الحول تشوه يصيب العين، يؤثر في مظهرها، وفي رؤيتها للأشياء، فيشوه المدركات ويحرفها عن مدلولاتها الصحيحة، وهو اعتلال يصيب الأعصاب بالارتخاء فيحرف سواد العين إلى الطرف الأيمن أو الأيسر حسب العصب المصاب،
ويوصف الإنسان الذي لا يرى الأشياء على حقيقتها بأنه أحول، لأنه يرى البصائر الواضحة مشوهة، ويصفها بغير ما تدل عليه حقائقها البينة.
هذه الحالة تصيب البعض فتؤثر على رؤيته وعلى مظهره العام، لكنها تبقى حالة مفهومة لا يملك مَنْ يُصاب بها سوى التسليم والرضا بقضاء الله وقدره وما كتبه عليه، ومع تقدم علم الطب أصبح بالإمكان معالجة الحالة كلياً أو جزئياً.
ولكن ماذا عن الحول الذي يصيب العقول؟ فيحرفها عن إدراك الحق والحقائق، على الرغم من وضوح معطياتها ودلالاتها، لقد ابتلي المجتمع بأناسٍ يرون البصائر حولاً، بصائر تُعرض على الملأ في النور، وفي وضح النهار، يراها كُلُّ ذي لب وبصيرة وعقل سليم، لا يكاد يماري أحد في فهمها أو يشكك في نبل أهدافها وصواب منهجها، إلا أنه بين الفينة والفينة تطل رؤوس تعد نفسها حامية لحمى المجتمع، غيورة على أمنه وأمانه، بينما هي في الواقع لا تعدو عن كونها أوعية لعقول مصابة بداء حول مزمن، أثَّر وما زال يؤثر على رؤيتها للبصائر، إذ ما برحت تطنطن وتشنشن بتفسيرات وتأويلات تجاوزها الزمن فلم تعد تقنع أحداً، أو تطربه أو تلفت أنظاره، وفي الوقت نفسه لا تتردد هذه العقول الحول عن تسويغ وتقبل ما يصدر عن قوى الظلم والاستعباد من طغيان وتسلط وقهر، بل ما فتئت تصف هذه القوى دون حياء بأنها رمز التسامح والعدالة والمساواة، فالحول الذي أصاب عقول هؤلاء أعمى بصائرهم، وأسدل الستار على ضمائرهم عما حصل ويحصل من قتل وتشريد وخوف وبغي وظلم وعدوان وكل ما لا يخطر على البال من الممارسات غير الإنسانية التي تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان التي يتشدقون بها. .
مواقع النشر (المفضلة)