600 ألف مسلم في إسبانيا
تشكل اسبانيا حالة خاصة منذ فجر حضارة الإسلام، فهي ترمز إلى قمة الصعود وتأسيس إمارة “الأندلس” في قلب أوروبا لأكثر من ثمانية قرون امتد خلالها شريان الحضارة والعلم والفكر إلى قلب وجسد القارة العجوز، ومنه جنت البشرية كلها ثمار نهضتها وتقدمها ومعارفها في شواهد مازالت شاخصة وتثير الإعجاب.. محراب قرطبة لايزال يخطف الأبصار، وقصر الحمراء لؤلؤة المزارات البديعة.. المفردات والأسماء العربية لا تخطئها الأذن في جميع الأرجاء الاسبانية.
وكان الخروج منها بداية التراجع. واختفى الوجود البشري الإسلامي الإنساني من أرض الأندلس بفعل سياسة الاستئصال التي بلغت ذروتها بالإفناء الأول ثم محو الآثار بعد الاتجاه إلى التشويه والربط بين العقيدة السمحاء وبين أعمال العنف والإرهاب واتخاذها ذريعة لمحاصرة وتقييد الحرية.
هناك بعض المساجد التي شيدت بمساعدات عربية أو سعودية في الماضي مثل مسجدي “ماربيا” ،1982 و”أبوبكر الصديق” في مدريد 1972 وهو الأول في تاريخ إسبانيا الحديث.. وهناك مجموعة من الاسبان الذين اعتنقوا الإسلام قررت منذ أكثر من 20 عاماً بناء مسجد كبير في “غرناطة” أمام قصر الحمراء الذي يمثل أطلال مسجد ضائع، وتم افتتاحه قبل ثلاثة أعوام وسط تحذيرات من عودة الإسلام إلى أرض الأندلس. وهو ما نفاه مالك عبد الرحمن رويت المتحدث باسم المسجد قائلا: لا نشعر بأي حنين إلى الماضي، كما أكد المسؤولون في بلدية غرناطة أنهم لا يشعرون بالخوف من عودة المسلمين إلى الأرض التي رحلوا عنها قديما، لأن وظيفة المسجد هنا كما هي في أي بلد عربي أو إسلامي تتمثل في إقامة الصلاة ودروس حفظ القرآن وتعليم اللغة العربية والعلوم الإيمانية.
خروج وعودة
هكذا وطبقاً للتاريخ الرسمي لم يبق بالأراضي الاسبانية مسلم واحد بعد سنة ،1614 باستثناء الرعايا المغاربة المسلمين سكان مدينتي سبتة ومليلة اللتين دخلتا تحت الاحتلال الاسباني منذ نحو أربعة قرون، الأولى في سنة 1580 والثانية في 1556.
وكما كان لخروج المسلمين من الأندلس تاريخ فإن للعودة أيضا تاريخها، ففي منتصف السبعينات من القرن العشرين كانت أزمة البترول العالمية، والتي كان من نتائجها بطء النمو الاقتصادي لدول شمال ووسط أوروبا، مما أجبر حكومات هذه الدول مثل ألمانيا وهولندا وفرنسا، على غلق حدودها أمام تيار الهجرة الاقتصادية القادم من العالم الثالث والعالم الإسلامي. ومع ذلك لم تتوقف الهجرة، فثمة أزمة اقتصادية طاحنة كانت تعصف بدول العالم الثالث منذ أوائل السبعينات وطوال حقبة الثمانينات.
بيد أن الجديد أن تيار الهجرة في مجمله غيّر وجهته إلى بلدان أوروبية أخرى كانت حتى منتصف السبعينات مناطق طرد، وبالتحديد إلى جنوب أوروبا، وعلى وجه الدقة إلى إيطاليا واسبانيا؛ لأن هاتين الدولتين منذ منتصف السبعينات وخلال الثمانينات شهدتا نموا اقتصاديا مرتفعا، مما حوّلهما إلى دولتين جاذبتين للمهاجرين، وخصوصا من دول الجوار المتوسطي العربي الإسلامي، لاسيما من بلاد المغرب العربي. وهؤلاء المسلمون خاصة المغاربة موزعون في غالبية الجغرافية الاسبانية، ولكنهم يتركزون أكثر في مقاطعات مدريد وقطَلونية وأندلوثيا.
وحسب تقرير أصدرته لجنة الشؤون الدينية بوزارة العدل الاسبانية ونشرت صحيفة الموندو الاسبانية ملخصا له يوم 4 مايو/أيار 2004 فإن عدد المسلمين في اسبانيا يبلغ نحو 600 ألف شخص.
وقد افتتح المسجد الوحيد في مدينة “ريوس” بإقليم “كاتالونيا” شمال شرق اسبانيا يوم الجمعة 7 مايو/أيار 2004 أيضاً.
قضية الحجاب
يذكر أن المسلمين في اسبانيا ربحوا قضية حق ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس بعد معركة طاحنة مع إدارة مدرسة غربي العاصمة مدريد رفضت دخول طالبة مسلمة وهي ترتدي غطاء الرأس، بعد أن تصاعدت حملات العداء ضد الحجاب، الذي انتشر بين المسلمات، وأغلبهن من الجالية المغاربية (الجزائر والمغرب وتونس ونوعاً ما موريتانيا)، كما أن حدة التوتر بشأن الحجاب الإسلامي وقضايا الاختلافات الثقافية بين الاسبان والجالية الإسلامية، زادت بعد التصريحات التي أدلت بها وزيرة التعليم الاسباني “بيلار ديل كاستيلو” عندما قالت لإحدى الصحف: “إنه يتعين على أطفال المهاجرين تبني العادات الاسبانية”.
يتميز الشعب الاسباني بانفتاحه على الآخرين، ولا يعاني من عقد تاريخية ونفسية، مقارنة بباقي الدول الأوروبية، ولكن بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وتفشي البطالة، وغلاء المعيشة، وعدم الإحساس بالأمن، أخذ التيار العنصري ينمو تدريجياً في اسبانيا، وحاولت بعض الأحزاب السياسية مغازلة الشعور القومي من خلال التحذير من تزايد المسلمين في اسبانيا، وتهديدهم للطابع “الكاثوليكي” للشعب والدولة الاسبانية، ولكن هذه الأحزاب أخفقت إخفاقا ذريعا في إقناع الاسبانيين بصحة أفكارها، وطروحاتها، وإن نجحت فعلا في التوافق مع الحكومة الاسبانية في موضوع الحد من الهجرة السرية.
أجمع مسلمو اسبانيا على إعلان إدانتهم الشديدة للإرهاب، وتضامنهم مع ضحايا تفجيرات مدريد فور وقوعها مباشرة، ولا يزالون للآن يتحينون الفرص لإعلان استنكارهم لها، ففي الذكرى الأولى لأحداث سبتمبر/ايلول ،2001 دعت (اللجنة الإسلامية) في إسبانيا كل أئمة المساجد فيها إلى التنديد علنا بالإرهاب. وأصدرت اللجنة فتوى من خمس صفحات، تدين فيها كل الذين يبررون الإرهاب استنادا إلى القرآن الكريم.
مواقع النشر (المفضلة)