في هذا الزمان، كل شيء غلا ثمنه وارتفعت قيمته، إلا أرواح بعض الناس رخصت حتى أصبحت لا قيمة لها مقارنة بغيرها، فأصحابها يؤكدون بأقوالهم وبكثير من أفعالهم أن أرواحهم أرخص ما يثمنون أو يسعون للمحافظة عليه، وأنهم على استعداد تام ليقايضوها بأي شيء آخر من توافه الأمور، فهذا يبدي استعداداً للتضحية بروحه على أن يفوز فريقه المفضل، والثاني لا يتردد في أن يقدم روحه مقابل مزاجه ولحظات كيف يحصل عليها أو متعة كاذبة لا تدوم، وآخرون يهدرون أرواحهم ليقال فقط عن تميزهم أو جراءتهم أو أنهم استطاعوا أن يلفتوا الأنظار إليهم، هؤلاء ومن هم على شاكلتهم يقدمون أي شيء على أرواحهم ويقبلون بالتضحية بأرواحهم ليفوزوا بما سواها ما لا يُحدث تغييراً ينفعهم أو ينتفع الناس به، هكذا يقولون، وهكذا يفعلون، ومن كلامهم هذا الذي يرددونه وأفعالهم الظاهرة أعتقد أنهم قد سئموا حياتهم التي وقفت عزائمهم فيها عند مجاهدة النفس لإحداث ما يمكن ذكره أو بقاؤه من محاسن الأمور، ويتمنون لو أنهم تخلصوا من هذه الحياة لعدم جدواهم مقابل أي شيء كان، فتراهم يتلكؤون بأي عارض ليفدوه بأرواحهم، المهم عندهم أن يتخلصوا من هذه الروح الرخيصة التي لا يمتلكون أمرها.

السبب في كثير من الفوضى التي تعم عالمنا وجود أناس لا يعرفون قيمة أرواحهم، ولا يعرفون معنى وقيمة أن يكون الإنسان حياً، وما تعطيه الحياة من توالي الفرص وتجدد الظروف والعوامل، ولجهالتهم هذه قدموا الفرع على الأصل فأصبحوا على استعداد تام لإهدار الأصل في سبيل فروع يرون فيها متعة أو تميزا أو مجرد حماقة لا علاج لها، وهم يشكلون بهذا خطراً كبيراً لا على أنفسهم فقط بل على كل المحيطين بهم، فقد يتحول مرخص لروحه إلى إرهابي يقتل نفسه ويقتل الآخرين دون اكتراث إن وجد من يعطيه قيمة لروحه الرخيصة، وقد يكون سبباً في نشر الفوضى وتغيير كثير من المفاهيم المتعلقة بالشجاعة والإقدام والمبادرة، وقد يتسبب مرخص لروحه في قتل أبرياء ذنبهم أنهم تواجدوا في اللحظة نفسها التي تواجد فيها في المكان نفسه إن وجد من يوحي له بالتميز والجرأة، وقد يتسببون في كثير من الجرائم والمخالفات والاندفاع غير المحمود، هؤلاء لا يمكن نصحهم أو ردعهم وسيبقون على حالهم يحدثون ما يربك حياتنا طالما أنهم لا يعطون أرواحهم القيمة التي تستحقها.. والله المستعان.