حقيقه رائعه اعجبتني فكرتهـا واسلوبهـا للكـاتب محمد العصيمي في جريده اليوم لهذا اليوم
بمناسبة جلوسها على الطاولة للمذاكرة فتحت علبة ألوان نورة (7 سنوات) وبدأت أعدها: واحد، اثنان، ثلاثة... عشرون، ما بين لون ثقيل وخفيف. كانت نورة تحدق في باستغراب، ثم سألتها: الألوان كثيرة في علبتك وليس فيها لون يحتج على لون رغم المكان الضيق الذي تسكنه. حَدّقت من جديد وكأن لسان حالها يقول: ما بال أبي؟ هل أصيب بالجنون؟ تبسمت لها وقررت أن أشرح لها لاحقا حين تبلغ سن الإدراك أن فينا قوم يضيقون بالألوان الأخرى رغم رحابة الأرض وفسحة السماء. قوم إذا تحدث واحدهم ألغى الملايين التي تكتسي ألوانا غير لونه.
في تاريخي الطويل نسبيا مع الحرف حاولت أن أمارس عملية (التفهيم) لذوي اللون الواحد، ولست أذكر سوى التسفيه والتحقير والشتم أحيانا لأنني تجرأت على فرز الألوان. ولم أفهم إلى الآن كيف لإنسان ألا يدرك ضرورة الاختلاف بين الألون، ويضع البشر كلهم دون استثناء تحت طائلة لونه فإذا رفضوا، أو تحفظوا، أرسلهم إلى العتمة الاجتماعية أو القبر.
بعض ما يحدث لدينا هنا في المملكة فيه الكثير من افتراءات اللون الواحد على باقي الألوان. كلنا يجب أن نكون لونا أسود أو أزرق أو أحمر. غير مسموح أن يكون هو أزرق وتكون أنت أصفر وأكون أنا أخضر أو بنفسجيا، مع أن الدنيا نفسها بقدرة خالقها ومبدعها مكتظة بالألوان لصنوف النبات والطير والحيوان. وهو سبحانه جعلها شعوبا وقبائل لتتعارف وتتقابل بدلا من أن تتقاتل من تحت رأس اختلاف الألوان. ولابد أننا نفهم أن التعارف لا يتم إلا بين غرباء أو مختلفين فَيُحدّث بعضهم بعضا فيما لدى كل منهم، لينشأ الجسر الذي كلفوا ببنائه ليحفظوا لهذه الدنيا طعمها وألوانها وعمرانها وسلامتها لجميع الألوان.
لم يقبل الإنسان، في معظم تاريخه وممارساته، الألوان الأخرى، مع أن الأرض التي هي العلبة الكبرى لهذه الألوان واسعة وثرية وقابلة للتعدد والتمايز، لكن بني البشر، الفرحين بعقولهم، يُضيقون العلبة حتى لا تكاد تسع إلا لونا واحدا لتتحول دنيانا إلى جحيم المآسي والاضطرابات التي هي ديدن هذا الإنسان منذ وجه الخليقة الأول.
ولذلك، على الأقل، أنصحكم بأن تفتحوا علب (نوراتكم) كما فتحت علبة نورتي لتكتشفوا كيف تتجاور الألوان بسلام وهدوء في مساحة لا تزيد على بضعة سنتمترات. وقتها ربما تفتحون نافذة على الألوان الأخرى التي تجاوركم أو تشارككم العلبة الكبرى التي نسميها الأرض... وفقنا الله.
اخوكمـ وليف الحزن
مواقع النشر (المفضلة)