العربية لغة أهل الجنة {}
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخواني واخواتي الأفاضل
العربية لغة أهل الجنة
اللغة هي الأداة التي تعبر عن مكنون الإنسان، وتعلن عن شخصيته وثقافته وتبين اتجاهاته وأهدافه، ولهذا امتن الله على الإنسان بما علمه من البيان فقال تعالى الرحْمَنُ عَلمَ الْقُرْآَنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلمَهُ الْبَيَانَ ، كما امتن سبحانه بما وهبه من أدوات النطق والإبانة فقال: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ.
وقد هدى الله كل أمة إلى لغة أو لسان يتخاطب به أفرادها، ويعبرون عن أغراضهم في الحياة، ويتفاهم به بعضهم مع بعض، بل اعتبر القرآن اختلاف الألسنة آية من آيات الله تعالى في هذا الكون يقول الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِن فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ للْعَالِمِينَ.
وقد اتفقت الآراء على أن الحضارة واللغة مرتبطتان ارتباطا وثيقا، لأن اللغة ظاهرة اجتماعية تعيش مع الإنسان جنبا إلى جنب تضعف بضعفه وتنمو بنموه، وهذا واضح جلي في لغتنا العربية، فقد كانت في بداية أمرها بسيطة عندما كان المجتمع بسيطا لا يملك من مقومات الحضارة إلا الشيء البسيط، حتى جاء الدين الحنيف فاتسعت اللغة وضمت شتى العلوم، كما أنها انتشرت وتطورت ووصلت إلى أرقى الأماكن.
حفظ إلهي
وفي هذا المعنى يقول مصطفى صادق الرافعي: ما ذلّت لغة شعبٍ إلاّ ذلّ، ولا انحطّت إلاّ كان أمره في ذهابٍ وإدبارٍ، ومن هذا يفرض الأجنبيّ المستعمر لغته فرضاً على الأمّة المستعمَرة، ويركبهم بها، ويُشعرهم عظمته فيها، ويستلحِقهم من ناحيتها، فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثةً في عملٍ واحدٍ: أمّا الأول فحَبْس لغتهم في لغته سجناً مؤبّداً، وأمّا الثاني فالحكم على ماضيهم بالقتل محواً ونسياناً، وأمّا الثالث فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها، فأمرُهم من بعدها لأمره تَبَعٌ. ومن هنا يتبين لكل ذي لب أن الله تعالى قد أكرم العرب كرمًا كبيرًا إذ حفظ لهم لغتهم بحفظه لكتابه الكريم، يقول تعالى: إِنا نَحْنُ نَزلْنَا الذكْرَ وَإِنا لَهُ لَحَافِظُونَ، فلقد أنزل القرآن بلغتهم واختار نبيه عليه الصلاة والسلام عربيًا منهم، وجعل لغة أهل الجنة عربية، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:أحبوا العربية لثلاث، لأني عربي والقرآن عربي ولغة أهل الجنة في الجنة عربية (رواه الطبراني)، ولكن هذا لا يعني أن يتقاعس أهل العربية عن دورهم في الدفاع عن لغتهم أو تعلمها أو نشرها والحفاظ عليها، بل هذا واجب عليهم.
يقول الإمام الشافعي: على كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جَهده، حتى يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، ويتلو به كتاب الله، وينطق بالذكر فيما افترض الله عليه من التكبير، وأمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك. وما ازداد من العلم باللسان الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته، وأنزل به آخر كتبه: كان خيرا له.
وقد علق العلامة شاكر على هذا الموضع فقال: وفي هذا معنى سياسي وقومي جليل، لأن الأمة التي نزل بلسانها الكتاب الكريم يجب أن تعمل على نشر دينها، ونشر لسانها، ونشر عاداتها وآدابها بين الأمم الأخرى. لتجعل من هذه الأمم الإسلامية أمة واحدة، دينها واحد، وقبلتها واحدة، ولغتها واحدة، ومقومات شخصيتها واحدة.
لغة الاسلام
فالعربية إذا وعاء القرآن، والدفاع عنها دفاع عن القرآن وعن سنة النبي عليه الصلاة والسلام، والمسلم عندما يغار على هذة اللغة أو يدافع عنها لا يكون ذلك من منطلق العصبية القومية الجاهلية، وانما يغار عليها ويدافع عنها لأنها لغة الإسلام ولأنها لغة القرآن، والمحافظة عليها محافظة على قيم الإسلام التي جاء بها الكتاب الكريم وجاءت بها السنة النبوية، ولأننا لا نستطيع ان ندرك معاني القرآن الكريم ونفهم العقيدة الحقة، أو نصل إلى أسرار الشريعة الغراء ونعرف أحكام ديننا الحنيف إلا من خلال اطلاعنا على هذه اللغة ومعرفتنا الدقيقة بها.
ومن هنا، حفظت لنا الكتب مدى تمكن السلف الصالح من اللغة العربية، ففي خطبة تنسب لسيدنا علي كرم الله تعالى وجهه قالها بلا وجود للنقط في أي حرف:
(الحمدلله الملك المحمود، المالك الودود مصور كل مولود، ومآل كل مطرود، ساطح المهاد وموطد الأطواد، ومرسل الأمطار ومسهل الأوطار، عالم الأسرار ومدركها، ومدمر الأملاك ومهلكها، ومكور الدهور ومكررها، ومورد الأمور ومصدرها، أحمده حمدا ممدودا، وأوحده كما وحد الأواه، وهو الله لا إله للأمم سواه ولا صادع لما عدل له وسواه أرسل محمدا علما للإسلام وإماما للحكام مسددا للرعاع ومعطل أحكام ود وسواع، علم وأعلم، وحكم وأحكم، وأصل الأصول ومهد، وأكد الموعود وأوعد، أوصل الله له الاكرام، وأودع روحه الإسلام، ورحم آله واهله الكرام، اعملوا رعاكم الله أصلح الأعمال واسلكوا مسالك الحلال، واطرحوا الحرام ودعوه، واسمعوا أمر الله وعوه، واصلوا الأرحام وراعوها وعاصوا الأهواء واردعوها، وصاهروا أهل الصلاح والورع وصارموا رهط اللهو والطمع.. إلخ).
وفي خطبة أخرى قال أحدهم خطبة دون استعمال لحرف الألف:
(حمدت من عظمت منته وسبغت نعمته وسبقت رحمته غضبه، وتمت كلمته، ونفذت مشيئته، وبلغت قضيته، حمدته حمد مُقرٍ بربوبيته، متخضع لعبوديته، متنصل من خطيئته، مؤمل منه مغفرة تنجيه يوم يشغل عن فصيلته وبنيه، ونستعينه ونسترشده ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه وشهدت له شهود مخلص موقن، وفردته تفريد مؤمن متيقن، ووحدته توحيد عبد مذعن، ليس له شريك في ملكه ولم يكن له ولي في صنعه، جل عن مشير ووزير، وعن عون ومعين ونصير ونظير، رب معتز بعزته، متمكن بقوته، متقدس بعلوّه متكبر بسموّه ليس يدركه بصر، ولم يحط به نظر قوي منيع، بصير سميع، رؤوف رحيم عجز عن وصفه من يصفه، وضل عن نعته من يعرفه، قرب فبعد وبَعُد فقرب، يجيب دعوة من يدعوه، ويرزقه ويحبوه، ذو لطف خفي، وبطش قوي، ورحمة موسعة، وعقوبة موجعة...إلخ).
إذن ، يا شباب الإسلام، ليس بحرام ولا بعيب تعلم اللغات الأجنبية ، ولكن العيب أن نجهل لغتنا حتى نصبح أغراباً عنها ونحن أهلها ، فهلا تعلمنا العربية؟
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة %بنتـ حمولهـ%
مواقع النشر (المفضلة)