اسمه جرير بن عطيّة بن الخَطفي من بطن من بطون تميم يدعون كُليْب بن يربوع ، ولد خدّيجاً لسبعة أشهر في خلافة عثمان رضي الله عنه ، ويروى أن أمّه رأت في منامها ، وهي حامل به أنها ولدت حَبْلاُ يلتف على أوساط الناس فيقطعها ، فلما ولدته سمته جرير..
وقد نشأ باليمامة بنجد ـــ حيث كانت تقيم قبيلته ـــ ونشأ نشأةً فقيرة يرعى الإبل ، وكان أبوه فقيراً بخيلاً ، وقومه بنو كليب بن يربوع من البطون الضعيفة في تميم ..
بدا ينظم الشعر رجزاً ، ثم مدح يزيد بن معاوية بقصيدة نال عليها أول جائزة يحرزها ، ولم يزل بعد ذلك ينظم حتى شاع سيطه ، فاتصل بعبد الملك بن مروان ومدحه ونال الحظوة لديه ولدى ابنه الوليد ابن عبد الملك،
ولكنه لم يتصل بسليمان إلا قليلاً . ثم عاد فمدح عمر بن عبد العزيز ونال جوائزه ، مع أن عمر رضي الله عنه لم يكن يجزل المكافأة للشعراء . ويبدو أن عمر كان يرى في غزل جرير عِفّةً ، وكان يعلم عنه أنه أكثر من الفرزدق استقامة ، ولهذا أذن له بالدخول عليه وحجب سائر الشعراء الذين حضروا معه كالأخطل والفرزدق والأحوص وغيرهم ، والحق أن جريراً كان تقيّاً طيب العبادة.
وكانت وفاة جرير باليمامة سنة 114هـ بعد وفاة الفرزدق بستة أشهر ، وقيل بأربعين يوماً.
وكان جرير شاعرٌ له شعبيّة عظيمة ، ويفضله معظم الناس على منافسيه لأنه .. وجداني مطبوع ، واضح المعاني
فصيح اللفظ ، في تراكيبه عذوبة ومتانة جعلت شعره يصلح للغناء ..
وكان بارعاً في الغزل والهجاء ويفوق فيهما أقرانه ، أما في الفخر فقد كان يأتي في المرتبة الثانية بعد الفرزدق ، وذلك لأن الفرزدق من بيت رفيع العماد ، وهم مجاشع بن دارم ، أما جرير فقد كان أبوه خامل الذكر بخيلاً..
روى أن رجلاً سأل جريراً : من أشْعَرُ الناس ؟ فأخذه جرير إلى بيته ، ولما فتحا الباب رأيا شيخاً قد دس رأسه بين رجلي عنز يرضَعُها . فقال جرير للرجل : هذا الشيخ الذي تراه هو أبي ، يرضَعُ هكذا مخافة أن يحلبها فيسمع الناس شخب اللبن فيأتوا ليشربوا ، وأشعر الشعراء هو الذي فاخر بهذا الأب ثمانين شاعراً وغلبهم..
والحقُّ أن جريراً يتمتع بِنَفَسٍ شعري خَصْب ، وإذا قرأت غَزَله سررت به ومضيت تقرؤه إلى نهايته ، كما سنرى في نونيته التي سنذكرها..
ولإعجاب النقاد بجرير قالوا إن جريراً نظم أحسن بيت في الغزل ، وفي المدح ، وفي الهجاء ، وفي الفخر ، ولكنَّ مثل هذه الأحكام ليست دقيقةً في ميزان النقد الصحيح..
وكان جرير كسائر الأعراب سريع الانفعال ، وخصوصاً إذا هجيت قبيلته ، وقد اعتدى شاعرٌ يقال له غَسّان السليطي على بني الخَطَفِي ، قوم جرير وهجاهم ، فانبرى له جرير وأخرسه ، فانتصر البعيث المجاشعي وهو من قوم الفرزدق لغسّان ، فانقضَّ عليه جرير كالصاعقة وهجاه وقومه بقصيدتين أسقطا سمعته في الناس ، وتعرَّض في القصيدتين إلى نساء مجاشع فذكرهنَّ بسوء ، وهنا ذهب وفدٌ منهنّ إلى الفرزدق ، فبكين له وستغثنه لينقذ أعراضهن من لسان جرير ، فدخل الفرزدق ميدان النقائض وهجا جريراً ـ حتى كاد يهزمه ولم ينقطع الهجاء حتى مات الفرزدق فهجاه جرير بعد موته بقوله :
[poem=font="Andalus,6,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=1 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ماتَ الفرزدقُ بعدما جدَّعْتُهُ=ليتَ الفرزدقَ كانَ عاشَ طويلا[/poem]
يتبع......
مواقع النشر (المفضلة)