لم يدر بخلد الطفل محمد وهو يختار حقيبته ويجهزها بأشكال الدفاتر والأقلام، أنه سيرميها أمام باب المنزل بعد عودته اليوم الأول من بداية الدراسة! فقد زهد التلميذ الصغير بالحقيبة وبكل ما تحويه، وركلها برجله حتى تناثرت الأقلام والممحاة والمبراة غير عابئ بها! وأبى أن يذاكر دروسه ويحل واجباته إلا أنه لم يرفض الذهاب للمدرسة!
ومبررات التلميذ النجيب غير واهية، فهو ببساطة محتج على معلمه المخلص الأمين حين كان يهدد زميله (التلميذ ياسر) العام الماضي بأنه لن يمنحه الدرجة المستحقة للنجاح وسيكون مصيره رقم (4) وسيبقى للإعادة في الصف الثاني لأنه تلميذ مهمل لا يؤدي واجباته ولا يذاكر دروسه ويثير الشغب داخل الفصل!!
وكان التلاميذ يرثون لحال (ياسر) تارة، وتارة يسخطون منه بسبب ازعاجه واستفزازه للمعلم الذي حين يغضب ويزمجر، يتكور التلاميذ حول بعضهم خشية بطش معلمهم وثورته!!
ومرت أيام الدراسة، ومقاومة (ياسر) للتعليم تزداد واستهتاره بالمدرسة وسخريته من زملائه الجبناء المطيعين تتضاعف، وصوت المعلم يعلو ويهبط وهو يتوعد ويهدد، ويقسم أغلظ الأيمان ألا يتجاوز ياسر أعتاب الصف الثاني. لا، لسنة واحدة، بل ربما لسنوات عديدة! حتى أشفق التلاميذ على زميلهم المهمل وحاولوا ببراءتهم إقناعه بترك الشغب والانتباه للدرس ليحقق النجاح ولينعموا بالهدوء داخل الفصل إلا أنه أبى كل المحفزات وقلل من أهمية التهديدات التي يطلقها ذلك المعلم الضخم والرذاذ يتطاير من شفتيه والغيظ يغلي بين جنبيه!
قضى (ياسر) وزميله النجيب محمد وبقية التلاميذ سنتهم الدراسية، وخلالها التهموا الكثير من الحلوى، وتعلموا اليسير من العلوم، وحصّلوا القليل من المهارات الدنيا أو العليا لا فرق، وتوقف كل واحد عند تربية أسرته. وخلال الإجازة الصيفية لم يفتأ محمد يذكر حال زميله ياسر ويأسف عليه لأنه سيبقى أسير الصف الثاني بحسب تهديد معلمه ووعيده!
في العالم الجديد، لم يتفاجأ محمد بوجود زميله ياسر بالصف الثالث فحسب، بل إنه اندهش حين جعله المعلم ذاته عريفاً للصف! ولا غرو؛ فعلى الرغم من أن مستواه الدراسي مازال ضعيفاً، إلا أن وزنه ازداد عدة كيلوات وارتفع طوله عدة سنتيمترات، وهي مقومات العرافة بلا ريب! بعدها... تمرد ياسر وأصبح هو الذي يهدد ويتوعد التلاميذ بأنهم سيبقون في الصف الثالث إن لم يمتثلوا لتعليماته ويطيعوا أوامره، ويحضروا له (بالدور) طعام الفسحة كل يوم!
فهل بعد ذلك نعجب ونتساءل لماذا رمى محمد حقيبته؟! بل ولن نندهش حين يرمي هذا الطفل ثوابته ومبادئه وقيمه التي يحملها، ويصاب بالإحباط ويشعر بالهزيمة عندما يرى المساواة بين مجتهد ومستهتر، في ظل نظام تعليمي (لا يرسّب أحداً)!
يا محمد!! يا بني، لا تعجب ولا تندهش حين يكون ياسر - يوماً ما - هو مديرك ورئيسك!!
مواقع النشر (المفضلة)