إن الفن يعتبر عامل استقطاب للقناعات .. وهو يغزو العقول ويسمم الأنسجة الإدراكية قبل أن تنتبه إلى غزو هذا المحتل الجديد .. والأغنية هي أدلة من أدوات الفن .. ان هذا مثل هذه الأغنيات يروج لها الإعلام الرخيص رديف الاحتلال .. إننا سوف نتحدث عن تأثير الأغاني الرخيصة على القناعات عبر التلقي السمعي والمرئي .
علينا أن ننتبه أن الأغنية تلعب وجدانيا في التأثير ،وعلينا أن نلاحظ في المهرجانات الانتخابية لا ينسى المنظمون التنويه إلى أن المطرب فلان أو الفنانة فلانة سيغني في المهرجان، مما يساهم في زيادة التعبئة ومضاعفة الحشد... ويطلق علي مثل هذه الأغنيات بأنها " سياسية أو مسيَّسة " ... وعالميا وعربيا نلاحظ أن السياسيون على اختلاف مشاربهم استخدموا الفن لتسويق السياسة وبل أنهم يتنافسون في تسويق برامجهم عبر الأغاني والمقاطع الموسيقية والقصائد الشعرية، حتى بات الفن وقودا وغذاء للحملات الانتخابية والسياسية.

الهدف المعلن هو الفن لأجل إبراز قضية وطنية .. هذا ما تنقله الشاشات الفضائية .. تصوير الدعاية الرخيصة للاحتلال بأنها أمر هادف ومطلوب جماهيريا .. وانتشر في الفترة الأخيرة كليب يصور المرأة العراقية كعاشقة لجندي احتلالي أمريكي عبر قصة " عاطفية " .. والعرض يبدأ من خلال قصة حبّ تجمع "شذى" -داخل مشاهد الكليب- بجندي أمريكي تقرر الابتعاد عنه بسبب خيانته لها وإطلاقه الوعود كاذبة باستمرار .. ومشاهد الفيديو الكليب لا تختلف كثيرا عن كل الأغاني الماجنة .. والفكرة ذاتها تدعو إلى الدهشة والاستنكار .. كيف يمكن أن يكون هناك علاقة حب أو عشق بين الجلاد والضحية وبين المغتصب والمغتصبة ... إذن هناك نوع من الصدمة يراد لها أن تعبر إلى أعماق العاطفة لسطحي النظرة والى إحداث هزات اجتماعية تتدرج الى درجة من التآلف والتعود ... المغنية تدافع عن نفسها وتقول أن هدف الأغنية بكلماتها هو لــِ إبراز الوعود الكاذبة التي تلقاها العراق بشأن تحرير أراضيه... أفكار مدانة وتعقد كل الجهود الاجتماعية التي تظهر الجلاد بكل بشاعة أفعاله وسلوكه وأسلوبه ، لا أن يتم تجميله ... الأسوأ أن مشاهد الفيديو كليب للأغنية تجسد جميع الأحداث المؤسفة التي تدور على الأراضي العربية من خلال أفكار وطنية أطلق المخرج عنانها، كما يتضمن الكليب مشهد حذاء منتظر الزيدي الذي رشق به الرئيس الأمريكي السابق "جورج بوش".. وبالتالي يظهر السم واضحا في العسل .. وأيضا من الغرابة أن يتم تصوير الأغنية " الكليب " على جسر المديرج في البقاع اللبناني، الذي قصفه طيران الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوان تموز 2006 .. كيف أن نصدق أن هناك مقارنة عادلة بين مشاهد القتل والدمار التي سببها العدوان الإسرائيلي فوق الأراضي اللبنانية و بين مشاهدا الكليب التي تظهر العري والقصة الرخيصة المسمومة .. والأسوأ أن ملابسها كانت عبارة عن ملابس عسكرية أمريكية معلق عليها وردة كبيرة الحجم . فما هو المقصود من ذلك .. هل المقصود أن يتم عرض الجسد العربي والقناعات العربية بالثوب الاحتلال العسكري الأمريكي وبوردة حمراء .. فهل هذا بديلا لألوان الدماء الغالية والتي سفكت بأيدي جنود الاحتلال الأمريكي العسكري .. أي خبث يراد به أن يتم إدخاله إلى البيوت والعقول العربية .. ثم كيف نفهم تفاعل بطلة القصة عاشقة العدو وهي تتابع مشاهد الدمار والقتل والقصف التدميري الهستيري بواسطة العدو الأمريكي ,يلاحظ أن المشاهد تمثل العراق .. إنها تشاهد كل هذا وهي تمثل كافة ألوان العهر الجسدي وحركات الجسد التافهة .. والأسوأ أنها تتحرك بجسمها بين قناة وقناة بواسطة الريموت كونترول .. فهل هذا هو الواقع العربي .. ثقافة المشاهد بدون تفاعل .. إن هذا الفن الاحتلالي هو عمالة بامتياز ومشاهد مدفوعة الثمن مسبقا ..
وما يلفت النظر هو تهافت الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية لنقل هذا الكليب واعتباره عملا وطنيا خالصا وأن هذا القصة تمثل وصف واقعي وحقيقي للاحتلال فوق الأرض العربية .. وكان المثال الاحتلال الأمريكي للعراق .. إن المطربة الفاشلة تمثل أسوأ صورة للمرأة العراقية والعربية .. وتمثل هي ذاتها نوعا من العمالة للغرب والاتجاه نحو توجيه الفكر الرخيص والفن الهابط والعهر السياسي بالأسلوب الماكر والذي " يتمتع به ويطرب له وينجذب " المشاهد العربي والمراهق الذي يعتبر سند كل فعل ثوري ومقاومة ضد الاحتلال في كل الأوقات والأماكن المحتلة ..

والملفت للنظر أن الدعاية السابقة لظهور هذا الكليب جعلته خبرا مهما على صفحات الصحف والمجلات باعتباره سيكون كليبا وطنيا، حيث روج مخرجه اللبناني يحيا سعادة إلى أن "وعد عرقوب" يجسد وعد قد باعوه من خلال السياسة العالمية للشعب العراقي باسم الديمقراطية وفي النهاية خاب أمل الشعب بهم، كما شرحت المطربة العراقية شذى وجهه نظرها في الكليب الذي قالت إنه سخر فكرة منتظر الزيدي الذي ضرب الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بالحذاء... أي خبث وهي تسخر الجسد العربي ليصبح ألعوبة في يد المحتل المجرم .. وهنا التصوير لا يصور حالة اغتصاب تحدث يوميا في البلاد المحتلة .. بل يمثل القبول الذاتي وبمحض إرادة الضحية .. ويتم اغتصاب الروح والقناعة والجسد بكل قبول وبدون صرخة بل الأدهى هو تصوير القبول بميوعة وجنس وحركات مثيرة مرفوضة .. إنها صفحات رخيصة يراد ترويجها فوق صحفنا ومجلداتنا وفي شاشات التلفاز لفضائيات التي تعد بالمئات تنطق بالعربية .. باختصار إنها أداة تدخل كل بيت وكل هاتف .. ان هذا هو قمة الانتهازية واستغلال الأحداث والمعاناة لتطويع القبول دون الالتفات للمادة المحشوة والتي يبدأ تأثيرها واضحا بعد تكرار مثل هذه الأعمال المقصود بها غسل الأدمغة عبر الأغنية والموسيقى والرقص والعهر .. بحيث تصبح الصدمة مقبولة وكما يقال "صدمة أخف من صدمة " ..



منقول بقلم الكتور الكاتب /مازن صافي