تتجاذب أو تتنافر النفوس عندما تتقارب في الوسط الواحد، وأياً كنا وفي أي مكان نعيش وفي كل وقت وأي مجتمع نحيا فيه، من الطبيعي أننا نحس بالانجذاب نحو مجموعة معينة، ونبتعد عن آخرين، وقد يكون التجاذب بسبب أخوة مبنية على الإيمان الصادق، وهو الهدف المطلوب، وقد تجمعنا مصلحة مادية أو اجتماعية أو علمية أو مركز ومنصب أي مجرد منفعة شخصية ومصالح مشتركة، وقد يحدث انجذاب بين طرفين للموافقة والتطابق والتشابه في الطباع والسلوك، فيشعران بالارتياح معاً.. وقد يكون والعياذ بالله التقارب في المعصية والاستمتاع بها وتسهيلها فيحدث الانجذاب. وفي الغالب يعود التنافر لأسباب عديدة، أهمها ضعف الإيمان، الذي يحدث هوى في النفس ويفسد الود ويفرق الأصدقاء، فإذا ضعف الإيمان عند أحد الطرفين، فلن يحدث انجذاب عند الآخر، وقد يكمن السبب في سوء الظن، فيقوم البعض بفهم الكلام وتفسير الموقف وتحليله على هواه، ويبني شعوره على ما استنبطه من تحليل ويظل يتعامل بإحساسه ويحاسب غيره ويفسر كل تصرف على انه مقصود مما يسبب التشاحن من دون وجه حق. وقد يكون التنافر غير منطقي كالاعتماد على جمال الشكل وحُسن المظهر واختلاف الطبقات الاجتماعية.. وهناك من المتفوقين علمياً يعتقدون أنهم أفضل حالاً من غيرهم، وعليهم أن يصاحبوا مَن هم في مستواهم العقلي.
وقد يرجع التنافر بسبب حب القيادة عندما يرغب شخص أن تكون له الريادة ويرى نفسه انه الأفضل ويجب أن يكون هو لا غيره في القمة، فهو مَن يستحقها، فشخصيته قوية وصفاته تؤهله لذلك، ولن يتنازل ولن يرضى إلا بهذه المكانة، ويظل الصراع يدور والمؤامرات تحاك حتى يتنازل مَن حوله قهراً أو ينسحب وفي أعماقه تتراكم الضغينة والبغضاء.
كذلك عندما يحدث سوء تفاهم بين اثنين ويتمنى كل منهما في قرارة نفسه ان ينتهي هذا الخصام، وتكمن المشكلة في مَن يكون البادئ في التواصل، ومَن الذي يطلب المفاهمة والمصالحة وبالتأكيد يقوم الشيطان بدوره في الوسوسة لكل منهما بأنك لو كنت البادئ فأنت ضعيف ومخطئ ومذنب، وبالتالي يطول الشقاق وتحدث القطيعة والفراق، وتناسى كل منهما بأن خيرهما الذي يبدأ بالسلام.
وقد يكون السبب نفسيا كالعبارات التي يطلقها بعض الناس بأنه لا يرتاح عندما يسمع أو يشاهد شخصاً ما، ويبرر تصرفه بأن شكله وأسلوبه وهيئته لا تعجبه، وقد تكون الأسباب تافهة، لكنها تولد الفرقة.
ومن أصعب الأمور القيام بالإصلاح والتوفيق بين أفراد متنافرين، ففيها من المشقة ما فيها، وقد قال تعالى: {وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم}صدق الله العظيم، لذا لا يمكن لأي شخص أن يقوم بهذه المهمة وينصّب نفسه مصلحاً، لأنه قد يزيد الأمور تعقيداً ويعمق الجروح بدلاً من علاجها، ولا بد لمن يحتكم إليه أن يتميز بصفات عديدة وخبرة وحنكة، فالممارسة والتركيز والانتباه وتقديم الموعظة والعبر والتذكير بما جاء في الكتاب والسنّة من الترغيب بالصلح وحسن الخلق والترهيب في ما جاء بالهجر وقطع الأرحام وإشاعة الفتن، تحتاج لشخص واع متفهم حكيم، وقبل كل ذلك يتصف بمخافة الله في السر والجهر.
ولو فكر كل إنسان فينا سيجد انه يملك بداخله من العواطف ما لا يخطر على باله، ذلك لأن العواطف عواصف مكنونة تجد منافذ لها عند البعض، وقليلة عند البعض الآخر، وقد تكون مغلقة عند آخرين.
والأيام علمتنا بالدروس المؤلمة أنه لا قيمة للمال في حدّ ذاته إذا كان الإنسان مؤرق الضمير معذباًً، ولا أمان للأيام إن لم يتسلح المرء لها بالعدل مع الجميع، واجتناب الظلم وإيلام الآخرين والعدوان على حقوقهم، وأن يتزود بالأعمال الصالحة التي يرجو بها وجه ربه.
السعادة في الفؤاد وأروع دقات القلب عندما نهبها للآخرين، وأحلى كلام هو ما يقوله العقل بناء على رغبات القلب، فالقلب يولد قبل العقل، ويموت العقل قبل القلب، وتشيخ عقولنا قبل قلوبنا، فالقلب غالباً لا عمر له، لكن العقل له عمر افتراضي.
مواقع النشر (المفضلة)