تعتبر الشفاه مفتاحا من مفاتيح المعرفة للمشاعر الإنسانية، من خلال تعابيرها المختلفة، وأحيانا حجمها، ولا يختلف في ذلك جنس الإنسان أو عمره.
وقد دأبت الأوصاف الأدبية في الشعر والنثر والأمثال على تقديم المعايير والنماذج لتلك الشفاه.
أما اليوم وبعد ما حل بتلك الشفاه الجميلة من عمليات نفخ وتلوين وتهدل، باتت الوقاحة هي الوصف المعياري الوحيد لتلك الشفاه، ناهيك عن مقدار القبح الذي تنشره في الأرجاء، وشعور التقزز الذي تفرضه على الآخرين.
هذه الظاهرة “تقبيح الشفاه” وبمعنى آخر تشويه خلقة الله، ظهرت في الغرب باكرا بعد احتكاكهم بالأفارقة الذين وهبهم الله تعالى شفاها غليظة بارزة، تتناسب مع صورتهم الإنسانية الجميلة، والمتناسقة مع طبيعة القارة السوداء، وهم “أي الأفارقة” رغم ملامحهم البارزة، إلا أنهم يتباهون بالحياء والعفة.
أما الغربيات اللائي “برّزن” شفاههن غيرة وتقليدا للإفريقيات، لا يناسبهن ذلك التغيير، ولا يتماشى مع طبيعة بلادهن ومناخها، لكننا نغض الطرف لسبب وجيه، أنهن أرباب التقليعات الغريبة والصرعات المجنونة، وعلى الرغم من ذلك نجد كثيرا من الأصوات تتعالى هناك لحثهن على الابتعاد عن هذا الفعل المنافي للطبيعة لما له من أضرار ومشاكل طبية لها مردود سلبي على صحة الإنسان.
لكن الملفت بحق سعي بعض العربيات “على امتداد خريطة الوطن العربي” إلى تقليد ذلك النموذج الغربي من دون مفهوم حضاري أو مناخي، إلا من نزعة تقليدية وغرائزية.
كان الإماراتيون في الماضي إذا ما رأوا من برزت شفاهه تعمدا وبشكل ملفت، قالوا عنه “مبرطم” فيسمون الشفاه تلك “براطم” والناس الذين بتلك السمة “مبرطمين” أو “قوم بو البراطم”، وهي صفة سيئة مقيتة، والطفل دائم الدلع إذا ما لوحظ سلوكه السيئ هذا، قيل له “لا تبرطم وكون آدمي” وكأن “التبرطيم” هكذا يلفظها الإماراتيون صفة تتنافى والآدمية، والبرطمة عند المصريين الكلام المبهم، فإذا تحدث أحدهم بهمهمة غير مفهومة قيل له “انته بتبرطم بتقول ايه”، ويقابلها في الامارات التحرطيم فيقال للشخص “انته تتحرطم شو تقول”.
لا أدري إلى أين سيصل بنا قطار التقليد، هل هناك محطة أخيرة، أم نفق مظلم، أم هاوية كارثية مرعبة؟ الله وحده أعلم.
حتى في البراطم والشفاه الوقحه..!
التقليد التقليد التقليد حفرة عميقة سقطنا فيها ولا نعرف متى نخرج منها، والأجيال تتعاقب ولا من مغير لهذا الوضع المأساوي!
مواقع النشر (المفضلة)