المرأة في الثورة







في زمن الحرب، الحقيقة ثمينة لدرجة أنها يجب أن تكون دائماً: محاطة بحراسة قوية من الأكاذيب

“تشرشل”

اثنان يصنعان الحياة: رجل وامرأة .

مهمة الرجل أن يحافظ على الجنس البشري، المرأة تحافظ على النوع . المرأة هي الأفضل بين متساويين .

في ثورتي تونس ومصر وانتفاضات ليبيا واليمن وأماكن أخرى ظهرت كثافة مشاركة المرأة في المظاهرات والاعتصامات والوجود في الساحات العامة، مسلمة ومسيحية، محجبة وسافرة، وقبل تحقيق النصر، يكال المديح العالي لهذه النبتة الأصيلة، وبعد النصر يقال لها عادة: شكراً لك، عودي إلى مملكتك: المطبخ، وفي مرحلة الحصاد فإن وجودها هامشي في القيادات والوزارة والبرلمان ولجان الدستور، حيث ينطبق عليها المثل الشعبي: “في احزانكم مدعوة وفي أفراحكم منسية” .

حقاً إن قيادة الثورات أخطر من أن يترك أمرها للرجال فقط، المرأة في الثورة حالة نسائية دائمة، الثورة بالمرأة حالة ذكورية مؤقتة، وهذا الجحود هو صفة المجتمعات الذكورية .

في عالم الحيوان، الذكر أجمل من الانثى، فالأسد أجمل من اللبؤة والديك أجمل من الدجاجة، والغزال أجمل من الغزالة، والنسر أجمل من أنثاه .

في عالم الإنسان، المرأة أجمل من الرجل، أليست العبرة واضحة، ومع ذلك، إذا ارتكب رجل خطأ، يقال: ما أغباه، أما إذا ارتكبت امرأة خطأ، يقال: ما أغبى النساء .

الحفر في الذاكرة

أظهرت صور ارشيف أجهزة المخابرات في مصر احتجاز النساء والتحرش الجنسي بهن، مخجلة هي قصص التعذيب التي تهان فيها المرأة حيث يجري اغتصابها أمام أعين الزوج أو الأب أو الابن أو الأخ، لكسر صمودهم ودفعهم لاعترافات كاذبة وامتهان كرامتهم الإنسانية .

في البوسنة صرخت فتاة في وجه مندوب الأمم المتحدة: “إذا كنتم غير قادرين على حمايتنا من الاغتصاب فعلى الأقل وزعوا علينا حبوب منع الحمل لتفادي الانجاب من هؤلاء الصرب الأنذال” .

لاجئة فلسطينية في مخيم عين الحلوة صرخت في وجه أحد الأبوات الفاسدين: “من يسرق قرشاً لفلسطين، يسرق فلسطين كلها” .

عندما سقط مخيم تل الزعتر الفلسطيني في بيروت الشرقية على يد اليمين الفاشي وجرى إعدام معظم الرجال والشبان فيه، كان طابور النساء مع أطفالهن وهم يسيرون مشياً على الأقدام باتجاه بيروت الغربية يقطع انياط القلوب، وكانت الأم مع أطفالها الأربعة تحمل على كتفيها ثقل الجبال وتحمل على ضميرها ثقل الحياة وهي تخير من قبل الوحوش البشرية أن تختار واحداً من اولادها ويقتلون الثلاثة الآخرين أمام أعينها . هؤلاء النسوة الثكالى رفضن السكن في شقق تركها أصحابها أثناء الحرب الأهلية، وبكبرياء إنساني رفيع قلن: “لا نسكن في بيوت ليست لنا، اسكنونا في مخيمات شعبنا الفلسطيني” .

أثناء الحرب الأهلية في لبنان، جمع أحد المسؤولين الفلسطينيين مجموعة كبيرة في الشبان وطرح عليهم مسألة حساسة هي وجود حوالي 150 فتاة مغتصبة أثناء سقوط مخيم تل الزعتر، ومن دون تردد تقدم أكثر من 150 شاباً عارضين الزواج الفوري من هؤلاء الفتيات . هدأ المسؤول من اندفاع الشباب قائلا: “عليكم أن تفكروا بهدوء ماذا ستفعل عندما تنتهي الحرب الأهلية وتشير زوجتك إلى شخص وتقول لك: هذا هو من اغتصبني، عندها تقدم ضعف هذا العدد للزواج من الفتيات المغتصبات .

إن عذرية الوطن تداوي كل عذرية مغتصبة .

مَنْ منا لم تطفر الدمعة من عينيه أمام صورة تلك المرأة الفلسطينية العجوز وهي تحتضن جذع شجرة زيتون اقتلعها الغزاة الصهاينة وكأنها تحتضن جثمان ابنها الشهيد . . أرض فلسطين تنبت - عبر تاريخها - ثلاثة شهداء مقاومين: الأطفال والأنبياء والزيتون .

في المراحل الأخيرة لسقوط الأندلس، كانت محاكم التفتيش الإسبانية تجبر العرب - تحت طائلة العقاب الشديد- على احضار الكتب العربية إلى الساحات العامة وتقوم باحراقها أمام شهيق الرجال ونحيب النساء . في تلك الاثناء قامت المرأة العربية بعمل جبار هو تهريب مئات الألوف من الكتب العربية في الأوعية والسلال وتحت صناديق الخضار واخفائها في كهوف الجبال وداخل الآبار المهجورة، ومع جثث الأجداد والآباء في المقابر، وكان هذا العمل هو الذي حفظ تلك الثروة التاريخية من الاندثار .

عندما انتصر تحالف طالبان والمخابرات المركزية الأمريكية على “الالحاد” الروسي في افغانستان، كان البيان الأول لطالبان ثلاثة أوامر: أيها الرجل طوّل لحيتك، وأيتها المرأة إلى المطبخ- أيتها الموسيقا اخرسي .

يشكل اضطهاد المرأة في كل العصور مقياساً لتحرر تلك المجتمعات وتقدمها، هذه المناضلة ليست ناقصة عقل ودين ناقص عقل ودين من ينعتها بذلك .

صدق المثل العربي: “تجوع الحرة ولا تأكل بثديها” .


مقتبس من موقع التحالف الوطني العراقي