[frame="3 80"]
اصطلاحان جديدان في عالم الاقتصاد، ولهما مدلولان متقاربان، يختلفان فيمنطوقهما، ويلتقيان في مفهومها.

وقبل أن نأتي على توضيح كل واحد منهما،يقتضينا البحث أن نأتي إلى التطورات التي ظهرت في عالم الاقتصاد، بعد هذه الضخامةمن الرساميل التي تضيق بها الخزائن وتقفز عن مستوى الحسابات.


لقد ظهرالفساد في عالم الاقتصاد، وأخذ أشكالاً متعددة وأساليب متنوعة من التزييف والاختلاسوالسرقة والمتاجرة بالمخدرات والرقيق الأبيض والمتاجرة بالبغاء والرشاوى، فكثرتالأرصدة المشبوهة في دنيا المال والمحرمة حسب قوانينهم؛ منها ما يسمى الأموالالقذرة، والأموال المحرمة وهكذا. بحيث يصعب إدخالها إلى البنوك ووضعها في حساباتسرية وبأسماء نظيفة.

1) غسيل الأموال:
إن شيوع المخدرات،وانتشارها، والتهافت على تناولها جعل منها سوقاً رائجة، تدر أرباحاً خيالية، وهيوإن كانت تعتمد على مغامرات تقوم بها مافيات متخصصة إلاّ أنها أخيراً تستقر فيأسواق معينة لتباع بالقطاعي (المفرق) ليسهل تناولها يومياً من قبل المدمنين عليها.

فأصبح لها أسواق خاصة موصوفة للزبائن فقط. فيجري بيعها يومياً قطعاًمتفرقة، وهذا يستلزم أن تتناولها الأيدي البائعة والمشترية قطعاً صغيرة مستخرجة منأغلفتها، وعندئذٍ يكون لها روائح معينة تلصق بأيدي بائعيها كما تلتصق هذه الروائحتلقائياً بالأموال المدفوعة ثمناً لها، وما إن يأتي آخر النهار إلا وهناك كمياتكبيرة من الورق النقدي، وكلها لها روائح معروفة، فلا يستطيع أصحابها إرسالها إلىالبنوك وهي على هذا الحال، فيقومون بعملية غسيل لها وتنظيفها من هذه الروائح حتى لاينكشف سرها.

أما عملية الغسيل هذه فتكون بوسائل معروفة لديهم لا تؤثر علىهذه الأوراق النقدية. فإما أن يكون الغسيل بعملية تبخير، أو ببعض المواد المزيلةلروائحها ولا تؤثر عليها. وعندئذٍ وفي أواخر الدوام يدفعونها إلى حساباتهم فيالبنوك دون أية شبهة تطالهم. فهو في حقيقته غسيل بمعنى الكلمة، ولكن بوسائل معينةمخصصة لهذا الغرض، هذا هو واقع غسيل الأموال من حيث دلالة منطوق الكلمة.

هذا في بدايات استعمال هذا الاصطلاح (غسيل الأموال) أي إزالة الروائحالقذرة عن هذه الأموال حتى لا يتعرف على مصدرها ويشتبه في أنها ناتجة عن مصادرالمخدرات ونحوها. ثم تطور (غسيل الأموال) ليصبح مدلوله يعني استعمال وسائل مالية وحيل خادعة لإضفاء الشرعية والقانونية على هذهالأموال المكتسبة من مصادر قذرة غير مشروعة.
وهكذا أصبح (غسيل الأموال) بمعنى (تبييض الأموال) وصار الاصطلاحان بمعنى واحد.

2) تبييض الأموال:
إن كلمة غسيل الأموال وكلمة تبييض الأموال يلتقيان في دلالة مفهومهما. وهذايعني استخدام حيل ووسائل وأساليب للتصرف في أموال مكتسبة بطرق غير مشروعة، وغيرقانونية، لإضفاء الشرعية والقانونية عليها. وهذا يشمل الأموال المكتسبة من الرشوةوالاختلاسات والغش التجاري وتزوير النقود، ومكافآت أنشطة الجاسوسية.
هذهالظاهرة الخبيثة هي ولا شك إحدى ثمار العولمة الاقتصادية التي يروج لها الغرب.

فاصطلاح غسيل الأموال، وتبييض الأموال اصطلاح عصري
وهو بديل للاقتصادالخفي أو الاقتصاديات السوداء أو اقتصاديات الظل.
وهو كسب الأموال من مصادر غيرمشروعة، وأحياناً يتم خلط هذه الأموال الحرام بأموال أخرى حلال،
واستثمارها فيأنشطة مباحة شرعاً وقانوناً لإخفاء مصدرها الحرام والخروج من المساءلة القانونية،بعد تضليل الجهات الأمنية والرقابية.

فمن الأساليب التي يجري على أساسهاغسيل هذه الأموال غير المشروعة التي يتم تحصيلها من عمليات السرقة وتسهيل الدعارةوالرشوة وتهريب المخدرات وتهريب البشر والمتاجرة بالأطفال، ونوادي القمار أن يقومأصحاب الأموال غير المشروعة هذه بإيداعها في بنوك أو تحويلها بين البنوك لدمجها معالأموال المشروعة، وإخفاء مصادرها الأصلية. وقد يتم تحويل هذه الأموال من البنوكالداخلية إلىبنوك عالمية لها فروع كثيرة في العالم. ثم تقوم البنوك الخارجية نفسهابعملية تحويل أخرى للأموال عبر فروعها المختلفة، وبعد ذلك يقوم أصحابها بسحبأموالهم من البنوك لشراء الأراضي، أو المساهمة في شركات عابرة القارات.

والدول التي ينتشر فيها الفساد بكثرة تكوّن بؤراً يكثر فيها غسيل الأموال
وتتقدمها روسيا. وأشهر قضية غسيل أموال كان بطلها زوج ابنة الرئيس الروسييلتسن.

حيث أشارت التقارير الاقتصادية إلى أنه قام بسرقة حوالي عشرة ملياراتدولار من القروض الدولية الممنوحة لروسيا، وقام بغسلها في بنك أوف نيويوركالأميركي. وكشفت التحقيقات أن البنك الأميركي قام بتحويل هذه الأموال المسروقة إلىعشرات البنوك في العالم
ومن بينها بنوك في روسيا.

الإحصاءات والتقاريرالاقتصادية تؤكد أن ظاهرة غسيل الأموال تتصاعد بشكل مخيف خاصة في ظل العولمةالاقتصادية وشيوع التجارة الإلكترونية ـ الغسيل الإلكتروني يتم في دقائق أو ثوانٍمعدودة من أجل الإسراع في إخفاء هذه العمليات الإجرامية ـ

وقد قدر خبراءالاقتصاد المبالغ المالية التي يتم غسلها سنوياً بترليون دولار، وهو ما يعادل 15? من إجمالي قيمة التجارة العالمية.

ويقول خبراء اقتصاديون: إن البنوكالسويسرية بها ما يتراوح بين ترليون وترليوني دولار من الأموال التي جاءت من مصادرمحرمة.

وذكر تقرير الأمم المتحدة مؤخراً أن سويسرا تحتل مرتبة متقدمة فيالدول التي تستقبل الأموال المغسولة،
والتي تصل إلى (750) مليون دولار سنوياً. وتتقاسم بقية الكمية كل من لوكسمبورغ وإمارة موناكو والنمسا وجمهورية التشيكوأخيراً (إسرائيل).

كما يشير صندوق النقد الدولي إلى أن (تايلاند) تتصدرقائمة من 68 دولة يتم فيها الغسيل الإلكتروني على نطاق واسع.
إن ظاهرة تناميالاستثمار الأجنبي المباشر، وحرية حركة الأموال بين كافة الدول المتقدمة والنامية،وظاهرة التوسع في المضاربات المالية من خلال البورصات، ليجعل عملية غسيل الأموالتنمو وتتكاثر، ويجعل الكثير من البنوك تتسابق لتأخذ من هذه الظاهرة القذرة ما أمكنبالمراوغات والمخادعات، والالتفاف على القوانين أو أية إجراءات إدارية، وغالباً ماتتستر هذه العمليات وراء أسماء كبيرة لشركات أو مستثمرين. وكثيراً ما تتم مثل هذهالعمليات في إندونيسيا وماليزيا وغيرهما من البلدان الإسلامية.

إن مصطلحغسيل الأموال الذي ظهر على الساحة الاقتصادية الآن، وتفاقم بعد الحرب الباردة يعنيالقيام بتصرفات مالية مشروعة لمال اكتسب بطرق غير مشروعة، عن طريق استخدامه ولمراتعديدة، وفي جهات مختلفة، وبأساليب عدة وفي وقت قصير، عن طريق إيداعه كا قلنا سابقاًفي بنوك خارجية، وإدخاله بطريقة مشروعة إلى البلاد، أو تدويره في شراء العقارات ثمرهنها والاقتراض بضمانها، أو تداوله في البورصات المحلية والعالمية، أو إنشاء شركاتوهمية، وإثبات مروره باسمها.
وذلك كله من أجل محاولة إخفاء المصدر غير المشروعللأموال، وتضليل أجهزة الأمن والرقابة للإفلات من العقوبات.
وهكذا:
فإن مصادرالأموال القذرة والمحرمة كثيرة منها:
المخدرات زراعةً وصناعةً وبيعاً،الدعارة،
وتجارة الرقيق، والتهرب من الرسوم والضرائب، والرشوة، والعمولاتالخفية،
والتربح من الوظيفة، ومن استغلال المناصب ومن التجسسوالسرقات،
والاختلاس والابتزاز، ومن الغش التجاري، والاتجار بالسلع الفاسدةوالمحرمة،
ومن التزوير في النقود والمستندات والوثائق والماركات والعلاماتالتجارية،
ومن المقامرات في أسواق البضاعة والمال العالمية ومن المعاملاتالوهمية.


وقد أظهرت المناقشات أن حجم تجارة غسيل الأموال يتراوح حالياًوفقاً لإحصائيات صندوق النقد الدولي ما بين (950) مليار دولار و(1.5) ترليون دولار.

كما كشفت التقارير أن حجم الدخل المتحقق من تجارة المخدرات في العالم يصلإلى نحو (688) مليار دولار أميركي وأن (150) مليار دولار من هذه العمليات تحدث فيالولايات المتحدة الأميركية و(5) مليارات في بريطانيا و(33) مليار في دول أوروبا و (500) مليار في بقية دول العالم.

وأخيراً:
إذا غاب عامل تقوى الله، وترك التقيد بالحلال والحرام، وانفصل العمل عن الصلة بالله حين القيام به، ووضع الحساب في اليوم الآخر جانباً، وأصبح المال غاية لذاته، فلسوف تكون جميع المعاملات المالية والتجارية، ويكون القائمون عليها جميعاً يحاولون التحايل على القوانين والتستر عنها، وتصبح ظاهرة غسيل الأموال لا يتوانى عنها إلاّ من أقعدتهم قلة الحيلة فقط.

منقول للفائدة
[/frame]