::
عندما يقف أحدنا أمام إشارة المرور يأخذه الفضول أحياناً ، والغيرة على الدين غالباً ،
ورأفة وشفقة بأولئك الشباب الذين هم في غفلة معرضون ، وعن الدين غافلون ،
وفي الذنوب غارقون ، وهم يترنمون في سياراتهم حول شريط غنائي ماجن ، يغضب الرحمن ،
ويرضي الشيطان ، ويعجب الكفار أعداء الإسلام ، والعجب كل العجب عندما ترى سيارة تتراقص
بمن فيها ، في حركات بهلوانية عجيبة مستقاة ومرتضعة من بلاد الكفر والضلال ،
ارتضاه شباب الإسلام فأدى بهم للانحلال ، والاضمحلال ، شباب تائهون ، شباب لاهون ،
شباب غافلون ، فيا شباب الأمة ما هذه الغرائب ، وما تلك العجائب ، أين أنتم يا أحفاد خالد بن الوليد
، وصلاح الدين ، هل أنتم في سكرتكم تعمهون ، أم ماذا تفعلون ، إنك ترى أولئك الأحفاد على الأرصفة
يتراقصون وفي الشوارع يلعبون وفي البيوت نائمون ، والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها
للعذاب والاضطهاد يتعرضون ، فسبحان الله أما لشباب الإسلام والعروبة عقولاً بها يفكرون ،
وقلوباً بها عن إخوانهم يسألون ، أم هي الغفلة والسراب البقيعة . عجيب جد عجيب ذلك التيه
والغفلة المهلكة ، عندما ترى سيارة يقودها صاحبها ، ببطء شديد ، وصوت الأغاني يُسمع من بعيد ،
مساكين أولئك الشباب يعصون الله جهرة ، تتمايل رؤوسهم يمنة ويسرة ، نسوا العذاب ،
وغفلوا عن العقاب ، لا خوف من الله ، ولا حياء من عباد الله ، إنَّ نظرات الناس من حولهم نظرات ا
حتقار وازدراء ، ونظرات استهجان وبغضاء .
أيها المسلم : كيف يمن الله عليك بوافر النعم ، وتقابل ذلك بالكفر والنكران ، وهل جزاء الإحسان
إلا الإحسان ، لئن شكرتم لأزدينكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ، قال صلى الله عليه وسلم :
" كل أمتي معافى إلا المجاهرين " [ متفق عليه ] ،
فالله تبارك وتعالى يسترك ، يريد معافاتك ، وأنت تفضح نفسك أما الله وأمام خلق ، تريد عذابك ،
فأولئك ربما حق عليهم العذاب لمجاهرتهم بمعصية الله عياناً بياناً . فيا عجباً من الناس ،
يبكون على من مات جسده ، ولا يبكون على من مات قلبه . فكم هم أحياء الأجساد أموات القلوب اليوم . فللقلب حياة كما أن للجسد حياة ، فكما أن الأطعمة المسمومة تضر بالجسد ،
فكذلك المعاصي تضر بالقلب ، ومن أعظم المعاصي سماع الأغاني ، فهذا شاب كان يسير بسيارته ،
مترنماً حزيناً مرة ، ومنتشياً مشتاقاً مرات ، عند سماعه لشريط غنائي ، ويتمايل نشوة وطرباً ،
ففقد السيطرة على سيارته فانقلبت به عدة مرات ، والتأمت عليه ، واحتضنته بين حديدها ،
ولا زال يردد الأغنية ، فهرع الناس لإنقاذه وإسعافه ، ولكن هيهات هيهات ، فالله تعالى يقول :
" ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون " ،
فحانت الوفاة ، وحضر الأجل ، فأخذوا يلقنونه شهادة التوحيد والنجاة ، ولكن كيف يقولها
وهو لم يعرفها ، كيف ينطق بها ولم يستيقنها قلبه ، لقد كان يردد الأغنية بكل فصاحة ،
أما شهادة التوحيد فقد لجم لسانه عنها ، إنه سوء الخاتمة والعياذ بالله ، فمات وهو يردد الأغنية ،
فإنا لله وإنا إليه راجعون . قال تعالى : " ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعداً "
، وقال تعالى : " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين
ويفعل الله ما يشاء " .
عباد الله : لقد أوصى الله تعالى بالجار ، وأمر بحق الجوار ، فقال تعالى :
" والجار ذي القربى والجار الجنب " ، وكذلك جاء الاهتمام بالجار وأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم
في سنته المطهرة فقال : " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننه أنه سيورثه " [ متفق عليه ] ،
وقال عليه الصلاة والسلام : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره " [ رواه البخاري ] ،
وقال عليه الصلاة والسلام : " والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، قيل من يا رسول الله ؟
قال : الذي لا يأمن جاره بوائقه " [ رواه البخاري ] . فكم من جار يشتكي جاره إلى الله تعالى
من إثر رفع صوت مذياع أو مسجل أو تلفاز بالغناء ، كم من جار رفع يديه إلى السماء شاكياً
مستغيثاً بالله من سوء فعل جاره ، ومستعيذاً بالله من شره وكيده ، وكم من الجيران الذين لا يقدرون
حق الجوار ، فلا ينبعث من منازلهم إلا أصوات العاهرين والعاهرات ، ممن تسموا بالفنانين
والفنانات ، ومن المعلوم أن مثل هذه البيوت مأوىً للجن وسكن للشياطين ، فأين أدب الجوار ،
وأين مراعاة حق الجار ، إن احترام الجار واجب ديني ، إن مراعاة شعور الجار وعدم أذيته
مما يأمر به الدين ، وهو دليل على الأدب وحسن الخلق ، وصحة العقيدة ، وإن مما يقدح في الدين
ما نراه ونشاهده ممن يذهبون للنزهة ومن يقضون إجازاتهم في البراري وحول البحار ،
ثم لا يحلوا لهم ذلك إلا باستماع ما حرم الله كالغناء وأشباهه ، فيؤذون المصطافين إخوانهم
وجيرانهم ، لقد فقدوا الأدب وحسن التربية ، والأدهى من ذلك والأمر ، أن ولي الأمر يرى ويسمع ،
ولا يحرك فيه ذلك ساكناً ، متساهلاً بحق الجار تارة ، ومارقاً من الأدب تارة ، وضعيفاً دينه تارة أخرى .
يا عباد الله : الأغاني محرمة بكتاب الله تعالى ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإجماع علماء
الأمة العاملين . وإليكموها واضحة جلية ، كما تُرى الشمس في رابعة النهار .
أولاً : من الكتاب الكريم :
لقد جاء تحريم الأغاني في كتاب الله تعالى في عدة مواضع ، علمها من علمها وجهلها من جهلها ،
وإليكم الآيات واحدة تتلو الأخرى ، أما الآية الأولى فهي قوله تعالى :
{ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين } ،
ولهو الحديث هو الغناء كما فسره ابن مسعود قال : والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء ، رددها ثلاثاً
[ رواه ابن جرير والحاكم بسند حسن / المنتقى النفيس 302 ] ،
وقال ابن عباس : نزلت في الغناء وأشباهه [ رواه ابن جرير وابن أبي شيبة / المنتقى النفيس 302 ].
والآية الثانية قوله تعالى : { وأنتم سامدون } ، قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما :
سامدون في لغة أهل اليمن لغة حمير هو الغناء [ رواه ابن جرير والبيهقي بسند صحيح / المنتقى
النفيس 302 ]،
يقال : سمد فلان إذا غنى .
والآية الثالثة قوله تعالى : { واستفزز من استطعت منهم بصوتك } ،
قال مجاهد : بصوتك : أي الغناء والمزامير . فالغناء صوت الشيطان ، والقرآن كلام الرحمن ،
فاختر أي الكلامين تريد وتسمع .
والآية الرابعة قوله تعالى : " واجتنبوا قول الزور " قال محمد بن الحنفية : هو الغناء .
والآية الخامسة قوله تعالى : " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية " قال بعض العلماء :
المكاء : التصفيق ، والتصدية : الصفير ، فقد وصف الله أهل الكفر والشرك بتلك الصفات ، التي يجب
على المسلم مخالفتها واجتنابها .
ثانياً : من السنة النبوية :
أما الأدلة على تحريم الأغاني من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فهي كثيرة ، وإليكم
ما وقفت عليه من تلك الأدلة :
قال صلى الله عليه وسلم : " لا تبيعوا القينات ( المغنيات ) ، ولا تشتروهن ، ولا تعلموهن ،
ولا خير في تجارة فيهن ، وثمنهن حرام ، وفي مثل هذا أنزلت هذه الآية :
{ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين }
وقال عليه الصلاة والسلام : " صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة : مزمار عند نعمة ،
ورنة عند مصيبة " [ أخرجه البزار من حديث أنس ورجاله ثقات ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : " إني لم أنه عن البكاء ، ولكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين :
صوت عند نعمة : لهو ولعب ، ومزامير الشيطان ، وصوت عند مصيبة : لطم وجوه ، وشق جيوب ،
ورنة شيطان " [ أخرجه الترمذي والبزار والمنذري والقرطبي وابن سعد والطيالسي وهو حديث حسن ]
قال ابن تيمية رحمه الله : والصوت الذي عند النعمة : هو صوت الغناء .
وعن عبدالله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" إن الله عز وجل حرم الخمر ، والميسر ، والكوبة ، والغبيراء ، وكل مسكر حرام "
[ أخرجه أبو داود والطحاوي والبيهقي وأحمد وغيرهم ، وصححه الألباني رحمه الله ] ،
وقال علي بن بذيمة : الكوبة : هي الطبل .
وقال صلى الله عليه وسلم : " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر ( كناية عن الزنا ) والحرير
والخمر والمعازف ( آلات اللهو والطرب والغناء ) " [ رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم ] .
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" يكون في أمتي قذف ، ومسخ ، وخسف " قيل : يا رسول الله ومتى يكون ذلك ؟ ، قال : "
إذا ظهرت المعازف ، وكثرت القيان ، وشربت الخمر "
[ أخرجه الترمذي وغيره وهو حديث صحيح لغيره ] .
وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أنه سمع صوت زمارة راع ، فوضع إصبعيه في أذنيه ،
وعدل راحلته عن الطريق ، وهو يقول : يا نافع ! أتسمع ؟ فأقول : نعم ، فيمضي ، حتى قلت :
لا ، فوضع يديه ، وأعاد راحلته إلى الطريق ، وقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع
زمارة راع ، فصنع مثل هذا . [ رواه أبو داود والبيهقي بسند حسن / المنتقى النفيس 304 ] .
الله أكبر يا عباد كيف تضافرت الأدلة على تحريم الأغاني والموسيقى ، فهل بعد هذا البيان من عذر
لمن استمع لذلك الهذيان ، وهل بعد هذه الأدلة الصحيحة من عودة إلى دين الله صريحة .
ثالثاً : قول السلف :
أيها المسلمون : ومن الآثار التي تدل على تحريم الغناء ما قاله بن مسعود رضي الله عنه :
" الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء العشب " [ رواه أبو داود وهو أثر صحيح ] .
وقال بن عمر لقوم مروا به وهم محرمون وفيهم رجل يتغنى : " ألا لا سمع الله لكم ، ألا لا سمع الله لكم "
، وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى عمر بن الوليد كتاباً فيه : . . وإظهارك المعازف والمزمار بدعة
في الإسلام ، ولقد هممت أن أبعث إليك من يجز جمتك جمة سوء " [ أخرجه النسائي وأبو نعيم بسند صحيح ] ،
وسئل القاسم بن محمد عن الغناء فقال للسائل : " أنهاك عنه وأكرهه لك " قال : أحرام هو ؟ قال :
أنظر يا بن أخي إذا ميز الله الحق من الباطل ففي أيهما يجعل الغناء ؟ ، وقال الشعبي :
" لُعن المغني والمغنى له " وقال الضحاك : " الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب "
، وقال يزيد بن الوليد : " يا بني أمية ! إياكم والغناء ، فإنه يزيد الشهوة ، ويهدم المروءة ،
وإنه لينوب عن الخمر ، ويفعل ما يفعل السَّكَر ، وقال أبو الطيب الطبري : كان أبو حنيفة يكره الغناء ،
ويجعل سماعه من الذنوب ، وقال أبو يوسف من الحنفية :
" يمنعون من المزامير وضرب العيدان والغناء والصنوج ـ وهو ضرب النحاس بعضه ببعض ـ
والطبول . . "
وقال في الهداية : " ويمنع من يغني الناس لأنه يجمعهم على كبيرة " ، وسئل الإمام مالك رحمه الله
عن الغناء فقال : " إنما يفعله عندنا الفساق " ، وقال الشافعي رحمه الله : " تركت بالعراق شيئاً
أحدثه الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به عن القرآن " والتغبير : هو عبارة عن الضرب بقضيب
أو نحوه على جلد يابس ، وإنشاد أشعار ربانية مرققة للقلوب كما يفعله الصوفية ،
ومع ذلك وصفهم بالزنادقة ، فكيف لو رأى ما أحدثه الناس في زماننا من الاستماع للغناء الفاحش
المصاحب للموسيقى ، والرقص على الدفوف ، والربابات وغيرها من آلات الصد عن ذكر الله وعن القرآن ،
بل وحتى عن أعظم أركان الإسلام ألا وهو الصلاة ، كيف لو اطلع رحمه الله على شباب اليوم
وهم في غفلة عن الدين وإعراض عن سنة النبي الكريم ، بل واستهزاء بالآمرين بالمعروف
والناهين عن المنكر ، وإعراض عن ذكر الله ، وسخرية بكلام الله ، وقد كفر الله فاعل ذلك فقال تعالى :
" ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا
قد كفرتم بعد إيمانكم " وقال الإمام أحمد رحمه الله : " الغناء بدعة ، وكرهه ونهى عنه " وقال :
" الغناء ينبت النفاق في القلب " ، وذهب بعض أصحاب الإمام أحمد أن الغناء حرام .
نعم إن الغناء حرام لمن فعله ومن سمعه ومن أعان على سماعه ونشره وبيعه وشرائه ،
كيف لو رأى رحمه الله حال كثير من المسلمين اليوم وهم يتراقصون ويترنمون ، فيتشبه الرجال
بالنساء والنساء بالرجال ، ويختلط الحابل بالنابل ويتصنعون أعمال هوجاء ، وأفكار غوغاء ،
ورقصات غربية وشرقية ، ليست من الدين في شيء ، يستمعون فيها لكل ناعق وناهق ،
وينصتون فيها لكلام غير لائق ، يتلذذون على أصوات الفاسقين والفاسقات الذين يصدون عن كلام الله
وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكلام الصالحين والعلماء المهديين ، قال بن كثير رحمه الله :
" استعمال آلات الطرب والاستماع إليها حرام كما دلت على ذلك الأحاديث النبوية " ،
وقال رحمه الله : " وأما اتخاذ الطرب قربة وطريقة ومسلكاً يتوصل به إلى نيل الثواب ،
فهو بدعة شنعاء لم يقله أحد من الأنبياء ولا نزل به كتاب من السماء ، وفيه مشابهة بالذين قال الله فيهم :
" وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا " ، وقال رحمه الله :
" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الجرس مزمار الشيطان " [ رواه مسلم ]
فإذا كان هذا في الجرس فما ظنك بالدف المصلصل الربابات المتنوعة الأشكال والأصوات ،
والعود والكمان والطبل ، وقال أبو بكر الطرطوشي : " وهذا السماع الشيطاني المضاد للسماع
الرحماني له في الشرع بضعة عشر اسماً فمنها : اللهو ، واللغو ، والباطل ، والزور ، والمكاء ،
والتصدية ، ورقية الشيطان ، وقرآن الشيطان ، ومنبت النفاق في القلب ، والصوت الأحمق ،
والصوت الفاجر ، وصوت الشيطان ، ومزمور الشيطان ، والسمود ، قال الشاعر :
أسماؤه دلت على أوصافه *** تباً لذي الأسماء والأوصاف
وقال آخر :
فدع صاحب المزمار والغناء *** وما اختاره عن طاعة الله مذهباً
ودعه يعش في غيه وضلاله *** على تنتنا يحيا ويبعث أشيباً
قال الفضيل بن عياض : الغناء رقية الزنا .
قال ابن الجوزي في تلبيس إبليس : " اعلم أن سماع الغناء يجمع شيئين :
الأول : أن يلهي القلب عن التفكر في عظمة الله سبحانه ، والقيام بخدمته .
الثاني : أنه يميله إلى اللذات العاجلة التي تدعو إلى استيفائها من جميع الشهوات الحسية ،
ومعظمها النكاح وليس تمام لذته إلا في المتجددات ، ولا سبيل إلى كثرة المتجددات من الحِلّ ،
فلذلك يحث على الزنا ، فبين الزنا والغناء تناسب من جهة أن الغناء لذة الروح ، والزنا أكبر
لذات النفس . بل لقد نقل بعض العلماء إجماع أهل العلم على تحريم الغناء .
معاشر المسلمين : ولا يضر من خالف في ذلك من إباحة الغناء والموسيقى الهادئة وما شابه ذلك ،
فهم قوم قد ضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل ، فمنهم من اشتبه عليه الأمر ،
فعاد بعدما حاد ، فنسأل الله أن يعفو عنا وعنه بمنه وكرمه ، ومنهم من أباحوا الغناء ،
فأطالوا فيه من الغثاء ، فعظم منهم البلاء ، وتبعهم كثير من السفهاء ، مداهنة للحكام ،
ورغبة في الحرام ، وحباً في الهيام والغرام ، وقد قال ابن الجوزي : " وإنما رخص في ذلك
من قل علمه ، وغلبه هواه " ، وقال سفيان بن عيينه في مثل أولئك العلماء الضُلاَّل :
" احذروا فتنة العالم الفاجر ، والعابد الجاهل ، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون
" ، وقيل في الأمثال : " إذا زل العالِم زل بزلته عالَم " ، فنسأل الله أن يردهم إلى صوابهم ،
وأن يعيدهم إليه عوداً حميداً ، وأن يردهم إليه رداً جميلاً ، فالحق أحق أن يتبع ،
والعبرة بما جاء في كتاب ربنا تبارك وتعالى ، وما صح من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ،
وما جاء عن الصحابة والتابعين وأهل العلم العاملين الذين لا يخافون في الله لومة لائم في إحقاق الحق
وإبطال الباطل ، قال الطبري : أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء ـ أي تحريمه ـ
والمنع منه وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري ،
فعليكم معاشر المسلمين بالسواد الأعظم ، ومن فارق الجماعة مات ميتة جاهلية ،
وما أباحه إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري من الغناء ليس هو كالغناء المعهود الآن المثير للنفوس
والباعث على الشوق والغرام الملهب لها من وصف الخد والعينين ورشاقة الشفتين ،
والتغزل في بنات المسلمين ، فحاشا هذين المذكورين أن يبيحا مثل هذا الغناء الذي هو في غاية
الانحطاط ومنتهى الرذيلة ، ويجر إلى العار والفضيحة .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : " تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها
الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً وله
عذاب مهين " .
أيها المسلمون : سماع الغناء يصد القلوب عن القرآن ، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان ،
فهو قرآن الشيطان ، والحجاب الكثيف عن الرحمن ، وهو رقية اللواط والزنا ، وبه ينال العاشق
الفاسق من معشوقه غاية المنى ، كاد به الشيطان النفوس المبطلة ، وحسنه لها مكراً منه وغروراً ،
وأوحى إليها الشبه الباطلة ، واتخذت لأجله القرآن مهجوراً ، فلو رأيتهم عند سماع الغناء
وقد خشعت منهم الأصوات ، وهدأت منهم الحركات ، وعكفت قلوبهم بكليتها عليه ،
وانصبت انصبابة واحدة إليه ، فتمايلوا له كتمايل النشوان ، وتكسروا في حركاتهم كالنسوان ،
ويحق لهم ذلك ، فللشيطان قلوب هناك تمزق ، وأثواب تشقق ، وأموال لغير الله تنفق ،
حتى إذا عمل فيهم السكر عمله ، وبلغ الشيطان منهم أمنيته وأمله ، واستفزهم بصوته وحيله ،
وأجلب عليهم برجله وخيله ، وخَزَ في صدورهم وخْزَاً ، وأزهم إلى ضرب الأرض بالأقدام أزاً ،
فطوراً يجعلهم كالحمير حول المدار ، وتارة كالذباب ترقص حول الأقذار .
فياحسرة على العباد ، تاهوا في كل واد ، والدود لهم بالمرصاد ، وينتظرهم يوم التناد ،
فماذا جنى المسلمون من الغناء وعفنه ؟ والرقص وسخفه ؟ يا شماتة أعداء الإسلام بالذين يزعمون
أنهم خواص الإسلام ، قضوا حياتهم لذة وطربا ، واتخذوها لهواً ولعباً ، سبحان الله العظيم كيف ترق
القلوب لغير ذكر الله ؟ كيف تدمع العيون لغير الخوف من الله ؟ لقد تاهت العقول في زخم الحياة الدنيا ،
وضاقت الصدور في خضم الماديات ، وحب الشكليات ، ومشاهدة الفضائيات ، فقل الوازع الديني في القلوب ،
وضعف اليقين عند الناس ، فأصبحوا لا يعرفون الحق من الباطل ، ولكن كما قال الله تعالى :
" إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " ، لقد صدق فيهم إبليس ظنه فاتبعوه ،
وأما طريق الحق فقد ضلوه ، فافتتن بالغناء كثير من المسلمين ، فلم يعودوا لمعرفة الحق قادرين ،
ورضوا بالشيطان لهم قرين ، ويوم القيامة يقول لهم : " إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم
فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم "
ويقول لهم : " إني بريء منكم إني أرى مالا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب "
، ويحذر الله عباده من اتخاذ الشيطان ولياً أو ناصحاً من دون الله فيقول أرحم الراحمين :
" أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاً "
ولقد أحسن القائل :
تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة *** لكنه إطراق ساه لاه
وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا *** والله ما رقصوا لأجل الله
دف ومزمار ونغمة شادن *** فمتى رأيت عبادة بملاهي
ثَقُل الكتاب عليهم لما رأوا *** تقييده بأوامر ونواهي
سمعوا له رعداً وبرقاً إذا حوى *** زجراً وتخويفاً بفعل مناهي
عباد الله : المال من وسائل السعادة إذا استغله المسلم في طاعة ربه تبارك وتعالى ،
وأنفقه في مرضاته سبحانه ، أما من تخبط في المال ، ولم يهتم به من أي طريق كان ،
وفي أي طريق يصرف ، فهذا مستدرج من قبل ربه ، يمهل له ، حتى إذا أخذه لم يفلته ،
لأنه ظالم جهول ، ما عرف أن لله في ماله حقاً " وآتوهم من مال الذي آتاكم " فالمال لله ،
وهو مستخلفكم فيه ، فينظر كيف تعملون ، وقد توعد الله من أضاع ماله ، في المعصية أو منع منه من يستحقه ،
أو صرفه في معصيته سبحانه ، قال تعالى :
" يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم " ولما سئل عيسى عليه السلام عن المال
قال : [ لاخير فيه ، قيل : ولم يانبي الله ، قال: لأنه يُجمع من غير حِل ، قيل : فإن جُمع من حِل ،
قال : لايُؤدي حقه ، قيل: فإن أدى حقه قال : لايسلم صاحبه من الكبر والخُيلاء ، قيل : فإن سلِم ،
قال: يُشغله عن ذكر الله ، قيل : فإن لم يُشغله ، قال : يُطيل عليه الحساب يوم القيامة ] ،
فتأمل هذه العقبات الخمس وقليل من يتجاوزها سالماً ، وقال صلى الله عليه وسلم :
" كل جسد نبت من السحت فالنار أولى به " [ رواه البخاري ]، وقال صلى الله عليه وسلم :
" لا يدخل الجنة جسد غذي بالحرام " [ رواه الترمذي ] ،
فأولئك سيسألون عن هذه الأموال من أين اكتسبوها وفيما أنفقوها ، فاحذروا أيها المسلمون
من المال الحرام فهو سبب للهلاك والدمار وعدم إجابة الدعاء ، فقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام
: " الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ، ومطعمه حرام ،
ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ، فأنا يستجاب لذلك " [ رواه مسلم ] ،
وقال صلى الله عليه وسلم : " إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة
" [ رواه البخاري ] .
ومن وسائل المال الحرام ، من يؤجر محلاً تباع فيه أشرطة الغناء أو أشرطة الفيديو التي تحوي
على الغناء ورؤية الراقصين والراقصات ، ومن يبيع آلات الغناء ، ومن يهدي لأحد شريط غناء ،
ومن يؤجر مسرحاً أو يبنيه لغرض الغناء أو الرقص . قال ابن عبدالبر :
" من المكاسب المجمع على تحريمها الربا ومهور البغايا والسحت والرشوة وأخذ الأجرة على النياحة
والغناء وعلى الكهانة وادعاء الغيب وأخبار السماء وعلى الزمر واللعب الباطل كله "
، ومن استأجر المطربين والمطربات أو أهل الموسيقى كالعود والكمان والربابة وما شابهها فعمله
هذا محرم والأجرة التي تأتي من وراء ذلك سحت حرام ، والمال الذي يدفع فيها حرام ،
وصاحبه مشترك في الإثم والوزر ، ومتعاون على الإثم والعدوان ، قال ابن المنذر :
" أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال النائحة والمغنية ، ولا تجوز الإجارة على شيء من الغناء والنوح "
، واعلم أيها المسلم أن المال الذي دفع فيهم سيسأل عنه صاحبه إذا وضع في حفرته بلا مال ولا جاه
ولا ولد ، عند ذلك يأتيه من الله ما كان يستعجله في الدنيا قال صلى الله عليه وسلم :
" لن تزولا قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه . . "
فياصاحب الغناء أعد لذلك السؤال جواباً ، واحرص على أن يكون الجواب صواباً ،
ووالله لن تستطيع إلى ذلك سبيلاً ، لأن الله يقول :
"يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله
ما يشاء " فهل أنت من الذين آمنوا ، الذين اتبعوا كلام الله ، واهتدوا بهدي رسول الله ،
أم أنت ممن اتبع هواه ، فقذف به في النار على قفاه ، فهي حسبه وغضب عليه مولاه .
فأفق من غفلتك ، واستيقظ من رقدتك ، قبل أن يداهمك الموت ويفجأك ، فالله يمهل ولا يهمل .
ومن دعي إلى وليمة أو احتفال وكان هناك أغاني في تلفاز أوغيره ، فحرام عليه أن يجلس في
مثل تلك المجالس لأنها مجالس محرمة ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ،
ولا محاباة في دين الله تعالى ، ولا حياء من طاعة الله سبحانه ، بل الجبن والغبن أن يجلس المسلم
في مكان يعصى الله فيه علانية وسراً . فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا أنها دقائق وساعات ،
وأيام وسنوات ، ثم تقبلون على رب الأرض والسموات ، ووالله إنه سيسألكم عن أموالكم
من أين اكتسبتموها ، وفيما أنفقتموها .
أيها المسلمون : الموسيقى أشد تحريماً من الغناء الذي لا يصاحبه موسيقى ، فإن صاحبه موسيقى
زاد تحريه ، واشتد تغليظه ، قال ابن تيمية :" مذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام ،
ثبت في صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيكون من أمته
من يستحل الحر والحرير والخمر والمعازف وذكر أنهم يمسخون قردة وخنازير ،
والمعازف هي الملاهي كما ذكر أهل اللغة وهي جمع معزفة وهي الآلة التي يعزف بها أي يصوت
بها ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعاً " [ مجموع الفتاوى 11\576 ] ،
المعازف هي آلات اللهو كلها ، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك ،
ولوكانت حلالاً لما ذمهم النبي صلى الله عليه وسلم على استحلالها بقوله :
ليكونن من أمتى قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف "
وعلى ذلك فالموسيقى بكل أنواعها وأشكالها ومسمياتها محرمة ولذلك قرنها صلى الله عليه وسلم
بالخمر التي هي أم الخبائث وأساس كل شر ، قال صلى الله عليه وسلم : "
ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات ،
يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم قردة وخنازير "
[ رواه ابن ماجة وصحح إسناده ابن قيم الجوزية رحمه الله ] [ إغاثة اللهفان 1 \ 277 ] ،
كم يسعى المرجفون في الأرض والمنافقون والكفار ، للإطاحة بشباب الإسلام ، ووضع الطعم
لهم حتى يقعوا في شباك الأعداء ، ومن أعظم ذلك ما أدخلوه على المسلمين في عقر دراهم ،
وفي بيوتهم ، من أسباب سخط الله تعالى ، إنها الموسيقى ، لقد عجزوا من إدخالها إلى بيوت الله تعالى
، لما للمساجد من حرمة عظيمة ، ومكانة كبيرة في قلوب المسلمين ، كيف لا وهي بيوت الله ،
والناس جميعاً فيها ضيوف على الرحمن ، فوصل الحال بالأعداء إلى أن يدخلوا الموسيقى
إلى بيوت الله ، وبأيدي المسلمين أنفسهم وذلك بتسجيل نغمات موسيقية غنائية في هواتفهم المحمولة
أو الجوالة ، وقد جاءت فتوى هيئة كبار العلماء مواكبة للحدث ، فأصدرت اللجنة الدائمة للإفتاء
بالمملكة فتوى بتحريم جميع النغمات الموسيقية الصادرة من الهواتف الجوالة وغيرها ،
لما تسببه من بعد عن الله ، وإعراض عن الصلاة ، وإشغال لعباد الله ، وطاعة لأعداء الله ،
فاتقوا الله رحمكم الله واعملوا لدار عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين .
عباد الله : الحق أحق أن يتبع ، ولقد جاء النهي عن الشعر ما لم يكن داعياً إلى الدين ،
أو دفاعاً عنه ، أو شعراً يشحذ الهمم ، ويعين على الطاعة ، قال تعالى :
" والشعراء يتبعهم الغاوون " وقال صلى الله عليه وسلم : " لأن يمتلئ بطن أحدكم قيحاً حتى يُريه ـ
حتى يأكل بطنه ـ خير له من أن يمتلئ شعراً " [ رواه البخاري ومسلم ]
، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كان إبليس أول من ناح وأول من تغنى
" [ رواه الخرائطي والزبيدي والغزالي في إحياء علوم الدين ] ،
ويزيد الشعر حرمة عندما يقترن بآلات اللهو والطرب ، والطبل أو ما يسمى بالزير والمزامير ،
ويدخل في ذلك العرضة بأنواعها ، فهي حرام لما فيها من تضييع للأوقات ، وإهدار للأموال ،
ولما تسببه غالب العرضات من انتماءات قبلية ، وطعن في الأحساب والأنساب ، وتفاخر بالقبائل ،
مقتفين أثر الجاهلية القديمة ، التي جاء الإسلام بوأدها ، وقطع جذورها .
أيها المسلمون : المغني ممن ترد شهادته لأنه أتى بكبيرة من كبائر الذنوب ، ولأن الغناء لا يفعله
إلا الفساق من الناس ، قال ابن الجوزي رحمه الله : " لا تقبل شهادة المغني والرقاص "
، قال الشافعي رحمه الله : " أن الرجل إذا جمع الناس لسماع غناء الجارية فهو سفيه مردود الشهادة " ،
فيا أيها المغني أتريد الشهرة وحب الظهور ، أتريد الرفعة في الدنيا ، وأن يشار لك بالبنان فيها ،
والله لقد نالها قبلك رجال تمنوا عند الموت أن لو قالوا " ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا
" فها هو فرعون وقارون وهامان وأبو جهل وغيرهم من الطغاة والبغاة ، دعاة السوء والضلالة ،
لم يقدروا لله أمراً ولا نهياً ، ما رجوا ثواب الله وجزيل عطائه ، ما رجوا لله وقاراً ، فأدخلوا نارً ،
فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً ، لم تغن عنهم شهرتهم من الله شيئاً ، فقيل ادخلوا النار مع الداخلين
، أيها المغني والله لقد كذب الذي قال إن للفن شهداء ، والله لقد قال على الله بغير علم ،
وكذب على نبيه صلى الله عليه وسلم الذي قال : " ما تعدون الشهيد فيكم ، قالوا :
من قتل في سبيل فهو شهيد ، قال : إن شهداء أمتي إذاً لقليل ، قالوا : فمن هم يا رسول الله ؟ قال :
من قتل في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في الطاعون
فهو شهيد ، ومن مات في البطن فهو شهيد ، والغريق شهيد " [ رواه مسلم ] ،
فهاهو عليه الصلاة والسلام يعدد الشهداء ووالله ما قال أن الفنان شهيد ، ولا من مات على خشبة
المسرح شهيد ، فمن أين تلك الفتاوى ، وما مصدر تلك الدعاوى ، وكيف تجرءوا على الله تبارك وتعالى ،
واستدركوا عليه في دينه وهو سبحانه الذي يقول : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي
ورضيت لكم الإسلام ديناً "
فوالله لا يستوي من مات في سبيل الله تحت أزيز الرصاص وأصوات القنابل والدبابات ، ومن مات على
خشبة المسرح يعص الله تعالى فوق أرضه وتحت سمائه ، تحت إضاءة الأنوار ، وعند سماع التصفيق والصفير ،
" فريق في الجنة وفريق في السعير " ، وأعوذ بالله أن أقول على الله بلا علم ، وأستغفره وأتوب إليه
من كل إثم ، وعجباً لوسائل الإعلام في بلاد الإسلام ، لقد أصبحت معاول هدم للعقيدة ،
ووسائل دفن للدين ، فلا تجد برنامجاً ولا مسلسلاً ولا أخباراً إلا وفيها من الموسيقى ما فيها ،
فما بين الفينة والأخرى إلا ويفاجأ المشاهد والمستمع بهزعة موسيقية ، وما بين لحظة عين
وانتباهتها إلا ويفزع بضرب وتر ونغمة وسمر ، تميت القلوب ، وتهدم الحسنات ، وتبيد الطاعات .
أمة الإسلام : يقول الله تعالى : " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان "
، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من
عمل بها إلى يوم القيامة " [ رواه مسلم ] ،
الله أكبر أيها المطرب ، الله أكبر أيها المغني ، كل الناس يتحمل إثمه وذنبه ، وأنت تتحمل إثمك وذنبك ،
وآثام من تبعك ، وذنوب من سمعك ، فلا إله إلا الله ، ستتحمل أثاماً وذنوباً تنوء بحملها الحبال
الراسيات ، فياويلك يا مسكين ، وياويحك يا ضعيف ، أتظن أن الله غافلاً عما تفعل بالمسلمين ، أتظن
أن الشهرة والجاه والمنصب ستحميك من عذاب شديد العقاب ، باب التوبة مفتوح ، فالحق بالتائبين ،
واركب سفينة الناجين ، وإياك وإخوان الشياطين ، فلن يعذب إلا أنت ، ولن يساق إلى الجحيم إلا أنت ،
فالبدار البدار بالتوبة النصوح قبل أن تغرر الروح ، واحذر أن تموت على خشبة المسرح ، فتكون
شهيداً للعفن ، ومثالاً سيئاً . ولقد عد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجموعة الشهداء ووالله ما ذكر
أن للفن شهيداً ، فاحذر الموت فهو أقرب إليك من حبل الوريد .
معاشر المسلمين : من استمع الغناء ، أو غنا به مع آلات الموسيقى ، معتقداً حله فهو كافر ،
مكذب لله تعالى ، ومعاند لرسوله صلى الله عليه وسلم ، ومفارق لجماعة المسلمين المعتبرين ،
لأن الغناء محرم ، وسماعه محرم ، ومن أحل حراماً فهو مصادم لشريعة الله تعالى ، وخارج عن دين الإسلام ،
فهو كافر مرتد والعياذ بالله ، يُستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتداً ، وإذا قُتل على تلك الحال ، فلا يغسل ولا يكفن
ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ، لكفره وردته والعياذ بالله . قال تعالى :
" أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين
لهم عذاب أليم " ،
وفي ذلك القول إفتراءٌ على الله بغير علم ، وتَقوُلٌ عليه بلا فهم .
عباد الله : صلوا وسلموا على حبيبكم ونبيكم ومن أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ،
فقال سبحانه قولاً كريماً حكيماً : " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً "
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين ،
::
يحيى بن موسى الزهراني
مواقع النشر (المفضلة)