الإنسان بدأ نفخة من روح الله، وما دام الإنسان مشدودا إلى الجانب الروحي فإنه إلى خير، لكن عندما يتعبد كثيرا والقلب مظلم، فهنا محل النظر.
إن أصل كل خير وصلاح، هو سلامة القلب ونوره، ومن هنا فقضية القلب وما يعتريه من صلاح أو فساد هي القضية الأولى في حياتنا، فإن عالم القلب عالم واسع وجد مهم، لذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم يقول “إنه ليغان على قلبي يغطى عليه حتى أستغفر الله في اليوم مائة مرة” (رواه مسلم).
ومن هنا فكلما أهمل المرء قلبه، كلما ازداد ظلمة وابتعد عنه النور.
والفريضة الأولى في هذا المقام أن نعرف العلاجات المناسبة، فما من مرض، أو داء، إلا وفي الكتاب والسنة شفاؤه: “قَدْ جَاءتْكُم موْعِظَةٌ من ربكُمْ وَشِفَاء لمَا فِي الصدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ للْمُؤْمِنِينَ” (يونس: 57) وهناك استطراد في القرآن الكريم على أن مادة الخير، هي الحياة والنور وقد جمع الله بينهما في قوله تعالى: “أوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي الناسِ كَمَن مثَلُهُ فِي الظلُمَاتِ” يقول شمس الدين رحمه الله: جمع الله في الآية بين الأصلين: الحياة والنور.
فبالحياة تكون قوة القلب، وحياؤه، وصبره، وسائر أخلاقه الفاضلة، وكلما قويت حياته قويت فيه هذه الصفات، وإذا ضعفت حياته ضعفت فيه هذه الصفات.
وكذلك إذا قوي نوره، انكشفت له حقائق الأشياء، فاستبان حسن الحسن بنوره، وآثره بحياته، فالقلب الصحيح الحي إذا عرضت عليه القبائح نفر منها بطبعه وأبغضها، بخلاف القلب الميت، فإنه لا يفرق بين الحسن والقبيح، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “هلك من لم يكن له قلب يعرف به المعروف وينكر به المنكر”.
ظل الإيمان
وقد وصف القرآن الكفار بأنهم أموات في قول الله تعالى: “أمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيانَ يُبْعَثُونَ” (النحل: 21) فلما جعل الكفر موتا، والكافر ميتا، جعل الهدى حياة والمهتدي حيا، وإنما جعل الكفر موتا لأنه جهل، والجهل يوجب الحيرة، وأيضا الميت لا يهتدي إلى شيء، والجاهل كذلك.
إن نورانية القلب لن تكون إلا في الهدى النازل من السماء، والقلب السليم لا يستمد عظمته إلا من روح الله، أما المحجوبون عن خالقهم فإنهم في ظلمات، ومن هنا كان الإيمان هو الظل الذي ينبغي أن يعيش فيه المؤمن، حتى يرى بنور الله الهادي، أما المادي فرؤيته رؤية شهوانية، لا تجلب له خيرا، وإن كان أهنأ أهل الدنيا وأكثرهم مالا.
إن دفء الإيمان، يتلاشى معه أغلب ما يشعر به الإنسان من ظلمات قلبية، وعلاج تلك الآفة يتمثل في العبادة المستمرة، والبحث عن منابع الإخلاص في أعمالنا، لا قبل أن نبدأ أعمالنا، فالرياء كدبيب النملة السوداء، لا نشعر به، لكن له أثرا كبيرا في القلب والعمل.
مواقع النشر (المفضلة)