حقيقة القوي في هذا الوجود كثيرا ما يغفل الناس عنها أحيانا فيسوء تقديرهم لجميع القيم ويفسد تصورهم لجميع الارتباطات وتختل في أيديهم جميع الموازين ولا يعرفون إلي أين يتوجهون. ماذا يأخذون وما يدعون؟ وعندئذ تخدعهم قوة المال ويحسبونها القوه المسيطرة علي أقدار الناس وأقدار الحياة، ويتقدمون إليها في رغب ورهب، ويسعون للحصول عليها ليستطيلوا بها، ويتسلطوا على الرقاب كما يحسبون.
وتخدعهم قوة المنصب يحسبونها أيضاً القوة القادرة التي تعمل في هذه الأرض فيتوجهون اليها بمخاوفهم ورغائبهم ويخشونها ويفزعون منها ويردضونها ليكفوا عن أنفسهم أذاها، أو يضمنوا لأنفسهم حماها. وتخدعهم أيضاً قوة العلم ويحسبونها أيضاً أصل القوة وأصل المال وأصل سائر القوي التي يصول بها من يملكها ويجول، ويتقدمون اليها خاشعين كأنهم عباد في المحاريب، وتخدعهم هذه القوي الظاهرة، تخدعهم في أيدي الأفراد وفي أيدي الجماعات، وفي أيدي الدول فيدورون عليها كما يدور الفراش علي المصباح، وكما يتهافت الفراش علي النار، وينسون قوة من لا يغفل ولا ينام صاحب القوة الوحيدة التي تخلق سائر القوي الصغيرة وتملكها، وتمنحها وتوجهها وتسخرها كما تريد حيثما تريد وضعفاء النفوس من ينسون أن الالتجاء الي تلك القوي سواء كانت في أيدي الأفراد أو الجماعات أو الدولة كالتجاء العنكبوت الي بيت.. حشرة ضعيفة رخوة واهنة، لا حماية لها من تكوينها الرخو، ولا وقاية لها من بيتها الواهن وليس هناك إلا حماية المولى عز وجل ربنا اللَّه وإلا حماه، وإلا ركنه القوي الركين، .. (مثل الذين اتخذوا من دون اللَّه أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وان أؤهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون).
مواقع النشر (المفضلة)