تتشكل الدنيا بمجموع هذه الأيام التي نعدها ونغالبها في صراع دائم معها محسومة نتيجته في غير صالحنا، فما غالب الدنيا إنسان أو غالبت الدنيا إنساناً إلا غلبته، لا ينتصر على الدنيا وأيامها أحد، ولا يقوى عليها إلا من لم يهتم أصلا بها وزهد فيها.
والدنيا بمجموع أيامها تشرح لنا الحياة والموت بمفهوميهما الواسعين، فتكرار شروق الشمس يزرع الأمل ويبعث الرغبة في الحياة، ويعزز الشعور باستمرارها وتدفق الأمان فيها، لكن هذا الشروق متبوع دائماً بغروب يعلن عن انتهاء يوم، تشرح به الحياة لنا وبعدد ما انقضى من أعمارنا الموت، وتثبت في شعورنا حقيقة أن لكل بداية نهاية حتمية أيضا، متروكة للحركة فيها دون تقييد، ومسموح فيها أن نحقق في بعض أيام دنيانا فوزاً مؤقتاً لا يدوم، أو نطوع بعض أيامها لصالحنا لنكسب منها ما قدر لنا فيها، ثم نختفي نحن وتبقى هي على حالها لا تشيخ ولا تهرم أو تتبدل نواميسها وقوانينها، ودون حتى أن تفتقد عدم وجودنا فيها، فهي وإن أعطت بالحياة فيها عطاءها المقدر لها، تعود ثانية لتسلب بالموت كل ما أعطته دون اكتراث، لتؤكد في نهاية المطاف فوزها غير المتنازع عليه قبل أن يحتويها الزوال.
لا تعتقد حتى وإن كنت مخدوعاً في نفسك أن الدنيا ستفتقدك عندما تولي عنها إلى حياتك الدائمة، فلا الطرقات ستغير نبضها، ولا الناس ستقف حركتها، وسيستمر شروق الشمس وغروبها، لن يتغير شيء غير ألم فراقك الذي سيبقى لزمنه في قلوب من أحبوك ثم سيذهب هو الآخر مع تكرار شروق الشمس، وستبقى الدنيا ثابتة والناس فيها هم الذين يذهبون.. والله المستعان.
مواقع النشر (المفضلة)