تغيّب الإمام فصلّى بالناس، ومن ذلك الوقت والناس ينادونه بالشيخ.. شاب في مقتبل العمر تسكن روحه بالصلاة، ويحرص عليها وحباه الله بصوت جميل وهو يقرأ ما يحفظ من كتاب الله.

تكررت إمامته للمصلين في المسجد، والناس في كل مرة ينادونه بالشيخ ويفسحون له مجالسهم ويسألونه عن أمور دينهم ودنياهم، فاستهوته هذه الحكاية وصدقها فأصبح يمارس ما يتناسب مع وصفه بالشيخ، فلا يترك أمراً إلا وأفتى فيه، ولا مناسبة إلا ووقف يخطب الناس فيها ويتطرق لموضوعات لا يفهم أبعادها بحكم سنه وتجربته البسيطة، لكنه يرى لكونه شيخاً كما يقولون حتمية أن يصدقه الناس، ويقتنعوا بما يقول. تمادى الشيخ الصغير في تصديق ما وصفه الناس به، فبدأ يتدخل في خصوصيات جيرانه، يطرق باب هذا ليذكره أنه لم يرَ أحد أبنائه في المسجد، أو ينتقد ذاك على طريقة ملبس نسائه أو في كثرة سهر أولاده، والنصيحة مقبولة ومطلوبة أياً كان مصدرها، لكنه تعدى التبليغ بالنصيحة إلى أن يعيب بعد كل فرض للصلاة ما يراه، ويتشدد في ألفاظه وعباراته، وقد يصل الأمر به إلى التهديد بتصحيح الأمور بطرق أخرى. اليوم تحاول الجماعة إفهامه أنهم لم يقصدوا بوصفهم له أنه شيخ عالم أكثر من تحفيزه على ما ظهر منه من أفعال حميدة، فالطريق لا يزال أمامه طويلاً يتطلب الدراسة والاطلاع وفهم الحياة وكيف تجري أمورها، لكنه انقلب عليهم وبدأ يتطرق لغواية الشيطان لهم، وبأنهم ضالون عليهم المسارعة بالتوبة قبل فوات الأوان، فبدأ الناس يتهامسون بحسرة عنه ويقولون أي مصيبة أحدثناها بتقديمنا له في الصلاة ومناداته بالشيخ تقديراً وتحفيزاً له للعمل الطيب.

نصف الناس بما لا يستحقونه، فيصدقون ما نصفهم به، ويمارسون ما يُربك حياتنا بجهلهم وعدم كفاءتهم وقلة خبرتهم ومعرفتهم بالدنيا، ثم نتعب في معالجة ما أحدثناه بإطلاقنا للأسماء على عواهنها من أضرار، ونكتشف أن الأمر قد بلغ ما يتعدى قدرتنا على السيطرة عليه أو التحكم به، وأننا فتحنا بجهلنا لأنفسنا أبواباً لو ظلت مغلقة لكان نفعها أكبر.. والله المستعان.