[moveo=left]# الحوار ضــرورة عصـــريــة .[/moveo]












[glow=#FFCC33]الحوار في معناه الصحيح لا يقوم ولا يؤدي إلى الهدف المنشود إلا إذا كان هناك احترام متبادل بين أطراف الحوار، واحترام كل جانب لوجهة نظر الجانب الآخر. وبهذا المعنى فإن الحوار يعني التسامح واحترام حرية الآخرين، واحترام الرأي الآخر، ولا يعني بالضرورة القبول به، وليس الهدف من الحوار مجرد فك الاشتباك بين الآراء المختلفة أو تحييد كل طرف إزاء الطرف الآخر، وإنما هدفه الأكبر هو إثراء الفكر وترسيخ قيمة التسامح بين الناس، وتمهيد الطريق للتعاون المثمر في ما يعود على جميع الأطراف بالخير، وذلك بالبحث عن القواسم المشتركة التي تشكل الأساس المتين للتعاون البناء بين الأمم والشعوب، والحوار بهذا المعنى يعد قيمة حضارية ينبغي الحرص عليها والتمسك بها وإشاعتها على جميع المستويات.


والوعي بذلك كله، أمر ضروري يجب أن نعلمه للأجيال الجديدة، وبصفة خاصة عن طريق القدوة وليس عن طريق التلقين، فالواقع المؤلم أنه كثيرا ما تحدث مشادات عنيفة تخرج عن نطاق الموضوعية وربما يتطور الأمر إلى شجار وتماسك بالأيدي بين الأطراف المختلفة في الرأي، لأن كل جانب فرض رأيه بشتى السبل، ولا يقتصر ذلك على المستويات الدنيا في المجتمع بل ينسحب على شريحة لا يستهان بها بين المشتغلين بالفكر وبالثقافة بصفة عامة، حيث يصل الأمر في أحيان كثيرة إلى حد الخروج عن مناقشة الفكر بالفكر إلى الشتائم والتجريح الشخصي الذي لا صلة له بالنقاش الموضوعي، وإن دل هذا الخروج عن الموضوعية على شيء فإنما يدل على ضحالة في الفكر وقصور في الحجة وفقر في المنطق.


وهذا الخروج عن الموضوعية في الحوار على هذا النحو أمر لا يليق بالإنسان الذي كرمه الله، وفضله على بقية الكائنات، وميزه بالعقل وجعله خليفة في الأرض ليعمرها بالخير ويملأها بالعلم وينشر فيها الحق والعدل والأمن والسلام.


ولا جدال في أن الحوار أصبح في عصرنا الحاضر أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، بل أصبح ضرورة من ضرورات العصر ليس فقط على مستوى الأفراد والجماعات، وإنما على مستوى العلاقات بين الأمم والشعوب المختلفة.


وإذا كانت بعض الدول لا تزال تفضل شريعة الغاب بدلا من اللجوء إلى الحوار فإن على المجتمع الدولي أن يصحح الأوضاع، ويعيد مثل هذه الدول الخارجة على القيم الإنسانية والحضارية إلى صوابها حتى تنصاع إلى الأسلوب الحضاري في التعامل وهو الحوار، فليس هناك من سبيل إلى حل المشكلات وتجنب النزاعات إلا من خلال الحوار.


ومن منطلق الأهمية البالغة للتعارف بين الأمم والشعوب والحضارات والأديان على الرغم من الاختلافات في ما بينها، كانت دعوة الإسلام إلى الحوار بين الأديان، وذلك لما للأديان من تأثير عميق في النفوس، ويعد الإسلام أول دين يوجه هذه الدعوة واضحة صريحة في قوله تعالى: “قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون”.


أما الحكم على الآخرين الذين يشاركوننا في الإنسانية فيجدر بنا أن نتركه لله جل شأنه، وخير لنا بدلا من ذلك أن نجتهد في أن نسلك حيالهم مسلكا عادلا متسامحا ماداموا لم يسيئوا إلينا، فالدين لا يحفل إلا بالأعمال التي نتحمل نحن مسؤوليتها.
ولهذا يقول القرآن الكريم في موضع آخر: “وأمرت لأعدل بينكم. الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم. الله يجمع بيننا وإليه المصير”.
[/glow]