مدونة نظام اون لاين

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 5 من 11

الموضوع: كيف نبدد همومنا ؟

  1. #1
    ... عضو جديد ...


    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    المشاركات
    20
    معدل تقييم المستوى
    0

    Messenger3 كيف نبدد همومنا ؟

    كيف نبدد همومنا ؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:

    تضيق الأمور بالإنسان، وتكاد تأخذ بخناقه؛ مما يجعلُ الصدرَ منه ضيقاً حرجاً كأنما يصَّعَّد في السماء، فتتغير عليه الأرض برحابها، وتتبدل في عينيه، وهنا تستبد به المشاعر، وتنداح في هامته الخواطر، وتتقاذفه حينذاك أمواج من الحيرة، فلا تسل حينها عن ضعفه، وقلة حيلته، وهوانه حتى على نفسه التي بين جنبيه . وبينا هو يفكِّر ويقدِّر ويبدئ ويعيد، يلحظ أن الثقة بدأت تتسرب من نفسه مرتحلة؛ لتجعله بعد ذلك خاوي الوفاض من كل أمر راشد.

    كل ذلك يحدث في بواكير المحن والهموم التي تصيب الإنسان، وهي تعظم وتأخذ بُعداً مبالغاً فيه بسببٍ من حضور الشيطان لتفاعلاتها، لينفخ فيها من روحه، ويجعل منها سبيلاً لزحزحة الإنسان عن مسلماته وإيمانه الراسخ بمقدور الله سبحانه وتعالى، حقق وعده بإغواء الآدمي، وإيراده حمأة الكفر التي هي بسبب من اليأس والقنوط من روح الله، و(
    لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ
    ) وكم ارتكس في هذا الأمر من إنسان؛ فخسر الدنيا والآخرة .

    إنك لو تفكرت في الهموم والغموم وما يصيب الإنسان من كدر، لوجدت أنها: إما على أمر قد فات وانقضى، وإما على أمر لا زال في علم الغيب لا يُدْرَى ما الله فاعل فيه، ولن تجني من ذلك إلا الحُزن والخوف، وسترى عندما ينكشف الرَّهَجُ أنك قد بوأت نفسك منازل من لا خلاق له ولا عقل.

    فما قد مضى لا يعيد إليك الحُزن شيئًا من فائِتِه، ولو أسبلتَ عليه ماء الشؤون، وأَتْبَعتَ النفس حسراتٍ عليه، وما هو آتٍ من الهموم والأكدار لن تدفعه تلك الزفرات والأنات، وقد ثبت في عرف الحكماء أن جُلَّ ما يتخوف منه الإنسان لا يقع، وإن وقع فالخطب منه لا خطر له.

    فما يفعله الإنسان من حزن وخوف، لا يعدو أن يكون عبثًا منافيًا للحكمة، لأنك قد أنزلت حزنك وخوفك في غير مواضعه؛ حيث لا جدوى. ووَضْعُ الشيء في غير مواضعه منافٍ للحكمة، كما أن الحكمة أن تضع الشيء موضعه اللائق ، وذلك من توفيق الله للعبد، ولله در الشاعر عندما قال:

    ووضع الندى في موضع السيفِ بالعُلَا

    مُضِرٌّ، كوضع السيف في موضع الندى



    وعندما تضرب الهموم والأحزان بأطنابها وتَنصِب رُوَاقها، تقذف في الرُّوع أن المصاب هو المصاب، وأن ما أصابك لم يُصَبْ أحد بمثله، ولو تفكرت وأبصرتَ لرأيت أنه ما من إنسان إلا وله نصيبه من الهم والحزن، وهو لا ريب لاحِقٌ به، لا فرق في ذلك بين غني أو فقير، أو ملكٍ أو حقير؛ لأنهم من أبناء الدنيا، وسنن الدنيا ماضيةٌ فيهم، ولازمة لهم، وآخذةٌ بحُجَزِهِم، ولن يكونوا عنها بمحيص، كما لم يكن لأسلافهم ذلك، وسنن الدنيا الأقذاء والأكدارُ:

    جُبِلَتْ على كَدَرٍ وأنتَ تُرِيدُهَا

    صَفْوًا من الأَقْذَاء والأكدارِ؟!

    ومُكَلِّـفُ الأيامِ ضِـَّد طِبَاعِهَا

    مُتَطَلِّــبٌ في الماءِ جَـذْوَةَ نَارِ!



    حتى خِيرةُ الله من خلقه لم يكونوا خِلوًا من محن الدنيا ومواطن الأحزان، فكم عانى الأنبياء والمرسلون من لَأْوَاء الدنيا، وكم تكبدوا من غُصَصِهَا، حتى إنهم في ذلك على الضِّعْفِ منك ألمًا وكدرًا؛ لتُضَاعف لهم الحسنات، كما ضُوعِفت لهم المنغصات، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "
    أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ
    ".

    وهؤلاء الرهط الكريم من عِبَادِ الله، وإن ابتلوا بما ابتلوا به، إلا أن مرارة البلاء أضحتْ حلاوةً تستعذبها أفواههم؛ لأنهم خلطوا تلك المرارة بحلاوة الإيمان والتسليم والرضا، فغلبتْ حلاوة الرضا مرارةَ الشقاء، فكانوا في لذة لا يُدْرَكُ كنهها، ولا يُبلغ شأوها؛ لذا لا يبالون بأيٍّ من أفراح الدنيا أو أحزانها أُصِيبوا.

    ربما استبد بك العَجَبُ وأخذ منك كل مأخذ: كيف بَلَغَتْ هذه النفوس المطمئنة تلك المنازل! وكيف بوأت نفسَها تلك المكانة الرفيعة من الرضا؟ لا ريبَ أنَّ السبيلَ إلى ذلك التسليمُ لأقدار الله، ومَنْ مَشَى مع القدر استراح؛ لأنهم أصبحوا على يقينٍ أن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم ، وما أخطأهم لم يكن ليصبيهم.

    وما أُصِيبَ من أصيب في دينه قَبْلَ دنياه إلا لغياب ذلك المفهوم عنهم، وأولئك الرهط وإنْ جَعَلُوا من القدر تُكَأةً للتسليم، إلا أنه تسليم إيجابي؛ لذا نراهم يحاولون دفع المقدور بالقدر نفسه، بفعل الأسباب التي تخفف عنهم وطأة ذلك المقدور، ويجلبون لتلك الأسباب ما يبعث فيها البركة من: دعوة صادقة، ومقولة مأثورة

    وكم للدعاء من أثر على مقدور الله! فربما ارتفع الدعاء ونزل القدر، فرفع الدعاءُ القدرَ فمنع وقوعه، وربما كانا في منزلة واحدة من القوة، فحينها يعتلجان إلى قيام الأشهاد، فلا القدر ينزل، ولا الدعاءُ يرفعه، وربما كان الدعاء من الضعف بمنزلةٍ فينزل القدر، ولكن يبقى للدعاء أثره في تخفيف المقدور وإلطافه، وهنا ندرك خطأ من يقول: اللهم إنا لا نسألك رد القدر، ولكنا نسألك اللطف فيه. بل القدر يُرَدُّ، ويُرَدُّ بالدعاء الصالح، وكم من الأقدار رُدت بدعاء الصالحين، وربكم لطيف كريم سبحانه!

    فيا من أصيب بالهم والحُزْن عليك بالدعاء، ادع الله موقنًا بالإجابة، وسترى من صنيع الله ولطفه ما يطيش له لُبُّكَ وفؤادك، عليك بالدعاء فأكثر منه، والحق سبحانه وتعالى أكثرُ بكرمه وجوده ولطفه بعباده.

    ولا يفوتنك وأنت تدعو بتفريج همك وتنفيس كربك أن تقول: ""
    اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أَمَتِك، ناصِيَتِي بيدك، ماضٍ فِيَ حكمك، عدل فِيّ قضاؤك، أسألك بكل اسمٍ هو لك، سَمَّيْتَ به نفسك، أو أنزلْتَهُ في كتابك، أو عَلَّمْتَهُ أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن رَبِيعَ قلبي، ونُور صدري، وجِلَاء حزني وذَهَاب همي " . فما من عبد يقول ذلك إلَّا أذهب الله حزنه وهَمَّه، وأبدله مكانه فرحًا
    .

    وفى ‏(‏الترمذىِّ‏)‏ عن سعد بن أبى وَقَّاص ، قال ‏:‏ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(
    ‏دعوةُ ذى النُّون إذْ دَعَا رَبَّهُ وهو في بَطْنِ الحُوتِ ‏:‏ ‏{‏لاَ إلهَ إلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ لَمْ يَدْعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شىءٍ قَطُّ إلا اسْتُجِيبَ له‏
    )‏ ‏.‏

    وفى ‏(‏سنن أبى داود‏)‏ ، عن أبى بكر الصِّدِّيق ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ ‏(‏دَعَواتُ المكروبِ ‏:‏ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أرجُو ، فَلا تَكِلْنِى إلى نَفْسى طَرْفَةَ عَيْنٍ ، وأصْلِحْ لى شَأنى كُلَّهُ ، لا إله إلا أنْتَ‏
    )‏ ‏.‏

    وفيها أيضاً عن أسماء بنت عُمَيس قالت ‏:‏ قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(
    ‏ألا أُعلِّمُكِ كلماتٍ تقوليهِنَّ عِنْدَ الكَرْبِ أو في الكَرْبِ‏:‏ (‏اللهُ رَبِّى لا أُشْرِكُ به شيئاً‏)‏
    ‏.‏ وفى رواية أنها تُقال سبعَ مرات.

    وفى ‏(‏المسند‏)‏ ‏:‏
    أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا حَزَبَه أمرٌ فَزِعَ إلى الصَّلاة وقد قال تعالى ‏:‏ ‏{‏وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالْصَّلاَة‏
    }‏

    وفى ‏(‏السنن‏)‏ ‏:‏ ‏(‏عَلَيْكُم بالجِهَادِ ، فإنَّه بابٌ مِن أبوابِ الجَنَّةِ ، يدفعُ اللهُ به عن النُّفُوسِ الهَمَّ والغَمَّ‏
    )‏ ‏.‏

    قال تعالى ‏:‏ ‏{‏وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 155‏]‏ ‏.‏ وفي ‏(‏المسند‏)‏ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏:‏ ‏(‏ما من أَحَدٍ تصيبُه مصِيبَةٌ فيقولُ ‏:‏ إنَّا لله وإنَّا إليه رَاجِعُونَ ، اللهم أجرنِي في مُصيبَتى وأخلفْ لي خيراً منهَا ، إلا أجاَرَه الله في مصِيبَتِهِ ، وأخلفَ لهُ خَيراً منها‏
    )‏‏.‏


    وهذه الكلمة من أبلغ علاج المصاب ، وأنفعه له في عاجلته وآجلته ، فأنها تتضمن أصلين عظيمين إذا تحقق العبد بمعرفتهما تسلى عن مصيبته‏.‏

    أحدهما ‏:‏
    أن العبد وأهله وماله ملك لله عز وجل حقيقة ، وقد جعله عند العبد عارية ، فإذا أخذه منه ، فهو كالمعير يأخذ متاعه من المستعير ، وأيضا فإنه محفوف بِعَدَمينِ ‏:‏ عدم قبله ، وعدم بعده ، وملك العبد له متعة معارة في زمن يسير ، وأيضا فإنه ليس الذي أوجده من عدمه، حتى يكون ملكه حقيقةً، ولا هو الذي يحفظه من الآفات بعد وجوده ، ولا يبقى عليه وجوده ، فليس له فيه تأثير ، ولا ملك حقيقي ، وأيضا فإنه متصرف فيه بالأمر تصرف العبد المأمور المنهي ، لا تصرف الملاك ، ولهذا لا يباح له من التصرفات فيه إلا ما وافق أمر مالكه الحقيقي
    ‏.‏

    والثاني ‏:‏
    أن مصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق ، ولا بد أن يخلف الدنيا وراء ظهره ، ويجيء ربه فرداً كما خلقه أول مرة بلا أهل ولا مال ولاعشيرة ، ولكن بالحسنات والسيئات ، فإذا كانت هذه بداية العبد وما خُوِّله ونهايته ، فكيف يفرح بموجود ، أو يأسى على مفقود ، ففكره في مبدئه ومعاده من أعظم علاج هذا الداء ، ومن علاجه أن يعلم علم اليقين أنَّ ما أصابه لم يكن ليُخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليُصيبه ‏.‏ قال تعالى ‏:‏ ‏{‏مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ في الأَرْضِ وَلاَ في أَنْفُسِكُمْ إلاَّ في كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ‏
    }‏ ‏[‏الحديد ‏:‏ 22‏]‏‏.‏

    ومن علاجه
    أن ينظر إلى ما أُصيبَ به ، فيجد ربه قد أبقى عليه مثله ، أو أفضل منه ، وادَّخر له إن صبرَ ورضِىَ ما هو أعظمُ من فوات تِلك المصيبةِ بأضعافٍ مُضاعفة ، وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي
    ‏.‏

    ومن عِلاجه
    أن يُطفئَ نارَ مصيبته ببرد التأسِّى بأهل المصائب ، وليعلم أنه في كل وادٍ بنو سعد ، ولينظر يَمْنةً ، فهل يرى إلا مِحنةً ‏؟‏ ثم ليعطف يَسْرةً ، فهل يرى إلا حسرةً ‏؟‏ ، وأنه لو فتَّش العالَم لم ير فيهم إلا مبتلىً ، إما بفوات محبوب ، أو حصول مكروه ، وأنَّ شرورَ الدنيا أحلامُ نوم أو كظلٍّ زائلٍ ، إن أضحكتْ قليلاً ، أبكتْ كثيراً ، وإن سَرَّتْ يوماً ، ساءتْ دهراً ، وإن مَتَّعتْ قليلاً ، منعت طويلاً ، وما ملأت داراً خيرةً إلا ملأتها عَبْرة ، ولا سرَّته بيومِ سرور إلا خبأتْ له يومَ شرور
    ‏.‏

    ومِن عِلاجها ‏:‏
    أن يعلم أنَّ فوت ثواب الصبر والتسليم ، وهو الصلاةُ والرحمة والهداية التي ضمِنَها الله على الصبر والاسترجاع ، أعظمُ مِن المصيبة في الحقيقة
    ‏.‏

    ومِن عِلاجها ‏:‏
    أن يعلم أنَّ الجَزَعَ يُشمت عدوه ، ويسوء صديقه ، ويُغضب ربه ، ويَسرُّ شيطانه ، ويُحبط أجره ، ويُضعف نفسه ، وإذا صبرَ واحتسب أنضى شيطانه ، وردَّه خاسئاً ، وأرضى ربه ، وسرَّ صديقه ، وساء عدوه ، وحمل عن إخوانه ، وعزَّاهم هو قبل أن يُعَزُّوه ، فهذا هو الثباتُ والكمال الأعظم ، لا لطمُ الخدودِ ، وشقُّ الجيوب ، والدعاءُ بالوَيْل والثُّبور ، والسخَطُ على المقدور
    ‏.‏

    ومِن عِلاجها ‏:‏ أن يعلم أنَّ ما يُعقبه الصبرُ والاحتساب من اللَّذة والمسرَّة أضعافُ ما كان يحصُل له ببقاء ما أُصيبَ به لو بقى عليه ، ويكفيه من ذلك بيتُ الحمد الذي يُبنى له في الجنَّة على حمده لربه واسترجاعه ، فلينظرْ ‏:‏ أىُّ المصيبتين أعظمُ ‏؟‏ مصيبةُ العاجلة ، أو مصيبةُ فواتِ بيتِ الحمد في جنَّة الخلد ‏؟‏

    ومن عِلاجها ‏:‏ أن يعلم أنَّ حظه من المصيبة ما تُحدثه له ، فمن رضى ، فله الرِّضى ، ومن سخِط ، فله السَّخَط ، فحظُّك منها ما أحدثته لك ، فاختر خيرَ الحظوظ أو شرَّها ، فإن أحدثت له سخطاً وكفراً ، كُتِب في ديوان الهالكين ، وإن أحدثت له جزعاً وتفريطاً في ترك واجب ، أو في فعل مُحَرَّم ، كُتِبَ في ديوان المفرِّطين ، وإن أحدثتْ له شكايةً وعدم صبرٍ ، كُتِبَ في ديوان المغبونين ، وإن أحدثتْ له اعتراضاً على الله ، وقدحاً في حكمته ، فقد قرع باب الزندقة أو ولَجه ، وإن أحدثت له صبراً وثباتاً لله ، كُتِبَ في ديوان الصابرين ، وإن أحدثت له الرِّضى عن الله ، كُتِبَ في ديوان الراضين ، وإن أحدثت له الحمدَ والشكرَ ، كُتِبَ في ديوان الشاكرين ، وكان تحتَ لواء الحمد مع الحمَّادين ، وإن أحدثت له محبةً واشتياقاً إلى لقاء ربه ، كُتِبَ في ديوان المُحبِّين المخلصين
    ‏.‏

    وفى ‏(‏مسند الإمام أحمد‏)‏ والترمذىِّ ، من حديثِ محمود بن لبيد يرفعه ‏:‏ ‏(‏إنَّ اللهَ إذا أحبَّ قوماً ابتلاهُم ، فمَن رَضِىَ فَلَهُ الرِّضى ، ومَن سَخِط فَلَهُ السُّخْطُ‏)‏ ‏.‏ زاد أحمد ‏:‏ ‏(‏ومَن جَزِع فَلَهُ الجَزَعُ
    ‏)‏ ‏.‏

    ومِن عِلاجها ‏:‏
    أن يعلم أنه وإن بلغ في الجَزَع غايتَه ، فآخِرُ أمره إلى صبر الاضطرار ، وهو غيرُ محمود ولا مُثاب ، قال بعض الحكماء ‏:‏ العاقلُ يفعل في أوَّل يوم من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام ، ومَن لم يصبْر صَبْرَ الكِرَام ، سلا سُلُوَّ البهائم

    وفى ‏(‏الصحيح‏)‏ مرفوعاً ‏:‏ ‏(‏الصَّبْرُ عند الصَّدْمَةِ الأُولى‏
    )‏ ‏.‏

    ومِن عِلاجها ‏:‏
    أن يعلم أنَّ الذي ابتلاه بها أحكمُ الحاكمين ، وأرحمُ الراحمين ، وأنه سبحانه لم يُرسل إليه البلاءَ ليُهلكه به ، ولا ليُعذبه به ، ولا ليَجْتاحَه ، وإنما افتقده به ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه ، وليسمع تضرُّعه وابتهالَه ، وليراه طريحاً ببابه ، لائذاً بجنابه ، مكسورَ القلب بين يديه ، رافعاً قصصَ الشكوى إليه
    ‏.‏

    ومِن عِلاجها ‏:‏
    أن يعلم أنه لولا مِحَنُ الدنيا ومصائبُها ، لأصاب العبدَ مِن أدْواء الكِبْرِ والعُجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سببُ هلاكه عاجلاً وآجلاً ، فمن رحمةِ أرحم الراحمين أن يتفقَّده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب ، تكون حِمية له من هذه الأدواء ، وحِفظاً لصحة عُبوديتهِ ، واستفراغاً للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه ، فسبحانَ مَن يرحمُ ببلائه ، ويبتلى
    بنعمائه كما قيل‏:‏

    قَدْ يُنْعِمُ اللهُ بِالْبَلْوَى وَإنْ عَظُمَتْ وَيَبْتَلِى اللهُ بعْضَ الْقَـوْمِ بِالنِّعَمِ

    فلولا أنه سبحانه يداوى عباده بأدوية المحن والابتلاء ، لطَغَوا ، وبَغَوْا ، وعَتَوْا ، واللهُ سبحانه إذا أراد بعبد خيراً سقاه دواءً من الابتلاء والامتحان على قدر حاله يستفرِغُ به من الأدواء المهلكة ، حتى إذا هذَّبه ونقَّاه وصفَّاه ، أهَّلَه لأشرفِ مراتب الدنيا ، وهى عبوديتُه ، وأرفع ثواب الآخرة ، وهو رؤيتُه وقُربه ومِن عِلاجها ‏:‏ أن يعلم أنَّ مرارةَ الدنيا هي بعينها حلاوةُ الآخرة ، يَقلِبُها الله سبحانه كذلك ، وحلاوة الدنيا بعينها مرارةُ الآخرة ، ولأَنْ ينتقل مِن مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة خيرٌ له من عكس ذلك ‏.‏ فإن خَفِىَ عليك هذا ، فانظر إلى قول الصادق المصدوق ‏:‏ ‏(‏حُفَّتِ الجَنَّةُ بالمَكَارهِ ، وحُفَّتِ النَّارُ بالشَّهَواتِ‏)‏

    وفى هذا المقام تفاوتت عقولُ الخلائق ، وظهرت حقائقُ الرجال ، فأكثرُهم آثرَ الحلاوةَ المنقطعة على الحلاوة الدائمة التي لا تزول ، ولم يحتمل مرارةَ ساعةٍ لِحلاوة الأبد ، ولا ذُلَّ ساعةٍ لِعزِّ الأبد ، ولا مِحنةَ ساعةٍ لعافيةِ الأبد ، فإنَّ الحاضر عنده شهادةٌ ، والمنتظر غيبٌ ، والإيمان ضعيفٌ ، وسلطانُ الشهوة حاكم ، فتوَلَّد من ذلك إيثارُ العاجلة ، ورفضُ الآخرة ، وهذا حال النظر الواقع على ظواهر الأُمور ، وأوائلها ومبادئها ، وأما النظر الثاقب الذي يَخرِق حُجُب العاجلة ، ويُجاوزه إلى العواقب والغايات ، فله شأنٌ آخرُ ‏.‏

    فادع نفسك إلى ما أعدَّ الله لأوليائه وأهل طاعته من النعيم المقيم ، والسعادة الأبدية ، والفوز الأكبر ، وما أعدَّ لأهل البطالة والإضاعة من الخزى والعقاب والحسرات الدائمة ، ثم اخترْ أىُّ القسمَيْن أليقُ بك ، وكُلٌ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ، وكُلُّ أحد يصبُو إلى ما يُناسبه ، وما هو الأَوْلَى به ، ولا تستطِلْ هذا العلاج ، فشدةُ الحاجة إليه من الطبيب والعليل دعت إلى بسطه .

    ولو تخيرتَ لدعواتك تلك الأزمانَ الفاضلةَ:
    كثلث الليل الآخر، وما بين الأذان والإقامة من كل صلاة، أو الساعةَ الأخيرة من يوم الجمعة. . فلا ريبَ أنك لُقِّيتَ الخير من أقطاره، ولو جعلتَ بين تلك الدعوات الطيبات شيئًا من النوافل، أو شيئًا من الصدقات، فقَمِنٌ أنْ يُسْتَجَابَ لك، لِتَرِدَ بسببٍ من ذلك حياضَ الأمن واليُمْنِ والراحة والاستقرار، والله لطيف بعبادة
    .

    وحين يستفرغ الإنسان جَهْدَهُ دعاءً لربه، ولياذاً بجانبه، صادقاً موقناً بالإجابة، لا ريب أنه ينتظر الفرج وموعودَ الله بإجابةِ دعاء مَنْ دعاه ، ولا ريب أن انتظار الفرج عبادةٌ من العبادات؛ لأن العبد إذ ذاك في قُرْبٍ من مولاه، وعلى تَعَلُّقٍ بجنابه في ذلة وافتقار، وهذه –ورَبِّي- منزلةٌ قل أن يصل إليها العباد، ولو لم تكن تلك البلية التي أحاطت بك لما ذقت لها طعمًا ، ولربما خرجتَ من الدنيا ولم تنل منها حظك، فانظر كيف أتتْ هذه المحنة بتلك المنحة، وكم لله من محنة فيها للعبد منحة! (
    وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). فلا تكرهَنّ من أمر الله شيئًا أيها العبد، فكن لله، وكن مع الله، ولتكن إلى الله في سائر أحوالك، ولا ريب أنّ من كان على هذا الهَدْيِ سعد في الدنيا والآخرة، وإنك عندما تنظر في الأمم التي تنكبت هدي ربها رأيت فيها من آثار الهموم والأحزان ما يَجِلُّ عن الوصف، حتى بلغ من يتخلصون من الحياة بسببه مئات الآلاف سنويًّا.

  2. #2
    كبآآر الشخصيآت

    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    الدولة
    بين نفسي وبيني ..
    المشاركات
    7,735
    معدل تقييم المستوى
    9

    افتراضي رد: كيف نبدد همومنا ؟

    .



    بالرجوع إلى الله والبعـد عن المعاصي

    حتمـاً ستبدد تلك الهموم


    /

    جوزيت خيـراً

  3. #3
    مشرفة سابقه

    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    الدولة
    بينـ جنونـ الطفولهـ
    المشاركات
    2,635
    معدل تقييم المستوى
    3

    افتراضي رد: كيف نبدد همومنا ؟

    الله يجزاك الجنه يارب

    والله يبعد عنا الهموم بذكره والتمسك بطاعاته

    لاحرمك الله الاجر

  4. #4
    مشرف سابق

    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    الدولة
    حــلم رومنسـيه
    المشاركات
    5,830
    معدل تقييم المستوى
    6

    افتراضي رد: كيف نبدد همومنا ؟

    بالتقرب الى الله وطاعته حتما سوف تبعد عنا الهموم

    جزاك الله خيرا..

  5. #5
    ... V I P...


    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    المشاركات
    2,499
    معدل تقييم المستوى
    3

    افتراضي رد: كيف نبدد همومنا ؟

    اخوي فااارس الشرررررق
    الشكر الجزيل لروحك وطرحك الطيب ,,
    ولكل امر بديل يحمل الخير لنا ..
    ونسأل الله ان يهدينا ويهدي قلوبنا لطاعته ويبعدها عن معصيته ..
    جزاك الله خيراً على ماقدمت وبوركتِ اينما حللتِ ..
    تحيتي وتقديري لك ..

المواضيع المتشابهه

  1. عروس تشترط حضور الشلهوب وتحد خاص على الإفطار
    بواسطة طــيَف هَاجـسـي في المنتدى الأخبار
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 10-12-2010, 09:30 PM
  2. مشكلة وبدي حلها؟؟
    بواسطة qlllo في المنتدى الارشيف
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 30-08-2007, 05:09 PM
  3. كلمة سلام كثرها ودي تروح وتجي حتى تكررها
    بواسطة حبيبتي حطمتني في المنتدى الارشيف
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 22-07-2007, 01:50 PM
  4. هااااااااااااي انا عضوه جديده وبدي ترحيب
    بواسطة المشاغبه في المنتدى الارشيف
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 25-03-2007, 02:16 PM
  5. ناح الحمام وبيح السد مكتوم
    بواسطة ذرب المعاني في المنتدى قصائد وخواطر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-02-2006, 11:19 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •