ابو هريره

اختلف المؤرخون في اسمه، وهو في أصح الروايات، عبد شمس في الجاهلية،
وعبد الرحمن بن صخر الدوسي الأزدي في الإسلام،
ولقبه أبو هريرة لهِرَّة كان يحملها ويعتني بها، وكان رسول الله يدعوه أبا هرّ.
وقد ولد في بادية الحجاز سنة 19 قبل الهجرة، وأمه ميمونة بنت صبيح.

حال أبي هريرة في الجاهلية :

كان أبو هريرة قبل أن يسلم يعيش فقيرًا معدمًا في قبيلة بعيدة عن رسول الله ، يقول عن نفسه:
نشأت يتيمًا، وهاجرت مسكينًا، وكنت أجيرًا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني وعُقْبَة رجلي،
فكنت أخدم إذا نزلوا، وأحدو لهم إذا ركبوا، فزوجنيها الله،
فالحمد لله الذي جعل الدين قوامًا، وجعل أبا هريرة إمامًا.
قصة إسلام أبي هريرة وعمره عند الإسلام :

أسلم على يد الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي ، وهو من أوائل الذين أسلموا على يد الطفيل، وكان عمره حينما أسلم حوالي ست عشرة سنة.

كان للنبي الأثر الأكبر في تنشئة وتربية أبي هريرة ، فمنذ أن قدم إلى النبي لم يفارقه أبدًا،
وفي سنوات قليلة حصّل من العلم عن الرسول ما لم يحصله أحد من الصحابة ، وكان النبي يوجِّهه كثيرًا؛ فعنه أن النبي قال له: "يا أبا هريرة، كن ورعًا تكن أعبد الناس".
وعن أبي هريرة ، أن النبي قال له: "أوصيك يا أبا هريرة بخصالٍ لا تدعهن ما بقيت". قال: أوصني ما شئت. فقال له: "عليك بالغسل يوم الجمعة، والبكور إليها، ولا تلغ، ولا تله. وأوصيك بصيام ثلاثة أيام من كل شهر؛ فإنه صيام الدهر. وأوصيك بركعتي الفجر لا تدعهما وإن صليت الليل كله؛ فإن فيهما الرغائب" قالها ثلاثًا.


قال أبو هريرة : "ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله مني إلا عبد الله بن عمرو؛
فإنه كان يعي بقلبه وأعي بقلبي، وكان يكتب وأنا لا أكتب،
استأذن رسول الله في ذلك، فأذن له".
قال البخاري: "روى عنه أكثر من ثمانمائة رجل من بين صاحبٍ وتابعٍ". وممن روى عنه من الصحابة: ابن عباس، وابن عمر، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وواثلة بن الأسقع، وعائشة


عن ابى هريره كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة. فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله ما أكره.
فأتيت رسول الله وأنا أبكي.
قلت: يا رسول الله! إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي. فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره. فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة.

فقال رسول الله: "اللهم اهد أم أبي هريرة"
فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله. فلما جئت فصرت إلى الباب. فإذا هو مجاف. فسمعت أمي خشف قدمي.
فقالت: مكانك! يا أبا هريرة! وسمعت خضخضة الماء.
قال فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها. ففتحت الباب.
ثم قالت: يا أبا هريرة! أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
قال فرجعت إلى رسول الله، فأتيته وأنا أبكي من الفرح.
قال قلت: يا رسول الله! أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا.
قال قلت: يا رسول الله! ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا. قال فقال رسول الله "اللهم! حبب عبيدك هذا - يعني أبا هريرة - وأمه إلى عبادك المؤمنين. وحبب إليهم المؤمنين"
فما خلق مؤمن يسمع بي، ولا يراني، إلا أحبني.




عن أبي عثمان النهدي قال: تضيفت أبا هريرة سبعًا، فكان هو وامرأته وخادمه يتعقبون الليل أَثْلاثًا،
يصلي هذا ثم يوقظ هذا، ويصلي هذا ثم يوقظ هذا.
وعن عكرمة أن أبا هريرة : كان يسبح في كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة، ويقول: أسبح بقدر ذنبي.


عن أبي المتوكل أن أبا هريرة كانت له زنجية فرفع عليها السوط يومًا، فقال: "لولا القصاص لأغشيتك به، ولكني سأبيعك ممن يوفيني ثمنك، اذهبي فأنت لله ".
جهاد أبي هريرة :

كان ممن شهد غزوة مُؤْتة مع المسلمين؛ يقول : "شهدت مؤتة، فلما دنونا من المشركين رأينا ما لا قِبل لأحد به من العُدَّة والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب، فبرق بصري، فقال لي ثابت بن أَقْرَم: يا أبا هريرة، كأنك ترى جموعًا كثيرة؟ قلت: نعم. قال: إنك لم تشهد بدرًا معنا، إنا لم ننصر بالكثرة".


وعن أبي العالية، عن أبي هريرة قال: أتيت رسول الله بتمرات فدعا فيهن بالبركة، وقال: "اجعلهن في مزودك، فإذا أردت أن تأخذ منه شيئًا فأدخل يدك فخذه، ولا تنثره". فجعلته في مزودي، فوجهت منه رواحل في سبيل الله تعالى، وكنت آكل منه وأطعم، وكان في حقوتي حتى كان يوم قتل عثمان ، فوقع فذهب.
بعض مواقف أبي هريرة مع الصحابة :

مع عمر بن الخطاب :

عن أبي هريرة أن عمر بن الخطاب دعاه ليستعمله، فأبى أن يعمل له،
فقال: أتكره العمل وقد طلبه من كان خيرًا منك؟!
قال: مَن؟
قال: يوسف بن يعقوب عليهما السلام.
فقال أبو هريرة: يوسف نبي ابن نبي، وأنا أبو هريرة ابن أميمة أخشى ثلاثًا أو اثنتين. فقال عمر: أفلا قلت خمسًا؟
قال: أخشى أن أقول بغير علم، وأقضي بغير حكم، وأن يضرب ظهري، وينتزع مالي، ويشتم عرضي.
مع عثمان بن عفان :

روى سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: إني لمحصور مع عثمان في الدار.
قال: فرُمِي رجل منا،
فقلت: يا أمير المؤمنين، الآن طاب الضراب، قتلوا منا رجلاً.
قال عثمان : عزمت عليك يا أبا هريرة إلا رميت سيفك؛ فإنما تراد نفسي، وسأقي المؤمنين بنفسي.
قال أبو هريرة : فرميت سيفي لا أدري أين هو حتى الساعة.
بعض مواقف أبي هريرة مع التابعين :

عن سعيد بن مرجانة أنه قال: سمعت أبا هريرة
يقول: قال رسول الله : "من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إربًا منه من النار، حتى إنه يعتق باليد اليد، وبالرجل الرجل، وبالفرج الفرج".

أثر أبي هريرة في الآخرين :


كان أبو هريرة صاحب أثر كبير في كل مَن حوله بما يحمله من كنوز عظيمة، وهي أحاديث النبي ، وقد أسدى للأمة خيرًا عظيمًا بنقله هذا الكمّ الضخم والكبير من أحاديث النبي .
ومن ذلك أنه مر بسوق المدينة، فوقف عليها فقال: يا أهل السوق، ما أعجزكم!
قالوا: وما ذاك يا أبا هريرة؟
قال: ذاك ميراث رسول الله يقسَّم، وأنتم ها هنا لا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه.
قالوا: وأين هو؟ قال: في المسجد. فخرجوا سراعًا إلى المسجد،
ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا،
فقال لهم: ما لكم؟
قالوا: يا أبا هريرة، فقد أتينا المسجد فدخلنا فلم نرَ فيه شيئًا يُقسّم.
فقال لهم أبو هريرة : أما رأيتم في المسجد أحدًا؟
قالوا: بلى، رأينا قومًا يصلون، وقومًا يقرءون القرآن، وقومًا يتذاكرون الحلال والحرام.
فقال لهم أبو هريرة : ويحكم! فذاك ميراث محمد .

روي عن ابى هريرة أنه قال:إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن النبي،
إني كنت امرءا مسكينا صحبت النبي على بطني,
وكان المهاجرون تشغلهم التجارة في الأسواق,
وكانت الأنصار يشغلهم القيام على جمع أموالهم.
فحضرت من النبي مجلسا
فقال: من بسط رداءه حتى أقضي مقالتي ثم يقبضه إليه فلن ينسى شيئا سمعه مني, فبسطت ردائي على حتى قضي حديثه ثم قبضتها إلي،
فوالذي نفسي بيده لم أنسى شيئا سمعته منه.

وفاة أبي هريرة :

لما حضرت أبا هريرة الوفاةُ بكى،
فقيل له: ما يبكيك؟
فقال: "بُعد المفازة، وقلة الزاد، وعقبة كئود المهبط منها إلى الجنة أو النار".
وقد تُوُفِّي أبو هريرة بالمدينة سنة سبع وخمسين، وله ثمانٍ وسبعون.