كما كنا ننظر للدكتور النفيسة نظرة إعجاب وتقدير واحترام، وكما كنا نراه عملاقا وهرما شاهقا، ومثالا للكلمة الحرة، والجرأة في الحق، والثبات على المبدأ، وكنا نحسبه من الذين لا يخشون في الله لومة لائم،وكنا نحسبه عصي على الاحتواء والتوظيف،والاستتباع والاستلحاق، وكنا نحسبه من الذين لا يسيل لعابهم للإغراءات أيا كانت، وكنا نحسبه من القامات، وكنا نحسبه من الذروات، وكنا نحسبه من الذين لايرضون الدنية في دينهم، وكنا نحسبه لا يسلس قياده، ولا يطاوع عناده، وكنا نحسبه محصّنا ضد الاختراق والالتفاف، والاستيعاب، والاستدماج في الأسراب المغردة في هذا الاتجاه أو ذاك .



ولكن يا حسرة على العباد، على سقوط من كنا نعده من العدة والعتاد، يهوي من عل ويتدحرج على المدرجة، وتتناثر قيمته، بين عشية وضحاها، مقابل الظهور في حلقة تلفزيونية على إحدى القنوات الفضائية، وللأسف الشديد أن الدكتور النفيسة انتظم في لي أعطاف الكلام، وتزوير الحقائق، يماحك، ويناكف، ويرجف، ويستغفل، ويستعبط، ويأتفك القصص، يتحدث عن تنظيم القاعدة بالاعتذارية والدائرية، فزعيمه (الشيخ أسامة)!، والتنظيم له أهداف استراتيجية في جزيرة العرب!



رغم أن أتباع التنظيم لا يعرفون معنى استراتيجية!، وتسمية المعاهدين في تقدير الدكتور النفيسة ليست دقيقة لأنهم تجاوزوا كل الحدود، واحتلوا أقطارا عربية، ولسنا بحاجة للفطنة لنفهم ماذا يعني هذا الكلام،وتنظيم القاعدة في تقدير الدكتور النفيسة لم يتأثر بالضربات الموجعة التي وجهتها له قوات الأمن، بل على العكس من ذلك تماما، كما استقرأ هو تاريخ هذه الحركات السرية على مدار التاريخ، أنها عند تلقي الضربات الموجعة،تنزل تحت الأرض كي تستجمع قواها، ثم تنقض مرة أخرى، ويعتقد الدكتور أنها ستضرب الاقتصاد الوطني في المرة القادمة، ولست أدري هل سمع صاحبنا عن المرجفين في المدينة أم لا ؟ . وأعجب ما عجبت له أن الدكتور النفيسة يسفّه الخطاب الإعلامي في المملكة العربية السعودية بوصفه هذه الفئة بالضالة والمجرمة والإرهابية، وأن هذا الخطاب لم يعد يؤثر في السعوديين بل على العكس من ذلك تماما، يحدث تكويناً عكسياً، ولست أدري ماذا يريد الدكتور النفيسة من الإعلام السعودي أن يصفهم به بعدما كفّروا وفجّروا وقتلوا، ودمّروا، ويتموا، ومثّلوا واستحلوا الدماء التي حرّم الله إلا بالحق، وأساؤوا إلى الدين والوطن، والهواء والماء،والبيئة والطبيعة، هل يريدنا أن نسميهم بالإصلاحيين أم بالصالحين أم بالديمقراطيين ؟ والمضحك في الأمر أن الدكتور النفيسة بوصفه محللا ومفكرا سياسيا يرى أن مشكلة الإرهاب في المملكة مشكلة سياسية وليست أمنية، بمعنى أن هؤلاء لديهم مطالب سياسية، وعلى الحكومة السعودية أن تحتوي مطالبهم، ولست أدري من أين أتى بهذه الطرفة



هل يريدنا الدكتور أن نعتقد حقا أن هؤلاء لديهم مشروع سياسي، أو رؤية سياسية واضحة وأكثرهم لم يتجاوز المرحلة المتوسطة؟ حديث خرافة يا أم عمرو، وإذا بالغ الناس استعاروا للهر شوارب النمر،ويستمر الدكتور في مسلسل الاستعباط والاستغفال والتجهيل، فهناك فريق عمل أمريكي متكامل على حد زعمه في وزارة التربية والتعليم يشرف على عملية تغيير المناهج في السعودية،وهناك وفد نسائي من الأمريكيات كان حاضرا في اللقاء الوطني عن حقوق المرأة وواجباتها،وعلاقة التعليم بذلك، وأن المعالجة الأمنية للإرهاب كانت معالجة جوفاء!،حتى العفو عن الحق العام الذي أطلقه صاحب القرار، وصمه بأنه أسلوب فاشل في معالجة الإرهاب، ولست أدري هل سمع الدكتور النفيسة عن العائدين عن هذا الطريق، بعدما امتدت لهم اليد الحانية بالرحمة، ليرجعوا عن هذا الطريق ؟



اللافت في الأمر، أن الدكتور النفيسة في الغالب لا يسمي بلادنا بالمملكة العربية السعودية، ويتجاوز هذا الاسم إلى مسميات جزيرة العرب، وأرض الحرمين، وهذه المسميات لا يخفى على اللبيب من يطلقها على بلادنا !. مهما يكن من أمر، فالدكتور عبدالله النفيسة في تقديري أساء إلى نفسه قبل أن يسيء إلينا، وأسقط نفسه بنفسه، والصورة التي بناها لأكثر من عقدين من الزمن تهشمت في حلقة تلفزيونية واحدة، بعدما سقطت عنه ورقة التوت، وظهر وجهه الحقيقي، وحسبنا أن انكشفت أوراقه أمام الجمهور السعودي. و الحمد لله الذي جعل البغاث في أرضنا لا يستنسر، والتمييز عندنا بين الفضة والقضة متيسّر.