صباحكم /مساؤكم ممطر وجميل
المنفى وعقل الشتاء
فخري صالح الحياة - 29/01/08//
ورد في كتاب «العين» للخليل بن أحمد الفراهيدي أن نفي الشيء يعني تنحيته، ونفى الشعرُ أي ثار وذهب وشعِث وتساقط، والسيل ينفي الغثاء أي يحمله ويدفعه، ونفيان السيل: ما فاض من مجتمعه، ونفى الرجلُ عن الأرض ونفيته عنها: طردته فانتفى. قال الله تعالى: «أو ينفوا من الأرض».
وجاء في تهذيب اللغة للأزهري: نفى ابنه: جحده، وهو نفيٌّ منه. وانتفى فلان من فلان وانتفل منه إذا رغب عنه أنَفاً واستنكافاً. ونفت الريح التراب نفياً ونفياناً: أطارته. والنفيُّ: ما نفته. وفي الحديث: المدينة كالكير تنفي خبثها أي تخرجه عنها، وهو من النفي الإبعاد عن البلد. يقال: نفيته أنفيه نفياً إذا أخرجته من البلد وطردته. ونفت السحابة الماء: مجّته. والنفوة: الخرجة من بلد إلى بلد.
وجاء في المعجم الوسيط: نفى الشيء: نحّاه وأبعده. يقال: نفى الحاكم فلاناً: أخرجه من بلده وطرده. ونفيت الحصى عن الطريق، ونفى السيل الغثاء. ويقال: نفت السحابة ماءها: أسالته وصبته. ونافاه: عرضه وباينه. وانتفى: ابتعد. يقال: نفاه فانتفى. وانتفى الرجل: ابتعد عن وطنه مطروداً. والمنفى: مكان النفي. والنفي: خلاف الإيجاب والإثبات.
ومن الواضح مما أوردته في معنى «النفي» و «المنفى» في المعاجم العربية أن الكلمة ذات ظلال ودلالات سلبية في الأغلب، لا تتضمن أي معان إيجابية. لكن هذا المعنى القاموسي، الذي تتصل به معان قاموسية مشابهة في لغات أخرى، يتلون في الزمان المعاصر، وخصوصاً في النصف الثاني من القرن العشرين، بمعان مجازية. إنه يحمل دلالات أكثر كثافة، وصلة بالوجود الفردي والجماعي. كما أنه يبتعد من كونه شرطاً تاريخياً سياسياً، أو اقتصادياً، محدداً ناشئاً عن الهجرة القسرية أو الطرد المبرمج من الوطن، أو الإبعاد العنيف لجماعات محددة، أو شعوب بكاملها، ليدخل في تعريف الهوية المنشقة، والذات المشروخة لأسباب تتصل بالتجربة الكولونيالية للشعوب المستعمرة في القرون الثلاثة الأخيرة.
لقد خضع مفهوم أدب المنفى خلال الربع الأخير من القرن العشرين لتحولات وتعديلات عدة، حيث غادر معناه اللغوي، الذي يجعل منه دالاً على أدب الغربة والهجرة والاقتلاع والنفي والتشرد، ليصبح تجربة مجازية تدل على النظر بعيون جديدة إلى العالم وتجارب البشر وتفاعل الثقافات، ومفهوم الحرية، والرؤية غير المتحيزة، والابتعاد من مفهوم الهوية المغلقة، وطرح مفاهيم مثل الأصل والقومية والآداب الوطنية على بساط البحث مجدداً.
وقد دخل المفهوم، من خلال عدد من المنظّرين ونقاد الأدب، بوابة النظرية الأدبية ليصبح من بين المفاهيم الأساسية التي تمثل ما يسمى آداب ما بعد الاستعمار، بصفة تجربة المنفى عنصراً مشكلاً للهوية الخاصة بكل من المستعمِر والمستعمَر؛ فالرحلة باتجاهات متعاكسة جزء لا يتجزأ من تجربة الغزو الاستعماري الحديثة، ما يجعل مفهوم أدب المنفى يُبحث في الاتجاهين: شرقاً وغرباً، جنوباً وشمالاً.
في مقطع مثير وكاشف في مقالته «عقل الشتاء»، يقول إدوارد سعيد: «لا يمكن أن يكون المنفى حالة من الشعور بالرضا، أو الهدوء، أو الأمان. المنفى، بكلمات والاس ستيفنز، هو «عقل الشتاء» حيث تكون عاطفة الصيف والخريف، وكذلك تلك الخاصة بالربيع، شديدة القرب، لكنها ليست في المتناول. لربما يكون الكلام السابق محاولة للقول بأن الحياة في المنفى تسير وفق أجندة مختلفة، فهي أقل توافقاً مع الفصول وأقل استقراراً من الحياة في الوطن. المنفى هو الحياة التي نعيشها خارج النظام المعتاد. إنها تشبه حياة البداوة وعدم الاستقرار، بلا مركز، وذات طبيعة طباقية».
احترامي
أنثى السحاب
مواقع النشر (المفضلة)