شروط اللباس للمراة المسلمة 00الشيخ / عبد الله بن صالح الفوزان
00000000000000000000000000000000000000000000000

لقد حدد الإسلام الشروط والضوابط التي يجب على المرأة المسلمة أن تتقيد بها في موضوع اللباس، وهذه الشروط تنقسم إلى قسمين:

الأول: ما يتعلقُ بتفصيل اللباس وهيئتهِ على البدن.

الثاني : ما يتعلقُ بنوعية اللباس.

ونحنُ – الآن – نتكلمُ – بعون الله تعالى – عن كل قسمٍ بشيءٍ من التفصيل فنقول:

القسم الأول: ما يتعلق بتفصيل اللباس

ونعني بذلك الخياطة، فلابدَّ أن تكون خياطة لباس المرأة موافقةً لما حددهُ الإسلام في هذا المجال، ثم في وضعهُ على البدن، وذلك بمراعاةِ الشروط الآتية:

الشرط الأول: أن يستوعب اللباس جميع البدن:

وذلك ليكون ساتراً للعورة، وللزينةِ التي نُهيت المرأة عن إبدائها، فإنَّ القصد الأول من اللباس هو الستر، فلابدَّ أن يكون لباسُ المرأة ساتراً لوجهها وكفيها وقدميها، وسائر جسمها، قال تعالى: (( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا )) (سورة النــور :31) .

والنهي عن إبداءِ الزينة نهيٌّ عن إبداء مواضعها من باب أولى، ولولا اللباسُ لظهرت مواضع الزينة: من الصدر، والذراع، والقدم ونحوها، فعلى المرأةِ المسلمةِ مراعاة ما يلي:

أولاً: أن يكون اللباس ساتراً لبدن المرأة – ومنه الوجه والكفان والقدمان والساقان – وعلى هذا فلابد أن تلبس المرأة ما يستر كل ذلك إذ قد يظهر شيء منه، لا سيما عند ركوبها للسيارة ونزولها منها، أو دخولها أماكن تضطر فيها على صعود سلالم، فتظهر زينتها وتحصل الفتنة بها.

ثانياً: وينبغي للمرأة لبس القفازين لستر الكفين، ويجوزُ استعمال البرقع إذا كان يسترُ الوجه ما عدا العينين أو إحداهما لحاجةِ الإبصار، ويدلُ لذلك قول عائشة- رضي الله عنها- في المرأة المحرمة: ( لا تتبرقع، ولا تلبس ثوباً بورسٍ أو زعفران) [1].

وما ورواه مالك عن نافع عن ابن عمر، كان يقول: ( لا تنتقبُ المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين) [2].

فهذا يدلُ على أنَّ المرأة في غير حالةِ الإحرام تلبس البرقع والقفازين، إذ لو لم يكن كذلك، لم يكن هناك فائدةً من نهيها عنهما حال الإحرام [3].

ويرى بعض علمائنا عدم الإفتاءِ بجواز لبس البرقع في عصرنا هذا، لأنه ذريعةً إلى الفساد، حيثُ أصبحت النساء يظهرنَ مع العينين جزءاً من الوجه، مما يجلبُ الفتنة ولا سيما أنَّ كثيراً منهن تكتحلُ عند لبسه، فمنعهُ وجيه جداً من باب درءِ المفسدة والله أعلم [4].

ثالثاً: لبس العباءة لابد أن يكون ضافياً على جميع البدن، لئلاَّ يظهر شيءٌ من مفاتن بدنها وثيابها، لأنَّ ظهور هذا من التبرج الذي نُهيت عنه المرأة المسلمة، قال تعالى : (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)) (سورة الأحزاب) . وعلى هذا فلا تضع المرأة عباءتها على كتفها أو على رأسها، ثُمَّ ترفع أسفلها، لعدم حصول المقصود منها.

رابعاً: إنَّ مهمة العباءةِ ستر ما تحتها من لباسٍ يعتبر من أهم أنواع الزينة المكتسبة، يقول تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)) (سورة الأحزاب :59) والجلباب هو الرداء فوق الخمار. وقيل: هو ثوبٌ واسع تستر به المرأة بدنها كله، والعباءة نوع من الجلباب.

قالت أم سلمة – رضي الله عنها -: لما نزلت هذه الآية: (( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ )) ، خرج نساء الأنصار كأنَّ على رؤوسهنَّ الغربان من السكينة، وعليهنَّ أكسيةِ سود يلبسنها [5].

وعلى هذا فلا يجوز للمرأة أن تلبس العباءة المطرزة، التي يكون في أطرافها وأكمامها قيطان أو خيوطٍ ملونة، أو تكون واسعة تظهر منها الذراع، لأنَّ هذا من التبـرج، ولأنَّ العباءة إذا كانت زينةً في نفسها فهي بحاجةٍ إلى ما يسترها.

الشرط الثاني: ألا يكون اللباس ضيقاً يصف جسمها

وذلك أنَّ الغرض من اللباس – كما سبق – ستر العورة، ومواضع الزينة، وهذا إنما يكون بالثوب الواسع، أما الثوب الضيق فإنه – وإن يستر لون البشرة – يصفُ جسم المرأة أو بعضه، فالواجب على المرأة أن تهتم بستر بدنها وتقاطع جسمها، والتساهل في ذلك من أعظمِ أسباب الفساد ودواعي الفتنة.

يقول أسامة بن زيد – رضي الله عنه -: كساني رسول الله - e- قبطية كثيفة مما أهدى له دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال: مالك لم تلبس القبطية؟ قلت: كسوتها امرأتي. فقال: (( مرها فلتجعل تحتها غلالة فإني أخافُ أن تصف حجم عظامها)) [6].

فالرسول - e- يأمر أسامة أن يطلب من امرأته أن تضع تحت هذا الثوب الثخين غلالة، ليمنع وصف بدنها وحجم عظامها؛ فهذه القبطية – وإن كانت ثخينة – قد تصف الجسم، ولا سيما إذا كان اللباس الثخين من طبيعته الليونة والانثناء؛ ولذلك خاف e من أن تصف حجم عظامها.

وانطلاقاً من هذا الشرط على المرأة ملاحظة ما يلي:

أولاً: أن تعلم المرأة أن اللباس الضيق الذي يصف مفاتن الجسم لا يجوز شرعاً عند المحارم ولا عند النساء، وهو داخلٌ في لباس أهل النار كما قال - e-: (( سيكون في آخر أمتي نساء كاسياتٍ عارياتٍ على رؤوسهن كأسنمة البخت إلعنوهنَّ فإنهن ملعونات)) وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: (( لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها )) [7].

وقد فسر العلماء – ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية [8] – الكاسيات العاريات: بأنَّ من معانيها أن تلبس الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع جسمها. وقد انتشر عند النساء ظاهرة اللباس الذي يكون أسفلهُ ضيقاً لا تكاد المرأة تمشي فيه، ومما يزيدُ الأمر فتنة وضع فتحات جانبيه تظهر ساقيها. وجزءاً من فخذها. والله المستعان!!

ثانياً: ليس للمرأة أن تلبس البنطلون، لأنه من الثياب الضيقة التي تحددُ أجزاء البدن التي تحيط بها. فهو داخلٌ في معنى الحديث، ثم إنَّ في لبسه تشبهاً بالرجال، لأنه من لباسهم، بل إني أخشى أن يكون لبس المرأة البنطلون داخلاً في ثوب الشهرة الذي سيأتي الحديث عنه إن شاء الله.

ثالثاً: إنَّ هذا اللباس الضيق له آثار على بدن المرأة، يقول الدكتور وجيه زين العابدين: إنَّ الملابس الضيقة لا تخلو من أضرار لما قد تسببه من حساسية الجلد، والضغط على الأحشاء الداخلية، هذا عدا حساسية النايلون نفسه([9]).

الشرط الثالث : ألا يشبه لباس الرجال

فإنَّ لثوب الرجل صفات أهما أن يكون فوق الكعبين أو إلى أنصاف الساقين، وقد ورد عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي - e- قال: (( ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار)) [10].

ولكن الأمر أنعكس في هذا العصر، فصار ثوب كثيرٍ من النساء فوق الكعبين، وبعضهنَّ إلى أنصاف الساقين، وصار ثوب الرجال أسفل من الكعبين، ولا شك أنَّ قصر ثوب المرأة يُؤدي إلى ظهور عورتها من القدم والساق ونحوهما، وظهور زينتها إذا قامت، أو انحنت، أو جلست ، والله يقول: (( وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ )) (النور: 31) فإذا نُهيت عن إظهار زينة الرجل فهي منهية عن إظهار الرجل نفسها من باب أولى.

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: "لعن رسول الله - e- الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل"([11]).

ولباس المرأة أسفل من الكعبين لحديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله - e-: (( من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة: فكيف تصنع النساء بذيولهن! قال: يرخينه شبراً، فقالت: إذن تنكشف أقدامهن، قال: فيرخينه ذراعاً ولا يزدن عليه)) [12].

فهذا فيه دليل على وجوب ستر قدم المرأة، وأنه أمرٌ معلوم عند نساء الصحابة – رضي الله عن الجميع – وأن الرجلين والساقين مما يخفى ولا يجوز إظهاره، فلابدَّ من ستره، ولا يكون ذلك إلاَّ بأن ترخي المرأة ثوبها شبراً أو ذراعاً، فعلى المرأة المسلمة أن تعمل بهذا الحديث، وتفصل ثيابها على ما يقتضيه الدليل الشرعي، ويكون لها قدوة بنساء خير الأمة وأفضل القرون.

وهناك أحاديث كثيرة تنهى المرأة أن تتشبه بالرجل، وتنهى الرجل أن يتشبه بالمرأة، ولا شك أن تشبه أحد الجنسين بالآخر انحرافٌ عن الفطرة، ودليلٌ على عقليةٍ فاسدة، وهو داءٌ عضال، انتقل إلينا نتيجة الاحتكاك بالغرب، ومحاكاته وتقليده، حتى أصبح الرجل كالمرأة! والمرأة كالرجل، في الزي واللباس والمشية والكلام ونحو ذلك! وهذا أمرٌ مستقبح يأباه الشرع، وتنفرُ منه العقول السليمة، لذا زجر عنه الإسلام، فقد ورد عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال: (( لعن رسول الله e المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال)) [13] وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: "لعن رسول الله - e- الرجُلة من النساء" [14].

قال ابن أبي جمرة عن التشبه: "إنَّ الذي تقرر مما فهم من قواعد الشريعة خلفاً عن سلف هو في زي اللباس، وبعض الصفات والحركات وما أشبه ذلك. وأما التشبه بهم في أمور الخير، وطلب العلوم والسلوك في درجات التوفيق فمرغب فيه". ثم ذكر أنَّ الحكمةَ من لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال، هي إخراج شيءٍ عن الصفة التي وضعها عليها أحكم الحاكمين، وقد بين ذلك النبي - e- في لعن الواصلات وغيرهن بقوله: (( المغيرات خلق الله)) [15].

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية الضابط في تشبه الرجل بالمرأة، وتشبه المرأة بالرجل، وبين أن ذلك يرجع إلى الأغلب، فما كان من اللباس غالبه للرجال نهيت عنه المرأة، وما كان غالبة للمرأة نهي عنه الرجل، مع اعتبار أن النساء مأمورات بالاستتار والاحتجاب دون التبرج والظهور، والرجل بضد ذلك، فالمرأة مأمورة بستر قدميها، فثوبها أسفل الكعبين بشبر أو ذراع، والرجل ثوبه فوق الكعبين، فمن فصّل ثوبه على صفة ثوب الآخر فهو متشبه به.

وليس الأمرُ راجعاً على مجرد ما يختاره الرجال والنساء، ويشتهونه ويعتاد ونه، إذ لو كان الأمر كذلك، لكان إذا اصطلح قومٌ على أن يلبس الرجال الخمار الذي يغطي الرأس والوجه والعنق، وتلبس النساء العمائم والأقبية لكان ذلك سائغاً. وهذا خلاف النص والإجماع، لأنَّ الله تعالى قال: (( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ )) . فالفارق بين لباس الرجال ولباس النساء، هو ما يصلح للرجال وما يصلح للنساء، مع ملاحظة الاعتبار السابق [16].

ولهذا نصَّ العلماءُ على أنَّهُ لا يجوزُ للمرأة أن تلبس اللباس الأبيض إذا كانت الملابسُ البيضاء في بلادها من سيما الرجال وشعارهم، لأنَّ هذا تشبه بهم والله أعلم.

الشرط الرابع : ألا يشبه لباس الكافرات
وذلك بأن تفصل المرأة المسلمة لباسها تفصيلاً يتنافى مع حكم الشرع وقواعده في موضوع اللباس، مما ظهرَ في هذا العصر وانتشر باسم "الموديلات"، التي تتغيرُ كل يومٍ من سيئٍ إلى أسوأ! وكيف ترضى امرأة شرَّفها الله بالإسلام، ورفع قدرها. أن تكون تابعةً لمن يملي عليها صفة لباسها، بل صفة تجملها عموماً، ممن لا يؤمنُ بالله ولا باليوم الآخر، لأنَّه لباس فصّل لغيرها، وهل يلبسُ الإنسان ما فصّل له أو ما فصّل لغيره؟!

إنَّ كثيراً من صفات لباسِ المرأة اليوم، لا يتفقُ مع الضوابط التي حددها الإسلام في باب اللباس ، وليس لأحدٍ أن يمنع التجديد في صفةِ الخياطة والتفصيل، ما دامت متفقةً مع تعاليم الإسلام في صفة اللباس، لكننا الآن نرى كل يوم صفة للخياطة والتفصيل، فمن أين جاءت؟ وما مدى تحقق شروط اللباس فيها؟ وما دور المرأة المسلمة في ذلك؟ أهو التعقل ومعرفة حكم الإسلام؟ أم هو إجادة التقليد وحب التبعية والإعجاب بما عليه الآخرون من خيرٍ أو شر؟!

لقد انتشرت في المكتبات "مجلاتُ الأزياء" التي تُعنى بصفة لباس المرأة، وتنويع التفصيل، تسابقت النساء إلى اقتنائها ، بل إنَّ مما يُؤسف عليه، أنَّ بعضهنَّ لها اشتراك سنوي أو شهري، في هذه المجلات التي هي من وضعِ مصممي الأزياء، الذين خدعوا نساءنا باسم الموضة، وسخروا منهنَّ لترويج بضاعتهم، مع إفساد الأخلاق، والقضاءِ على العفة والنـزاهة.

إن انتشار مثل هذه المجلات فيه محاذير عديدة منها:

- اشتمالها على صورِ فتيات شابات عاريات، واقتناءِ الصور حرام للأدلة في ذلك.

- إنَّ هذه الأزياء والموديلات تتنافى غالباً مع قواعد الإسلام في لباس المرأة، لأنها صُممت في بلاد الكفر والإباحية، التي لا ترى بأساً في العري، أو وصف حجم البدن، أو ظهور ما يسبب الفتنة، ونحو ذلك ممَّا تشتمل عليه.

- إنَّ المرأة تتطلعُ إلى كل زي جديد، فيقتضي ذلك – بالتدريج – نبذ أحكام ديننا والتأثر بأزياءٍ لا تمت إلى الإسلام بصلة، وإذا كثر الإمساس قلَّ الإحساس، وهذا هو الواقع.

- إنَّ التهافت على شراء هذه المجلات واقتنائها، يوحي بأن عندنا نقصاً في موضوع لباس المرأة، نريد تكميلهُ من غيرنا، ولا ريبَ أنَّ تشبه أمةٍ بأمةٍ في غير ما أذن فيه ينافي الدين، وهو دليلُ الضعف والانحطاط والإحساس بالهزيمة وفقدان الثقة.

- إنَّ هذه المجلات تلعبُ بعقل المرأة، وتجعلها حقلاً للتجارب والحصول على أرباحٍ طائلة، لأنَّ هذه المجلات تتغيرُ بسرعةٍ مذهلة، فكلما تغيرت الموضة ازدادت النساء شراءً وإنفاقاً.

- إنَّ هذه المجلات خدمةً لمعامل الأقمشة الأجنبية، ذلك أنَّ المرأة تفصلُ عدداً من الملابس على نمطٍ معين، حتى إذا أكملت استعدادها تغير "الموديل" فجأة، فتركت ملابسها القديمة، وبدأت في تفصيلٍ جديد، وهكذا!

ولو وضعت المرأة إحصائية لملابسها في العام، لاتضح الإسرافُ في الشراء والخياطة، كما يدلُ على ذلك كثرة مشاغل الخياطة في المدن والقرى.

والقصد أنَّ المرأة منهيةٌ – كالرجل – عن التشبه بالكفار، ومنه التشبه بهم في اللباس، وقد ورد عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله - e -: (( من تشبه بقوم فهو منهم)) [17].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ( وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم) ، كما في قوله تعالى (( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) ( سورة المائدة :51 ) [18].

وقال في سبل السلام: "والحديث دال على أنَّ من تشبه بالفساق كان منهم، أو بالكفار أو بالمبتدعة في أيِّ شيءٍ مما يختصون به من ملبوسٍ أو مركوبٍ أو هيئة . .[19].

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: رأى رسول الله e عليّ ثوبين معصفرين، فقال: ("إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها") ([20]).

وفي رواية قال: (( اذهب فاطرحهما عنك" قال: أين يا رسول الله؟ قال: "في النار)) والمعصفر: هو المصبوغ بالعصفر، وهو نبت معروف.

والكلام في التشبه يحتاج إلى بسطٍ ليس هذا مكانه، ولكن أكتفى بالنقاط الآتية:

1) إنَّ الإسلام يريد من المسلم والمسلمة أن يكون لكل منهما شخصيةً مستقلة، وذلك بأن يأخذ عقيدته وعبادته، وأخلاقه وسلوكه، من المصدر الرباني لا من غيره، وبذلك تحصل له العزة والسعادة في الدارين، وإنَّ الأفكار والمناهج الأخرى غير صالحةً للتلقي منها واتباعها، لتحريفها وفسادها، وكفى بأهلها وأتباعها الضالين والمنحرفين دلالةً على عدم صلاحها وإصلاحها.

2) إنَّ التشبه بالكفار ضعفٌ وانهزامية، وعقدةُ نقصٍ سرت في أجسام بعض المسلمين في هذا العصر، بين الرجال والنساء على حدٍ سواء، وكأن عندنا من النقص والتخلف ما نحاولُ أن نمحوه بالتشبه بالكفار، واقتباس مناهجهم وأوضاعهم، وقد حكى ذلك المؤرخ "عبد الرحمن بن خلدون"، وعقد له فصلاً في مقدمته، فليرجع إليه[21]

3) إنَّ التشبه بالكفار لابد أن يورث عند المسلم نوعَ مودةٍ لهم، أو هو على الأقل مظنةُ المودة، فيكون مُحرماً من هذا الوجه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورثُ المحبة والموالاة، فكيف بالمشابهة في أمور دينية؟ فإنَّ إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان) [22].

فليعلم هذا من يتشبه بالإفرنج في لباسهم أو سلوكهم، وعاداتهم وغير ذلك مما يشعرُ بالميل إلى حبهم والإعجاب بهم، ويزدري المسلمين المتمسكين بما هم عليه من لباس وسلوك وعادات.

4) الضابط في موضوع التشبه بالكفار، هو ما ذكرهُ شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – من أنَّ كل فعلٍ مأخوذ عن الكفار ممَّا هو من خصائصهم فهو تشبه.

أما ما انتشر بين المسلمين مما لا يتميزُ به الكفار، ففي كونه تشبهاً نظر، لكن قد ينهى عنه لئلا يكون ذريعةً إلى التشبه، وإذا عارض هذا الفعل نصاً من نصوص الشريعة أو أصلاً، أو ترتب عليه مفسدةً فإنَّه ينهى عنه لذلك.

والشريعة إذا نهت عن التشبه بالكفار دخل في النهي، ما عليه الكفار قديماً وحديثاً، وبهذا نعلم أنَّ ما عليه الكفار في هذا الزمان من الأخلاق والعادات التي تختص بهم، مما لم يكن معروفاً من قبل فنحنُ منهيونَ عنه [23].



--------------------------------------------------------------------------------

[1] انظر: فتح الباري (3/405).

[2] الموطأ (1/328)، وانظر: جامع الأصول (3/23).

[3] النظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (15/371).

[4] فتاوى معاصرة ص31.

[5]تفسير ابن كثير (6/471). وانظر تفسير آيات الحجاب ص15.

[6] أخرجه أحمد (5/205)، والبيهقي (2/234) وله شاهد من حديث دحية نفسه أخرجه أبو داود وغيره وفيه مقال. انظر: عون المعبود (11/174)، وحجاب المرأة للألباني ص60، ط الخامسة.

[7] أخرجه الطبراني في الصغير (2/127) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال الألباني. بسند صحيح. حجاب المرأة ص56. وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فسيأتي إن شاء الله.

[8] مجموع الفتاوى (22/146).

[9] مجلة الوعي الإسلامي الكويتية عدد 140 شعبان 1396هـ ص92.

[10] أخرجه البخاري (10/256)، والنسائي (8/207).

[11] أخرجه أبو داود (4/157)، وأحمد 02/325)، والنسائي في عشرة النساء رقم 371. الناشر: مكتبة السنة. وقال النووي: إسناده صحيح (رياض الصالحين ص527).

[12] أخرجه البخاري (10/258)، ومسلم (14/304) دون قوله: فقالت أم سلمة . . الخ، وأخرجه الترمذي بتمامه (5/406)، والنسائي (8/209).

[13] أخرجه البخاري (10/333)، وأبو داود (11/156)، والترمذي (8/69)، وابن ماجة (1/614). ولفظه يختلف.

[14] أخرجه أبو داود (11/157) ورجاله ثقات غير ابن جريح فإنه ملس وقد رواه بالعنعنة لكن له شواهد ذكرنا بعضها فهو حسن. وانظر: جامع الأصول (10/655) .

[15] انظر: بهجة النفوس لابن أبي حمزة (4/14) .

[16] مجموع فتاوى ابن تيمية (22/146).

[17] أخرجه أبو داود (11/74)، وأحمد (2/50، 92). وإسناد جيد قاله شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -. انظر: اقتضاء الصراط المستقيم ص82، وفتح الباري (10/222)، وتخريج أحاديث إحياء علوم الدين للعراقي (1/269) بهامش الإحياء.

[18] انظر: اقتضاء الصراط المستقيم ص83 تحقيق: محمد حامد الفقي.

[19]) سبل السلام (4/348) طبع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

[20] أخرجه مسلم (14/297)، وأبو داود (11/118)، والنسائي (8/203، 204)، والحاكم (4/190)، وغيرهم والرواية المذكورة للنسائي.

[21] انظر: مقدمة ابن خلدون ص147. واقرأ في كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم) فهو مرجع أساسي في موضوع التشبه. وانظر: مجموع الفتاوى (22/154)

[22] اقتضاء الصراط المستقيم (1/39، 40، 489) .

[23] المصدر السابق (1/242) .