أخي الداعية .. أخي المسلم ..

هب أنك مت الآن! أخبرني ما آثارك بعد الموت؟ ما الأعمال المباركة التي ستنسب إليك بعد موتك؟ ما لمساتك على هذه الحياة؟ ما بصماتك؟

أخي الداعية.. أخي المسلم ..

هب أنك الآن في عداد الموتى... ما الكلمات التي سيطلقها الناس عنك؟ ما المشروع الذي تريد أن يخلّد في صحيفة عملك بعد وفاتك؟ كم مسلماً علّمت؟ كم مسلماً إلى طريق الخير هديت؟ كم كلمة طيبة غرست؟ كم علماً نشرت؟ كم حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم بلّغت؟ كم مرةً بين متخاصمين أصلحت؟

أخي الداعية..

كن ذلك المبارك في حله وترحاله، كالغيث أينما وقع نفع: قلب عامر وعقل مثابر... تقي خفي، نقي أبي... نفعه متعد، وخيره عام... يتجذر هداه في كل أرض فيها أقامتنداح جحافل وعظه كالسيل العرم، تذهب بكل سد منيع جاثم على قلوب الغافلين .. إذا قال أسمع، وإذا وعظ أخضع.

أخي .. كن داعية ..


دؤوب الخطو، بدهي التصرف، إذا اعترضته العوائق نظر إليها شزراً، وقال: أقبلي يا صعاب، أو لا تكوني

أخي كن داعية..

محمدي الخلق، صِدّيقيّ الإيمان، عُمَريّ الشكيمة، عثمانيّ الحياء، علويّ الصلابة، فضيلي العبرة، حنبلي الإمامة.

أخي الداعية ..

أخي المسلم ..

مات قوم وما ماتت مكارمهم ** وعاش قوم وهم في الناس أموات

يقول جل وعلا: { رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين * واجعل لي لسان صدق في الآخرين } [ الشعراء : 83-84 ] .

يقول الطبري في تفسيرها: وقوله: وَاجْعَلْ لي لِسانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ يقول: واجعل لي في الناس ذكراً جميلاً، وثناء حسناً، باقياً فيمن يجيء من القرون بعدي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك: روى أشهب عن مالك قال: قال الله عز وجل: { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } [ الشعراء : 84 ] لا بأس أن يحب الرجل أن يثنى عليه صالحاً ويرى في عمل الصالحين، إذا قصد به وجه الله تعالى؛ وقد قال الله تعالى : { وألقيت عليك محبة مني } [ طه : 39] وقال : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا } [ مريم 96 ] أي حباً في قلوب عباده وثناء حسناً، فنبّه تعالى بقوله: { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } [ الشعراء : 84 ] على استحباب اكتساب ما يورث الذكر الجميل. الليث بن سليمان: إذ هي الحياة الثانية. قيل:

قد مات قومٌ وهُمْ في النّاس أحْيَاءُ

وقيل: والذكر للإنسان عمرٌ ثان

قال ابن العربي: قال المحققون من شيوخ الزهد: في هذا دليل على الترغيب في العمل الصالح الذي يكسب الثناء الحسن، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ) الحديث .

وفي رواية أنه كذلك في الغرس والزرع وكذلك فيمن مات مرابطاً يكتب له عمله إلى يوم القيامة.
وقال القرطبي في قوله تعالى : { إنا نحن نحيي الموتى" ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين } [ يس :12].

قوله تعالى : { إنا نحن نحيي الموتى } [ يس :12] أخبرنا تعالى بإحيائه الموتى ردًّا على الكفرة.

وقال الضحاك والحسن: أي نحييهم بالإيمان بعد الجهل. والأوّل أظهر؛ أي نحييهم بالبعث للجزاء.

ثم توعدهم بذكره كَتْب الآثار وهي: إحصاء كل شيء وكل ما يصنعه الإنسان. قال قتادة: معناه مِن عملٍ. وقاله مجاهد وابن زيد. ونظيره قوله : { علمت نفس ما قدمت وأخرت } [ الانفطار : 5 ].

وقوله : { ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخّر } [ القيامة : 136 ]، وقال: { اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد } [ الحشر: 18] .

فآثار المرء التي تبقى وتذكر بعد الإنسان من خير أو شر يجازى عليها: من أثر حسن؛ كعلم علَّموه، أو كتاب صنَّفوه، أو حبيس احتبسوه، أو بناء بنوه من مسجد أو رِباط أو قنطرة أو نحو ذلك. أو سَيِّئ كوظيفة وظفها بعض الظلاّم على المسلمين، وسكة أحدثها فيها تخسيرهم، أو شيء أحدثه فيه صدّ عن ذكر الله من ألحان ومَلاِهٍ، وكذلك كل سُنّة حسنة، أو سيئة يستنّ بها. وقيل: هي آثار المشاءين إلى المساجد.

وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أموراً سبعة ً يجري ثوابها على الإنسان في قبره بعدما يموت، وذلك فيما رواه البزار في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من عَلّم علماً،أو أجرى نهراً،أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته ) [ حسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع برقم:3596].

وروى ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورثه أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته ) [ حسنه الألباني رحمه الله في صحيح ابن ماجه برقم 198] .

وروى أحمد والطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: من مات مرابطاً في سبيل الله، ومن علّم علماً أجري له عمله ما عمل به، ومن تصدق بصدقة فأجرها يجري له ما وجدت، ورجل ترك ولداً صالحاً فهو يدعو له ) [ صحيح الجامع حديث رقم890 ] .

أخي الداعية ..

أخي المسلم ..

خذ لك زادين من سيرةٍ *** ومن عملٍ صالح يدّخر

وكن في الطريق عفيف الخطا *** شريف السماع كريم النظر

وكن رجلاً إن أتوا بعده *** يقولون مرّ وهذا الأثر

هذا وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم