_
ورحلتِ إذاً ، ولم يبق منكِ أيّ قطعة تطمئننا بعودة أخرى ! كتلكَ التي تظهر في مسرحيات ذات بعد خيالي ! ولا توجد ثمّة رائحة تذكّرنا بك ، ولا حتى ظلّ صورة يبشَّرنا () !
ولا أيُّ من حقائب السفر الواقفة طويلاً
ليتكِ تركتِ لنا بعضَ صوتك ليهدئ من روعنا ، أو نظرتك الحانية لتخفف من وطأة العذاب على قلوبنا ، قلوبنا التي باتت مهجورة ، لا يسكنها أحدا يا عمه ، لا أحد
_
سمعت من أحدهم بأن الموت لا يجرئ إلا على الأقوياء ، وعندما سألت عنهم ، قالوا الأكثر إيمانا ، !
كأني أخالكِ وثمة ملائكة تحف سريرك الأبيض ، عندما أتيت لزيارتك في أول مره ، وأظنها كانت الأخيرة أيضا ، كنت قد توقعت أشكال المرض جميعها ، ووضعت في مخيلتي صورتك بأسوء حالة ، ! لكنها للأسف لم تتطابق مع ما رأيته ، البتة !
هل رأى أحدكم قويا يتوسد الضعف ؟ هكذا تنبأت عندما حثتها ابنه عمتي على الحديث " يمه إذا تسمعينهم إضغطي على يدي "
و في شعرها الممتلئ شيباً ، وعروق يداها الخضراء والزرقاء ، ونظرة عينيها التائهة !
وجسدها النحيل الذي لا حول له ولا قوة ، قبلت رأسها ويداها ، ثم سقطت دمعة على أطراف وجهها الطاهر ، وجهها الذي لم يبقى منه حتى التجاعيد
هل ضقت ذرعاً يا موت حتى أخذتها ؟ أم أنه الموعد السرمدي مع الجنة
تلك التي طالما دعت " يا الله الجنة "
ألفُ رحمة وصلاة عليك ، ألف رحمة تهبط على قلبكِ الأبيض ، ألف رحمة على جسدك المُمدد وعيناك المغمضتينِ أبداً ، ألف رحمة وصلاة عليكِ ، وعلى روحك الراحلة ، بعيداً
_ عندما تسافر أمي ، كنتِ تأتين إلينا ، كما تفعل بنا تلك الزيارات الدافئة ، تلقين في قلوبنا الحنان وترحلين ؟
لازلت أذكر اجتماعنا في " الدكه " والحكايات القديمة وحناء يديك ، وبخورك العتيق ،
ورائحة قهوتك المميز ، عندما أخبرتكِ سراً أني لا أعرف إعدادها ، حتى وبختني عليها بعد أن أجبرتني في الصباح على تغيير لبسي القصير ، الذي يزعجك يا عمة
كنتِ بكامل صحتك ، تلك التي لا يملكها إلا الأقوياء ، الأقوياء على كُلّ شيء ، إلا الموت !
_ وغادرتِ إذاً ، ليتكِ تركتِ لنا عنوانكِ على غيمة ، ربما قد نلتقي في أحدِ الأحلام القادمة !
أشعر بضجر كبير عمتي + !
= ) سارة " !
مواقع النشر (المفضلة)