الذي قتل ما جلان

300 ألف كيلو متر هي مساحة جزر الفلبين التي يزيد عددها وينقص وفقا لظروف المد والجزر، ولذا يبقى عدد كبير منها غير مأهول، ونصف المساحة تشغلها جزيرة “مندناو” وأخواتها الصغيرات في الجنوب التي أشرق عليها نور الإسلام في وقت مبكر عبر قوافل التجار والدعاة التي كانت تقطع رحلتها إلى الأرخبيل في خمسة أشهر مع مصارعة الأمواج في شجاعة.. وفي هذا تطل أسماء الدعاة الأوائل محمد بن يحيى، وأحمد بن عبد الله، ومحمد بن جعفر الذين استشهدوا عام 313 هجرية وهم يدعون للإيمان، وبعدهم بأربعة أعوام وصل إلى الجزر ركب أحفاد أحمد بن عيسى (المهاجر) الذي ينتهي نسبه عند الإمام جعفر الصادق، ومع توالي السنين دخلت شعوبها وقبائلها في الإسلام.

بعد سقوط دولة الإسلام في بلاد الأندلس ضم التبشيريون صفوفهم مع الاسبان والبرتغاليين وسط النشوة الأوروبية، واتفقوا على مواصلة الزحف خلف المسلمين، والاتجاه إلى المشرق العربي بقيادة المستكشف البرتغالي “ماجلان” الذي حظي برعاية ملك إسبانيا.. فسلك طريقا انتهى به إلى جزر الفلبين وبقي فيها عاماً وسبعة أشهر ونجح في ضم حاكم جزيرة سيبو إلى الكاثوليكية مقابل التتويج على مجموعة الجزر تحت رعاية التاج الاسباني، فواجه مقاومة بطولية من المسلمين الذين رفضوا الاستسلام وقتل ماجلان بيد “لابو لابو” وبقي قبره هناك شاهداً على انتصار المقاومة ورفض مسخ الهوية، إلا أن حملات التبشير لم تتوقف من يومها وتواصلت حملات الإبادة بكل أعلام وأشكال القوة الاستعمارية في كل العصور وإلى يومنا هذا، وتحلق المسلمون خلف راية جبهة “مورو” الإسلامية وتركزت قواهم في جزيرة “مندناو” والمناطق المحيطة بها والتي حباها الله بالثروات والخيرات التي زادت من أطماع الغزاة فانخفض تعداد المسلمين بنحو 22 مليون نسمة أو يزيد - أي أكثر من 25% من تعداد سكان الجزر، وبعد أن كانت مساحة أراضيهم تمثل 55% فقد انخفضت على أيدي الإسبان إلى 5.40% ومع الأمريكان إلى 32% ومع الاحتلال الياباني إلى 5.17%، فيما وصلت مع الحكومات الفلبينية بعد الاستقلال إلى 12%.

انشغال العالم الإسلامي

وعقب مأساة 1967 التي تعرض لها العالم العربي والتي أظهر فيها مسلمو الجنوب الفلبيني مؤازرتهم التامة لإخوانهم المسلمين في العالم العربي، والتي تمثلت في إعدادهم كتائب خاصة للجهاد ضد الصهاينة فزادت مساندة الدول الغربية، وخصوصاً أمريكا لحكومة الفلبين، وزحفت حكومة الشمال نحو أراضي المسلمين في جزر مندناو وصولو وما جاورهما، وهكذا بدأت قضية شعب “المورو” المسلم تأخذ الطابع الدولي، واستغلت حكومة الفلبين انشغال العالم الإسلامي بأحداث الشرق الأوسط فعملت على تصفية قضية المسلمين نهائيا وفرض سياسة الأمر الواقع.
ونتيجة لتعرض المسلمين للقهر والاعتداء قاموا بتأسيس العديد من الجمعيات الإسلامية، مثل جمعية أنصار الإسلام وجمعية النهضة الإسلامية، وهناك أيضاً جمعية مسلمي صولو، وذلك ليتسنى لهم مواجهة الغزو الذي يتعرضون له.


عرضت القضية الفلبينية على مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الأول عام 1392ه 1972م، وتم تنبيه العالم إلى خطورة الوضع وما يتعرض له المسلمون في جنوب الفلبين من إرهاب وقمع واضطهاد، وبعد بذل الكثير من الجهود الدبلوماسية عقدت مفاوضات بين الحكومة وجبهة التحرير الإسلامية وترتب على ذلك وقف إطلاق النار، وتم منح المسلمين حكما ذاتيا في 13 ولاية، وأعلن ضم الجبهة إلى منظمة المؤتمر الإسلامي 1394ه 1974م.
في التسعينات استعرت حملة الحكومة ضد المسلمين في الجنوب، حيث كثفت حملتها وأصبح جيش الدولة بأكمله موجهاً للقضاء على الموحدين وبعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 زعمت الحكومة أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين المجاهدين في “مندناو” وما جاورها من جزر مسلمة، وبين تنظيم القاعدة وأن هناك تعاوناً بينهما، وقررت الحكومة الفلبينية استغلال الهياج والرعونة الأمريكية في مهاجمة تنظيم القاعدة، وكل ما له علاقة به، ولم يكن ذلك إلا ستاراً لمحاربة كل ما يمت للإسلام بصلة.
معونات بالملايين


وفي عام 2006 أعلنت جبهة مورو عن قرب التوصل إلى اتفاق حول وطن للمسلمين في مندناو وما جاورها من جزر، حتى في حال عدم التوصل إلى حل لجميع القضايا المطروحة على مائدة المفاوضات مع الحكومة.
وتعهدت دول غربية بتقديم معونات تقدر بملايين الدولارات من أجل إعادة إعمار جنوب الفلبين من خلال صندوق دعم مندناو الذي يديره البنك الدولي، وذلك حال التوقيع على اتفاق سلام بين الحكومة الفلبينية والجبهة الإسلامية لتحرير مورو ينهي صراعاً دام أكثر من 30 عاماً.
ورغم هذه الوعود إلا أن المسلمين في الجنوب الفلبيني يرون أنهم لابد أن يكونوا أكثر يقظة بشأن صدق تلك الوعود وأمانة القائمين على توصيلها إلى المسلمين، حيث إن هناك مساعدات أجنبية وعدوا بها في الماضي لكنها ذهبت إلى “مانيلا” وما زالوا إلى الآن فقراء، ومع كل المعاناة التي يعيشها المسلمون في مندناو إلا أن للدعوة والمؤسسات الدعوية والتثقيفية والتعليمية دوراً كبيراً في مساندة النضال العادل بمساندة الأزهر الشريف والمؤسسات الإسلامية، خصوصا جمعية “كامل الإسلام” التي أسست العديد من المدارس والمعاهد الإسلامية ولها مطابع تقوم بنشر الكتب الإسلامية، وتولي الجمعية اهتماماً كبيراً لنشر اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن الكريم، وجمعية “الفلبين الإسلامية” التي تعمل على نشر مبادئ ومفاهيم الدين الإسلامي الصحيح وتنقية الثقافة الإسلامية من جميع الشوائب التي علقت بها، وهناك أيضاً جمعية “أنصار الإسلام” التي تضم أكثر من 900 ألف عضو وتهتم بالتكنولوجيا والاستثمارات، كما توجد مئات المؤسسات الإسلامية التي تقوم بالتعريف بالإسلام، وحققت نتائج إيجابية حيث اعتنق الإسلام آلاف من أتباع الديانات الأخرى على يد دعاتها.