السمر دفء في الشتاء وعسل في الصيف
عندما أرخى الليل سدوله على الأنام، وأبحرت البشرية تغط في المنام، لاح في الأفق رجل يهش على قطيع من الأغنام، متجها بها نحو شجرة السلام عند بدو الصحراء(حيث كانت ترفج أي يمنع قطعها من قبل شيخ القبيلة)، يعلق بها منجله ليهزها بحثا عن الحنبل “ثمر شجرة السمر”، فالسمر شجرة عريقة عطاؤها لا ينتهي حية وميتة، يقصدها الراعي قبل ولوج الفجر وانطلاق قطعان الجيران للمرعى خوفا أن تبقى أغنامه تتضور جوعا طوال النهار، وهو في رحلة العودة يجر معه ما سقط من الأغصان لتنير له مساء جلسات السمر على نار حطب السمر. فقد عاشت جموع البدو في صحراء الإمارات على هذه الشجرة إلى جانب أشجار الغاف اللتين تشكلان مصدر حياة ولسكان هذه المناطق.
والسمر مبعث الدفء في الشتاء وعسل بالصيف، إذ يستفاد من حطبها في بعث الدفء في ليالي الشتاء قارصة البرودة وحين يحل الصيف تقطنها أسراب النحل لتتغذى على البرم (الزهر) لجمع العسل.
والسمر مفردها سمره والغصن منها يسمى الركن في حين أن الغابات منها يطلق عليه عقدة، وتستخدم عروق السمر (الجذور) في صناعة عصا الخصين (الفأس) ويكون قطعها مع قدوم الشتاء (المربعانية) بحيث لا يؤثر هذا القطع في حياة السمرة، لكون الجذر متماسكاً في هذه الفترة وأقوى من حيث الصلابة ويحمى على النار دون حرق لزيادة تماسكه ودوامة مع الاستخدام الشديد للفأس.
والتسمية العلمية لأشجار السمر هي الأكاسيا، وغالبا ما توصف بأنها شجرة المظَلة الشائكة إشارة إلى تاجها المميز، وهي الأوسع انتشارا في المناطق الجافة في الجزيرة العربية وإفريقيا. إذ تكون سائدة في كثير من المجتمعات النباتية في إقليم السافانا (الحشائش الطويلة قليلة الأشجار) وتشكل مصدر علف للحيوانات المحلية والبرية.
وتنمو شجرة السمر فوق الكثبان الرملية والأسطح الصخرية وفي قيعان الأودية الطينية، وتتحاشى المناطق التي تغمرها مياه السيول موسمياً. وهي شجرة شديدة الاحتمال للجفاف وتكتفي بمقدار هطول سنوي يتدنى إلى 40 ملليمترا، وتتحمل هطولاً للأمطار يصل إلى 1200 مللميتر، وتقاوم فترات جفاف تتراوح بين شهر واحد واثني عشر شهرا. والشجرة محبة للتربة القلوية ولها القدرة على استعمار التربة الملحية والجبسية أيضا. وللشجرة جذر وتدي عميق يتغلغل في التربة الرملية وقد يصل إلى 35 متراً في جنوب الصحراء الكبرى، كما تكون جذورا سطحية في التربة الضحلة، تمتد إلى ضعف قطر تاج الشجرة، وتنمو الشجرة على ارتفاعات تتراوح من 390 و2000 متر فوق سطح البحر وتحتمل درجات حرارة تصل إلى خمسين درجة مئوية عند منتصف النهار، ودرجات برودة عند درجة التجمد ليلا. كما تستطيع الأشجار الكبيرة (حوالي 3 أمتار في الارتفاع) احتمال الصقيع ونيران حرائق الحشائش الخفيفة.
وتعتبر شجرة السمر مصدر علف جيد للإبل والماعز في المناطق شبه الجافة، ويتوافر علفها على امتداد الموسم الجاف في غياب المصادر العلفية الأخرى، وتؤمن أشجار السمر الظل للحيوانات، وتنمو تحت هذه الأشجار أهم أنواع الحشائش النجيلية المستساغة، ويتميز حطبها بأنه كثيف التركيب أحمر اللون يصلح تماما لإنتاج الفحم النباتي وحطب الوقود. ويحترق الحطب في بطء وله دخان قليل إذا كان جافا. كما تستخدم سوق الشجرة وجذوعها في البناء، ولصناعة الأدوات المنزلية. كما أن تقليم الشجرة وقطع أغصانها يحفز إنتاجية أغزر وأسرع للأفرع مما يتناسب واستغلالها وإدارتها لإنتاج حطب الوقود، ثمارها تؤكل وأزهارها مصدر للعسل البري الجيد وتؤمن الأدوية الشعبية. يدخل كل جزء من أجزاء شجرة السمر في كل أنشطة المجتمعات الرعوية التقليدية، وهي حاضنة للكثير من أنواع الطيور المنتشرة في المنطقة التي تتخذ منها أعشاشا لصغارها، والسمر شجرة كغيرها مهددة بالخطر لكثرة الاحتطاب منها وقطعها وهي تستغرق عشرات السنين لتنمو كشجرة مكتملة في حين أنها تعمر نحو مئات السنين واستنباتها ضعيف.
ويقول احد الشعراء في وصف القهوة على جمر السمر: “ما حلا ريح السمر لا شب نارهثم حمس كيفه ولا من فاح زلهفي دلال لونها محلا صفاره،،.
وتعتبر مرتعاً لأنواع كثيرة من الحيوانات والطيور البرية كالغزلان والثعالب والحمام والحباري (جمع حبارى) والكروان والقطا
بوفرة الغطاء النباتي وخاصة أشجار السمر والرمث والحرمل، وهذه السيوح أو السهول تعتبر اكبر منطقة وتنتشر فيها أشجار السمر في الدولة، إلا أنه في أماكن كثيرة تعرضت إلى الاحتطاب والتعدي الجائر، ما أدى إلى تحولها إلى مناطق شبه جرداء لا تشتمل سوى على القليل منها،على الرغم من سن القوانين التي تحد من هذه العملية من قبل البلديات المعنية.
إن استمرار أعمال الاحتطاب الجائر يمثل أثرا سلبياً من الناحية البيئية في أشجار السمر، فضلا عن حدوث اختلال في التوازن البيئي، فالسمر من أهم وسائل الدفع أمام زحف الرمال والتصحر إلى جانب أشجار أخرى وشجيرات تنبت في المنطقة، ويكثر الإقبال على السمر للاستفادة من حطبه حيث يستخدم في الأعراس من أجل إعداد الولائم ويستخدم لبناء العريش وبيوت الشعر نظرا لقوة تحمله وسياجا لحماية المنازل، كما أن حطب السمر في الزمن القديم كان سلعة اقتصادية مهمة لسكان المنطقة، سواء من أجل الاستخدام أو بيعه في الأسواق، وخاصة بعد أن يحوّل إلى فحم (صخّام). إضافة إلى استخدامه في مجال التدفئة لا سيما خلال فترة البرد.
و شجر “السمر” يتميز بعدد من الخصائص التي تجعله مرغوبا ويزيد من إقبال الجمهور على شرائه، إذ بأن فترة احتراقه طويلة وينتج نسبا منخفضة من الدخان مقارنة بالأنواع الأخرى من الحطب، كما أنه شديد الاشتعال ويطلق حرارة عالية.
وتعتبر أشجار السمر من الأشجار الرسمية كالنخيل والغاف التي تنمو في الدولة، متنفسا للقاطنين بهذه المناطق لقضاء أمتع الأوقات في أحضان الطبيعة الجميلة مع مواسم الأمطار حيث يتفيأ المصطاف ظلالها الوارفة ويروي ناظريه بانتشار البساط الأخضر الذي يكسو التلال والرمال إلى جوارها، إذ تمثل المنطقة الوسطى موطن أشجار “السمر” التي يعود عمر البعض منها إلى مئات السنين، حيث تنمو فوق الكثبان الرملية والأسطح الصخرية، وتتميز في قدرتها على تحمل الحرارة، ونقص المياه، ومع رسم حكومة الشارقة إقامة المحميات في المنطقة الوسطى يأمل أهالي المنطقة بالإسراع في هذه المشاريع لما لها من مردود كبير في المحافظة على البيئة بشتى مكوناتها والذي بالتأكيد سينعكس على أشجار السمر بالحفاظ عليها وانتشارها بالمنطقة.
مواقع النشر (المفضلة)