إن مسألة استطلاعات الرأي العام قد تحولت في السنوات الأخيرة فعلا الى ( علم مستقل ) له قواعده وأسسه وطرق منهجيته والخ . وهناك الكثير من مراكز متخصصة في إجراء استطلاعات للرأي العام حول قضية او مسألة او أي موضوع كان ، ثم تذاع وتنشر نتائج تلك الاستطلاعات على شكل أرقام ونسب مئوية او إجابات وغير ذلك ، والسؤال: ماذا تعني إدارة استطلاعات الرأي العام و ما هي الأسس والمناهج الحديثة ؟!

من الرياضيات الى الإحصاء والاستطلاعات:
إذا كانت الرياضيات علما مستقلا بذاته ( نظريات وتطبيقات ) فإن هناك فروعا من الرياضيات قد تطورت في السنوات الأخيرة لغاية وصولها او تحول تلك الفروع الى ( علوم مستقلة ) بذاتها ، كما مثلا علم الإحصائيات ثم الاحتمالات وعلوم الوثوقية او الموثوقية وعلوم الألعاب وغير ذلك، وهذا يعني أن بعض النظريات الرياضياتية البحتة عندما تجد طريقها نحو التطبيقات العملية على واقع الأرض وعلى تماس مباشر مع التكنولوجيات المتقدمة ، فإنها مع مرور الوقت تأخذ طابعا خاصا لها وتتحول الى ( مادة ) مستقلة . وفي الواقع فإن ( علم الرياضيات ) قد اصبح علما عاما جدا و لا بدّ من التخصص في هذا العلم ( الواسع ). فهناك الرياضيات التقليدية والتطبيقات وكذلك الخوارزميات والبرمجيات ، وهناك رياضيات إدارة الأعمال ورياضيات المسائل ( العشوائية ، الفوضى ، الانتظام والخ ) ومسائل المخاطرة وحتى احتمالات ( الربح والخسارة ) ومعدلات البورصات ومؤشرات الأسهم والسندات والتدفقات المالية وغير ذلك حيث ( الأرقام ) تتكلم بدلا من الوصف او الشرح اللغوي وبالتالي عندما تزداد أهمية نظرية رياضياتية من حيث التطبيق العملي فإنها لا بدّ وان تتحول الى علم مستقل مع الوقت.

ماذا يعني استطلاع الرأي العام:
والهدف العملي أساسا يكمن في معرفة آراء الناس ( في مجتمع ما ) حول مسألة معينة ، وهذه المعرفة تتطلب إدارة وتنظيما ومنهاجا معينا للتطبيق على واقع الأرض ، فمثلا ، من المستحيل عمليا معرفة آراء مجتمع مؤلف من ( 25 ) مليون نسمة بشكل فردي .. و لا بدّ من منهاج معين او كما يقولون أخذ ( عيّنة ) من ( 100 ) شخص ( بشكل عشوائي ) من ذلك المجتمع ثم تحديد من ( مع ) ومن ( ضد ) وتكون النتيجة مثلا ( 70 ) بالمئة مع و (30 ) بالمئة ضد . ولكن كما نلاحظ هناك مفاهيم ( العشوائية ) وكذلك ( العيّنة ) وكذلك طريقة طرح السؤال او التساؤل او الاستفسار وأسلوب جمع المعلومات / الآراء وعدد ( العيّنة ) مكانها وانتشارها والخ . وكمثال عملي هناك طريقة الانترنيت والإذاعة والتلفزيون وحتى ( الطاقة الكهربائية ) او السؤال المباشر في الشارع وغير ذلك.

استطلاع الرأي العام العالمي:
ويمكن استطلاع الرأي العام العالمي في مجموعة صغيرة ( من مئة شخص ) ولغاية المجموعة العالمية ( 200 دولة و 6 مليار نسمة ) حول أي موضوع كان ، ولكن تختلف طرق المقاربة علميا وموضوعيا و لا بدّ من تحديد نسب ( الإنزياح ) وكذلك مجال تذبذب المصداقية وهذا يتطلب أولا تحديد الهدف. ثانيا تحديد طريقة جمع المعلومات . ثالثا معالجة المعلومات . رابعا تحليلها واستخلاص النتائج . وكما نلاحظ فالمعلومات / الآراء قد تتوفر ولكن السؤال كيف معالجتها ومن ثم تحليلها وأخيرا ليس من السهل استخلاص النتائج وخاصة في استطلاعات الرأي العام في قضايا معقدة.

واليوم لم يعد العالم يقبل بمقولات أن ( أغلبية الناس في مكان ما ) وحول مسألة ما تقول
( موافق ) و ( غير موافق )، كما ان المجتمعات اليوم أصبحت متداخلة نظرا لتحول العالم الى ( قرية صغيرة ) ولا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار مكان وزمان الاستطلاع والمؤثرات الجانبية وغير ذلك.

بقلم: المهندس بيير حنا إيواز - المجلة البطريركية السريانية دمشق