يختلف الناس عن بعضهم بعضاً في صفاتهم وطبائعهم وقدراتهم ومدى التزامهم الديني والاخلاقي، ولذلك فإننا نجد البشر وقد صنفوا مابين الخير أو الشرير، وبين من يزاوج بين الاثنين، فيميل أحيانا في سلوكه ناحية الشر من دون أن يعني ذلك تخليه التام عن جوانب خيرة يعبر عنها في بعض المواقف، وفي أحيان أخرى يحدث العكس.

ما يهمنا في هذا هو الجوانب الخيرة في صدر كل مؤمن، والتي تنعكس على أدائه وتفاعله الاجتماعي ومدى تأثيره في المجتمع المحيط به، والإنسان المؤمن بربه يدرك جيدا أن كل ما يفعله من سلوك طيب ماهو إلا مرضاة لوجه الله سبحانه وتعالى، فهو عندما يتقن عمله ويهب لمساعدة المحتاج ويرق قلبه للضعيف والمحروم، وعندما يسعى لقضاء حوائج الناس بقدر استطاعتة من دون انتظار لرد المعروف أو تبادل المصلحة فانه لا يفعل ذلك إلا امتثالا لأوامره عز وجل.. يقول تعالى: “وافعلوا الخير لعلكم تفلحون” (الحج 77).

لقد جاءت التعاليم الدينية لتهذب سلوكيات الفرد أولا باعتباره النواة الأولى التي يبنى المجتمع على أساسها، وهذه التعاليم تبدأ بتوجيه الشخص وهو مازال طفلا حيث تحث الوالدين على تعريف أبنائهم بمبادئ دينهم بالتدريج وأمرهم بأداء الطاعات، حتى يشبوا عن الطوق ويظل التزامهم الديني هو البوصلة التي تحرك تصرفاتهم كافة، وفي هذا كما قلنا من قبل يختلف الناس كل حسب مدى تمسكه بالسلوك الاخلاقي، ولذلك نجد بعضا من الناس وقد حباهم الله بكثير من الصفات التي تدفعهم دوما لخدمة الآخرين وملأ قلوبهم برحمة تفيض على كل محتاج.

هؤلاء ليسوا إلا دعاة خير ومحبة يؤلف الله عز وجل بهم قلوب المسلمين ويجمعهم على طاعته سبحانه وتعالى وشكره، وهم صمام الأمان الذي يحفظ للمجتمع توازنه وتماسكه، تجدهم مدفوعين بقوة داخلية لمشاركة الناس همومهم ومشكلاتهم محاولين بكل قوتهم السعي لحلها وتجاوزها، ويتميزون بالجود والكرم، فحتى ان كانت امكاناتهم متواضعة إلا أنهم لا يبخلون، بل إنهم يؤثرون الآخرين على أنفسهم لا لشيء إلا إرضاء لنزعة ذاتية تحثهم دوما على العطاء.

هذه القلوب الخيرة تدرك تماما أن ما تفعله ما هو إلا أداء لدور منوط بها، وتعلم أيضا أن ما تنفقه من خير ليس إلا من باب الشكر لله عز وجل، وان ما تنعم به من رزق هو من عنده سبحانه وتعالى وسيرد أضعافا مضاعفة عندما تنفقه في أوجه الخير. ومثل هؤلاء يتبعون نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السعي الى قضاء حوائج الناس حينما قال: “كل سلامي من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة”.

هؤلاء هم أنفع الناس وأحبهم إلى الله عز وجل والى قلوب الناس.. يعيشون بيننا بقلوب رحيمة ترق لحاجة الضعيف ولألم الحزين، ويمتد عطاؤهم إلى كل من يعرفون حاجته بغض النظر إن كان قريبا أو غريبا، وعلى النقيض منهم نجد قساة القلوب ممن لا تحركهم إلا مصالحهم الشخصية وأنانيتهم المفرطة، وهؤلاء يتصورون أن مساعدة المحتاج قد تنقص من أرصدتهم المالية، وحتى ان أعطوا القليل فهم لا يعطون إلا متأففين، وهذه النوعية من البشر في زيادة مطردة، وقد أثرت قيم العصر فيهم كثيرا فجعلتهم لا يفكرون إلا في أنفسهم من دون الالتفات إلى مشكلات وهموم الآخرين حتى وان كانوا من اقرب الاقربين، متناسين إنهم بذلك لا يضرون إلا أنفسهم خاسرين رضا الله ومحبة الناس.

القلوب الرحيمة المعطاء هي الضابط لإيقاع المجتمع الذي يحميه من الانحراف ومزالق السوء.. فلنشد جميعا على هذه الايادي البيضاء آملين أن تمتد إلى ابعد مكان.