أولاً : واجب القراءة
قال تعالى : " فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ " [المزمل/20] فعلى المسلمين اليوم أفراداً وأسراً ومجتمعات أن يخصصوا أوقاتاً بالليل والنهار سراً وعلانية لقراءة القرآن وتلاوته.
ثانياً : واجب الاستماع والإنصات
فالواجب : أن يكون استماعنا للقرآن وإنصاتنا له مقدماً على استماعنا لأيِّ كلام آخر دونه؛ فعلى قدر استماع الآذان وإنصات العقول والقلوب الواعية للقرآن يكون استحقاق الرحمة للمستمع المنصت .
قال تعالى : " وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ " [الأعراف/204] .
قال الشيخ السعدي رحمه الله : " هذا الأمر عام في كل من سمع كتاب الله يتلى فإنه مأمور بالاستماع له والإنصات، والفرق بين الاستماع والإنصات : أن الإنصات في الظاهر بترك التحدث أو الاشتغال بما يشغل عن استماعه، وأما الاستماع له : فهو أن يلقي سمعه ويحضر قلبه ويتدبر ما يستمع، فإن من لازم على هذين الأمرين حين يتلى كتاب الله فإنه ينال خيرا كثيرا، وعلما غزيرا، وإيمانا مستمرا متجددا، وهدى متزايدا، وبصيرة في دينه، ولهذا رتب الله حصول الرحمة عليهما، فدل ذلك على أن من تلي عليه الكتاب فلم يستمع له ولم ينصت أنه محروم الحظ من الرحمة قد فاته خير كثير، ومن أوكد ما يؤمر مستمع القرآن أنه يستمع له وينصت في الصلاة الجهرية إذا قرأ إمامه؛ فإنه مأمور بالإنصات حتى إن أكثر العلماء يقولون : إن اشتغاله بالإنصات أولى من قراءته الفاتحة وغيرها " . أ . هـ . " تفسير السعدي " (ص314)
ثالثاً : واجب الترتيل
فالله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بترتيل القرآن الكريم، وهو أمر للأمة أيضاً، فقال تعالى : " وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا " [المزمل/4] .
التفسير الكبير ج30 ص153
وقوله تعالى " تَرْتِيلاً " تأكيد في إيجاب الأمر به، وأنه مما لا بد منه للقارئ، واعلم أنه تعالى لما أمره بصلاة الليل أمره بترتيل القرآن حتى يتمكن الخاطر من التأمل في حقائق تلك الآيات ودقائقها فعند الوصول إلى ذكر الله يستشعر عظمته وجلالته، وعند الوصول إلى الوعد والوعيد يحصل الرجاء والخوف، وحينئذ يستنير القلب بنور معرفة الله، والإسراع في القراءة يدل على عدم الوقوف على المعاني؛ لأن النفس تبتهج بذكر الأمور الإلهية الروحانية، ومن ابتهج بشيء أحب ذكره، ومن أحب شيئاً لم يمر عليه بسرعة، فظهر أن المقصود من الترتيل : إنما هو حضور القلب وكمال المعرفة " . أ . هـ . " التفسير الكبير " (30/153،154)
رابعاً : واجب التدبر
والأصل فيه : قوله تعالى : " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا " [محمد/24]، فالتدبر وسيلة لاستثمار القرآن واستقامة الفكر وصحة الفهم عن الله تعالى، وهو مفتاح خشوع القلب واستحضار عظمة الله تعالى .
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله : " وما تضمنته هذه الآية الكريمة من التوبيخ والإنكار على من أعرض عن تدبر كتاب الله جاء موضحاً في آيات كثيرة كقوله تعالى " أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً "، وقوله تعالى : " أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ الْقَوْلَ أَمْ جَآءهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءهُمُ الأَوَّلِينَ "، وقوله تعالى " كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُواْ ءَايَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الأَلْبَابِ "، وقد ذم جل وعلا المعرض عن هذا القرآن العظيم في آيات كثيرة كقوله تعالى " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بآيِاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا "، وقوله تعالى " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا "، ومعلوم أن كل من لم يشتغل بتدبر آيات هذا القرآن العظيم أي تصفحها وتفهمها وإدراك معانيها والعمل بها فإنه معرض عنها غير متدبر لها فيستحق الإنكار والتوبيخ المذكور في الآيات إن كان الله أعطاه فهماً يقدر به على التدبر، وقد شكا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه من هجر قومه هذا القرآن كما قال تعالى " وَقَالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُواْ هَذَا الْقُرْءاَنَ مَهْجُوراً "، وهذه الآيات المذكورة تدل على أن تدبر القرآن وتفهمه وتعلمه والعمل به أمر لا بد منه للمسلمين، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المشتغلين بذلك هم خير الناس كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في " الصحيح " من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال " خيركم من تعلم القرآن وعلمه "، وقال تعالى " وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ "، فإعراض كثير من الأقطار عن النظر في كتاب الله وتفهمه والعمل به وبالسنة الثابتة المبينة له من أعظم المناكر وأشنعها، وإن ظن فاعلوه أنهم على هدى " . أ . هـ . " أضواء البيان " (7،256،257)
خامساً : واجب العمل بالقرآن والاحتكام إليه في أمور الدين والدنيا
المسلمون اليوم ضلوا السبيل بسبب انفراط هذا الواجب في حياتهم فاتبعوا الأهواء والأعداء، وحكّموا في أمورهم القوانين الوضعية المستوردة والمحلية .
والقرآن إنما أنزل للعمل به وتحكيم شريعته فضاعت الأمة بإضاعتها لشريعته وتبعيتها العمياء لقوانين الأعداء وتشريعاتهم التي يحكمها العجز والقصور والضلال، والله تعالى يقول : " أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ " [المائدة/50] .
أي : أفيطلبون بتوليهم وإعراضهم عنك حكم الجاهلية، وهو كل حكم خالف ما أنزل الله على رسوله، فلا ثم إلا حكم الله ورسوله أو حكم الجاهلية، فمن أعرض عن الأول ابتلى بالثاني المبني على الجهل، والظلم، والغي، ولهذا أضافه الله للجاهلية، وأما حكم الله تعالى فمبني على العلم، والعدل، والقسط، والنور، والهدى . " تفسير السعدي " (ص235)
قال الإمام الشوكاني رحمه الله : " قوله " أفحكم الجاهلية يبغون " الاستفهام للإنكار والتوبيخ، والفاء للعطف على مقدر كما في نظائره، والمعنى : أيعرضون عن حكمك بما أنزل الله عليك ويتولون عنه ويبتغون حكم الجاهلية ؟!، والاستفهام في " ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " للإنكار أيضا، أي : لا أحسن من حكم الله عند أهل اليقين لا عند أهل الجهل والأهواء " . أ . هـ . " فتح القدير " (2/48).