واضحة= والسعد معترض والطالع الأسدُ
    وفي الثلاثاء أعملنا المطي بها = صهباء ما قرعتها بالمزاج يدُ
    ثم الخميس وصلناه بليلته = قصفا وثم لنا بالجمعة العدد ُ
    يا حسننا ! وبحار القصف محدقة= وفي جوانبه الأنهار تطرد
    لا نستخف بساقينا لعزته = ولا يرد عليه حكمه أحدُ
    عند الأمير أبي عيسى الذي كملت= أخلاقه فهي كالأوراق تنتقدُ

    قوله لما أخذنا الصهباء يقصد الخمر ويصفه بالصهباء لأن لونها كذلك..



    وناخذ قصيدة أخرى:

    أسم القصيدة: أصغر الساقيين

    في هذه القصيدة يتغزل بساقي صغير في السن وابونواس كان مشهورا بالتغزل في الغلمان
    ويعتبر أول من أخترع الغزل في المذكر ..وهذا يعني الانحراف بأم عينه لكن بغض النظر عن هذا وذاك
    عبر أبو نواس عن هذه المشاعر المنحرفة بشعر رائع يعتبر في أعلى طبقات الشعر

    أشتهي الساقيين لكن قلبي= مستهام بأصغر الساقيين
    ليس باللابس القميص ولكن=ذي القباء المعقرب الصدغين
    الذي بالجمال زينه الله= وحسن الجبين والحاجبين
    يتلاهى إذا استحث لشرب= في سكون ويمسح العارضين
    خرسنوه وما درى ما خراسا=ن بلبس القباء والمئزرين
    هم يجورون في المزاح عليه= وهو يحكي بعدله العمرين

    قوله معقرب الصدغين أي ان خصلات شعره متدلية وتشبه ذيل العقرب الاسود لان العقرب حين يمشي يلوي ذيله ويرفعها حينا
    فهو يشبه الخصلة بذيل العقرب..
    وقوله خرسنوه ...اي البسوه ملابس أهل خراسان وكانت هذه الملابس تلتصق بالجسم بحيث تظهر محاسنه
    وقوله العمرين ..عمر بن الخطاب وعمر بن عبدالعزيز والعذل الذي يشير إليه هو في توزيع الكوؤس عليهم بالعدل وإقباله على كل واحد فيهم بالتساوي ...


    قصيدة اخرى

    اسم القصيدة : فتوى فقيه


    هنا ابونواس في هذه القصيدة يتمادى كثيرا بالافتاء في الخمر ويجاهر بالمعصية
    وكما يقال ابو نواس كان خبيرا بالفقه لكنه احب حياة المجون اكثر ...


    ويريد بهذه القصيدة ان يحلل ويرخص كل المتع والملذات بشعر ساحر وغريب

    قل للعذول بحانة الخمار=والشرب عند فصاحة الأوتار
    إني قصدت إلى فقيه عالم=متنسك حبر من الأحبار
    متعمق في دينه متفقه = متبصر في العلم والأخبار
    قلت : النبيذ تحله ؟ فأجاب لا = إلا عقار ترتمي بشرار !
    قلت : الصلاة ؟ فقال : فرض واجب= صل الصلاة وبت حليف عقار
    أجمع عليك صلاة حول كامل= من فرض ليل فاقضه بنهار
    قلت: الصيام ؟ فقال لي : لاتنوه ِ= واشدد عرى الافطار بالافطار
    قلت : التصدق ؟ والزكاة ؟ فقال لي= شيء يعد لآلة الشطار
    قلت : المناسك إن حججت فقال لي= هذا الفضول وغاية الإدبار
    لا تأتين بلاد مكة محرما= ولو ان مكة عند باب الدار
    قلت : الطغاة ؟ فقال لي : لا تغزهم= ولو انهم قربوا من الأنبار
    سالمهم واقتص من أولادهم= إن كنت ذا حنق على الكفار
    واطعن برمحك بطن تلك وظهر ذا= هذا الجهاد فنعم عقبى الدار !
    قلت : الأمانة هل ترد ؟ فقال لي : لا تردد القطمير من قنطار ِ
    لا هم إلا ان تكون مضمنا= دينا لصاحب حانة ٍ خمار
    فأردد امانته عليه ودينه= واحتل لذاك ولو ببيع إزار
    قلت اعتزمت فما ترى في عازب= متغرب متقارب الاسفار !؟
    فأجابني لك ان تلذ بزنية= من جارة وتلوط بابن الجار
    ودنا إلى وقال : نصحك واجب= زين ْ خصالك هذه بقمار !


  5. #5
    كبآآر الشخصيآت

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المشاركات
    13,511
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: الجزء الاول: وقفة مع أبي نواس شاعر الخمر }~

    مع شرح القصيدة ..



    وَفِتيَةٍ كَمَصابيحِ الدُجى غُرَرٍ


    شُمِّ الأُنوفِ مِنَ الصيدِ المَصاليتِ


    صالوا عَلى الدَهرِ بِاللَهوِ الَّذي وَصَلوا


    فَلَيسَ حَبلُهُمُ مِنهُ بِمَبتوتِ


    دارَ الزَمانُ بِأَفلاكِ السُعودِ لَهُم


    وَعاجَ يَحنو عَلَيهِم عاطِفَ الليتِ


    نادَمتُهُم قَرقَفَ الإِسفَنطِ صافِيَةً


    مَشمولَةً سُبِيَت مِن خَمرِ تِكريتِ


    مِنَ اللَواتي خَطَبناها عَلى عَجَلٍ


    لَمّا عَجَجنا بِرَبّاتِ الحَوانيتِ


    في فَيلَقٍ لِلدُجى كَاليَمِّ مُلتَطِمٍ


    طامٍ يَحارُ بِهِ مِن هَولِهِ النوتي


    إِذا بِكافِرَةٍ شَمطاءَ قَد بَرَزَت


    في زَيِّ مُختَشِعٍ لِلَّهِ زِمّيتِ


    قالَت مَنِ القَومُ قُلنا مَن عَرَفتِهُمُ


    مِن كُلِّ سَمحٍ بِفَرطِ الجودِ مَنعوتِ


    حَلّوا بِدارِكِ مُجتازينَ فَاِغتَنِمي


    بَذلَ الكِرامِ وَقولي كَيفَما شيتِ


    فَقَد ظَفِرتِ بِصَفوِ العَيشِ غانِمَةً


    كَغُنمِ داوُدَ مِن أَسلابِ جالوتِ


    فَاِحيَي بِريحِهِم في ظِلِّ مَكرُمَةٍ


    حَتّى إِذا اِرتَحَلوا عَن دارِكُم موتي


    قالَت فَعِندي الَّذي تَبغونَ فَاِنتَظِروا


    عِندَ الصَباحِ فَقُلنا بَل بِها إيتي


    هِيَ الصَباحُ تُحيلُ اللَيلَ صِفوَتُها


    إِذا رَمَت بِشِرارٍ كَاليَواقيتِ


    رَميَ المَلائِكَةِ الرُصّادِ إِذ رَجَمَت


    في اللَيلِ بِالنَجمِ مُرّادَ العَفاريتِ


    فَأَقبَلَت كَضِياءِ الشَمسِ نازِعَةً


    في الكَأسِ مِن بَينِ دامي الخَصرِ مَنكوتِ


    قُلنا لَها كَم لَها في الدَنِّ مُذ حُجِبَت


    قالَت قَدِ اِتُّخِذَت مِن عَهدِ طالوتِ


    كانَت مُخَبَّأَةً في الدَنِّ قَد عَنَسَت


    في الأَرضِ مَدفونَةً في بَطنِ تابوتِ


    فَقَد أُتيتُم بِها مِن كُنهِ مَعدِنِها


    فَحاذِروا أَخذَها في الكَأسِ بِالقوتِ


    تُهدي إِلى الشَربِ طيباً عِندَ نَكهَتِها


    كَنَفحِ مِسكٍ فَتيقِ الفارِ مَفتوتِ


    كَأَنَّها بِزُلالِ المُزنِ إِذ مُزِجَت


    شِباكُ دُرٍّ عَلى ديباجِ ياقوتِ


    يُديرُها قَمَرٌ في طَرفِهِ حَوَرٌ


    كَأَنَّما اِشتُقَّ مِنهُ سِحرُ هاروتِ


    وَعِندَنا ضارِبٌ يَشدو فَيُطرِبُنا


    يا دارَ هِندٍ بِذاتِ الجِزعِ حُيِّيتِ


    إِلَيهِ أَلحاظُنا تُثنى أَعِنَّتُها


    فَلَو تَرانا إِلَيهِ كَالمَباهيتِ


    مِن أَهلِ هيتٍ سَخِيِّ الجَرمِ ذي أَدَبٍ


    لَهُ أَقولُ مِزاحاً هاتِ يا هيتي


    فَيَنبَري بِفَصيحِ اللَحنِ عَن نَغَمٍ


    مُثَقَّفاتٍ فَصيحاتٍ بِتَثبيتِ


    حَتّى إِذا فَلَكُ الأَوتارِ دارَ بِنا


    مَعَ الطُبولِ ظَلَلنا كَالسَبابيتِ


    فُزنا بِها في حَديقاتٍ مُلَفَّفَةٍ


    بِالزَندِ وَالطَلحِ وَالرُمّانِ وَالتوتِ


    تُلهيكَ أَطيارُها عَن كُلِّ مُلهِيَةٍ


    إِذا تَرَنَّمَ في تَرجيعِ تَصويتِ


    لَم يَنثَني اللَهوُ عَن غِشيانِ مَورِدِها


    وَلَم أَكُن عَن دَواعيها بِصَمّيتِ


    حَتّى إِذا الشَيبُ فاجاني بِطَلعَتِهِ


    أَقبِح بِطَلعَةِ شَيبٍ غَيرِ مَبخوتِ


    عِندَ الغَواني إِذا أَبصَرنَ طَلعَتَهُ


    آذَنَ بِالصَرمِ مِن وِدٍّ وَتَشتيتِ


    فَقَد نَدِمتُ عَلى ما كانَ مِن خَطَلٍ


    وَمِن إِضاعَةِ مَكتوبِ المَواقيتِ


    أَدعوكَ سُبحانَكَ اللَهُمَّ فَاِعفُ كَما


    عَفَوتَ يا ذا العُلى عَن صاحِبِ الحوتِ







    أبو نواس شاعر يحب السهر والسفر والصحبة ومتع الحياة وهو بارع في وصف كل شيء ، فهوشاعر متمكن جدا وسهل العبارات والكلمات ويحسن ببراعة فائقة جانب الوصف فيالشعر
    وهو في هذه الأبيات يصفلقاءه بأصحابه وما هم عليه من جاه وعظم شأن وبحثهم عن حانة لشرب الخمر وبعد ذلكوصفه للخمر،
    وبصدق هذا الوصف( بغض النظر عنأنها خمر )هو أروع ما قرأت في مجال وصف شيءو لكم دائما الحكم
    يقول أبينواس
    وفتية كمصابيح الدجى غرر
    شم الأنوف منالبيض المصاليتِ
    صالوا علىالدهر باللهو الذي وصلوا
    فليسحبلهم منه بمبتوتِ
    دان الزمانبأفلاك السعود لهم
    وعاج يحنواعليهم عاطف الليتِ
    إذا بكافرةشمطاء قد برزت
    في زي مختشع للهزميتِ
    قالت من القوم قلنا قدعلمتهم
    من كل سمح بفرط الجودمنعوت
    حلوا بدارك مجتازينفاغتنمي بذل الكرام
    وقولي كيفماشيتِ
    قالت فعندي الذي تبغونفانتظروا
    عند الصباح فقلنا بلبها إيتِ
    هي الصباح يجلي الليلصفوتها
    إذا رمت بشرركاليواقيتِ
    رمي الملائكة الرصادإذا رمت
    بالنجم في الليل مرادالعفاريتِ
    ************************************************** ****
    واسمحو لي أن أتوقف هنا فالقصيدةطويلة ولكم شرح مبسط للأبيات
    وفتية كمصابيح الدجى غرر،شم الأنوف من البيض المصاليت ( أي فتية بيض الوجوه من سادةالقوم ذوو حسب وأنفة )
    صالوا على الدهرباللهو الذي وصلوا ، فليس حبلهم منه بمبتوت ( انهم تمردوا علي دهرهم باللهوالذي لاينقطع )
    دان الزمان بأفلاكالسعود لهم وعاج يحنوا عليهم عاطف الليت ( الزمان أعطاهم أسباب السعادةويربت عليهم ويحنوا عليهم )

    ****** ثم يأتي لوصف رحلتهم في البحث عن حانةلاحتساء الخمر( وكأنه يأخذ بيدك معه في الرحلة وكأنك معه ترىوتسمع وتشاهد أدق التفاصيل )****

    إذا بكافرة شمطاء قد برزت ، فيذي مختشع لله زميت
    ( يقول أنهم وهم سائرون بحثا عنحانة ظهرت لهم امرأة كافرة ( يقصد ليست مسلمة ) ظهرت لهم في زي محتشم تكاد لا ترىمنها شيئا بسبب أنهم ( أي غير المسلمين كانوا يتخفون ليمارسوا تجارتهم في بيعالخمور وما إلى ذلك مما هو ممنوع) فقد ظهرت لهم صاحبة الحانة في زي يشبه زيالمغاربة المغطي للرأس المتصل بالثوب ( الزنط )
    قالت من القوم ، قلنا قد علمتهم ، من كل سمح بفرط الجودمنعوت
    ( أي سألت من القوم فقالوا لها كما ترين منالسادة والمعروف عنهم الدفع بسخاء ( ليغريها بتقديم أفضل ما عندها من خمر )
    قالت فعندي الذي تبغون فانتظروا عندالصباح ، فقلنا بل بها إيت ( قالت لهم عندي ماتريدون فانتظروا حتي الصباحفقالوا لها بسرعة بل هاتها )

    **وتمعنوا واستمتعوا معيبهذا الوصف للخمر **

    هي الصباح يجلي الليل صفوتها
    إذا رمت بشرركاليواقيت
    رمي الملائكةالرصاد إذا رمت
    بالنجمفي الليل مراد العفاريت

    ( يقول هذا الشاعر الفذالداهية : لا ننتظر للصباح فهي الصباح ( يقصد الخمر ) تجلي الليل بصفائهاوشفافيتا إذا رمت بشررها الذي يشبه اليواقيت ( جمع الياقوته ) وهنا لاحظوا معي أنهشبه الخمر وكأنها تطلق شررا يشبه الألعاب الناريه الزاهية في أيامنا تلك ( وهذاسرعبقرية أبي نواس في الوصف وقدراته التقدمية غير التقليديه ) فكأس الخمر يشبهمثلاكأس البيبسي أو السفن الذي يطلق الرذاذ نتيجة الصودا ( مع الفارق في التشبيه ) فيدك يمكن أن تشعر بهذا الرذاذ اذارحتلإلتقاط هذا الكأس .
    وكأن هذاالرذاذ يطلق أضواءا و ألوانا تشبه اليواقيت وما أروع هذا اللفظ ( اليواقيت )

    وهي في رميها لهذا الشرر تشبهالملائكة وهي ترمي العفاريت بالشهب وهي تحاول التسمع على أخبار السماء
    وهنا العبقرية (كأس الخمرتطلق الشرر لتبعد اليد التي تحاول الأمساك بها لاحتسائها مثل الملائكة التي تقذفالعفاريت بالشهب لمنعها من التسمع على السماء (يا الله على هذا الوصف والربط بين صورتين مختلفتين تماما)( الكأس تبعد اليد والملائكة تبعدالعفاريت ) وطريقة الإبعاد ( الكأس تقذف بالرذاذ اللامع البراق المضيء والملائكة ترمي العفاريتبالشهب المضيء البراق أيضا)
    ونقلنا بين الصورتين بسرعة البرق دون الاحساس بهذا الاختلاف بل أوصلناللرابط بينهما بشكل مذهل

    ولا أدري من أين أتى بهذه البراعة في التشبيه بين شيئين





المواضيع المتشابهه

  1. وقفة: الجزء الثاني مع أبي نواس
    بواسطة ظميان غدير في المنتدى قصائد وخواطر
    مشاركات: 22
    آخر مشاركة: 04-03-2011, 05:16 PM
  2. وقفة مع : ابن الرومي (شاعر المآسي)
    بواسطة ظميان غدير في المنتدى قصائد وخواطر
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 04-10-2010, 06:42 PM
  3. وقفة مع: شاعر ارتريا (( احمد سعد ))
    بواسطة ظميان غدير في المنتدى قصائد وخواطر
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 26-06-2010, 04:32 AM
  4. وقفة خاطر الجزء الاول
    بواسطة ضرار في المنتدى الارشيف
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 19-02-2008, 12:49 PM
  5. قصيدة لعرابجة أيام أول ( شاعر الخمر )
    بواسطة ظميان غدير في المنتدى الارشيف
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-05-2007, 06:43 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •