http://www.alriyadh.com/2010/09/14/article559541.html

حول العالم

سفينة الملك جوستاف

فهد عامر الأحمدي
قبل سنوات زارنا في المدينة مجموعة من الشباب السويدي ضمن جولة ثقافية شملت مجموعة من المدن والبلدات الأثرية في السعودية.. وكأنه لم يكف إسكانهم خارج حدود المدينة حتى تم الاحتفال بهم من قبل أشخاص لا يجيدون اللغة الانجليزية - ولا حتى أي لغة أجنبية قريبة - . وهكذا قضوا وقتهم شبه منعزلين في فندق الشيراتون ولم ألتق بهم شخصيا إلا أثناء الحفل الذي نظمته إمارة المدينة للترحيب بهم.. ولكسر حاجز الصمت اقتربت من رئيس المجموعة وكان شابا رائعا بالفعل وقلت له بلا مقدمات: هل تعلم أنني كنت في السويد قبل عامين لرؤية سفينة نوح.. تفاجأ في البداية ثم استوعب النكتة فضحك وقال: أنت تمزح، لعلك تقصد الفازا .. ابتسمت بدوري وقلت: نعم، ولكنني شعرت حين رأيتها أنني أشاهد سفينة نوح...!!
والفازا أيها السادة سفينة قديمة ضخمة بنى حولها السويدون متحفا حديثا.. وحين رأيتها شخصيا تملكتني الدهشة من ضخامتها وارتفاعها وكمية الأخشاب التي كرست لبنائها .. فقد بلغ ارتفاعها خمسة ادوار وطولها 100 متر وشعرت امامها أنني حبة أرز قرب كيس ممتلئ.. لم تكن بالطبع سفينة نوح ولكنني كدت اصدق الكذبة التي اخترعتها بنفسي!!
وتعود القصة الى عام 1628 حين أمر الملك جوستاف ادولفس ببناء اضخم سفينة حربية في العالم لحسم حروبه العديدة مع بولندا والدنمرك ، ووضع بنفسه ابعادها الهندسية.. غير ان الضغط الذي وضعه على المهندسين والقياسات الخاطئة التي وضعها وأصر عليها جعلت السفينة تعاني من عيوب خطيرة في التوازن . وتحت متابعته الشخصية انتهت الفازا في وقت قياسي ونزلت الى البحر امام حشد كبير من العائلات المالكة والسفراء الاجانب . الا ان السفينة الضخمة غرقت بطريقة مخجلة بعد عشرين دقيقة فقط من إبحارها وعلى بعد 400 متر من ميناء ستوكهولم !
ولم تقتصر الكارثة على الخسائر المادية فقط ، بل وعلى آلاف البحارة والعمال والاطفال الذين غرقوا معها ؛ فقد أراد الملك تكريم العمال والمهندسين وضباط البحرية فسمح لهم بجلب عائلاتهم لركوب الفازا في أول رحلة لها .. ولكن صدمته كانت كبيرة حين شاهد من بنى السفينة يغرق معها بعائلته بلا حول منه ولا قوة..
وتذكر الروايات ان الحادثة اثرت بعمق على الملك جوستاف فاصبح اكثر تدينا وجنح للسلم بقية حياته. ونتيجة لشعوره بالذنب اقفل التحقيق حول غرق السفينة وطلب من الشعب السويدي الغفران !!
ومن يومها غدت الفازا حالة فريدة بين سفن كثيرة غرقت في البحر ؛ فهي مثلا سفينة جديدة بالكامل ولم تدمر في معركة او تغرق باصطدام . كما كان موقعها معروفا وقريبا، والأهم من هذا أنها كانت اضخم سفينة تبنى في القرن السابع عشر وتعبر بصدق عن مهارات كثيرة اختفت حاليا !
وظل انتشال الفازا حلما يراود كل ملوك السويد . غير ان ضعف الامكانات وضخامة السفينة حالا دون تحقيق هذا الحلم حتى عام 1961 . فبعد قضاء 333 عاما تحت البحر تم انتشالها في اضخم عملية من نوعها في العالم . واثناء ذلك عمل السويديون في مكان آخر على بناء متحف خاص سمي على اسمها VASA .. واليوم يعد متحف الفازا اكثر المتاحف جذبا للسياح في كامل اسكندنافيا . ويقدر ان 22 مليون سائح زاره منذ افتتاحه قدموا لخزينة الدولة اضعاف اضعاف تكلفة السفينة وقت بنائها !!
... يقول البعض إن صراخ الأطفال والنساء مايزال يسمع داخلها خلال الليل !!