بسم الله الرحمن الرحيم

انحراف الشباب ومشكلاته
إن أسباب انحراف ومشكلات الشباب كثيرة متنوعة، وذلك لأن الإنسان في مرحلة الشباب يكون على جانب كبير من التطور الجسمي والفكري والعقلي، لأنها مرحلة النمو، فيحصل له تطورات سريعة في التحوّل والتقلب، فمن ثَمَّ كان من الضروري في هذه المرحلة أن تهيأ له أسباب ضبط النفس وكبح جماحها، والقيادة الحكيمة التي توجهه إلى الصراط المستقيم.



ص -11- وأهم أسباب الانحراف ما يأتي:
1 الفراغ.
فالفراغ داء قتَّال للفكر والعقل والطاقات الجسمية، إذ النفس لا بد لها من حركة وعمل، فإذا كانت فارغة من ذلك تبلد الفكر وثخن العقل، وضعفت حركة النفس، واستولت الوساوس والأفكار الرديئة على القلب، وربما حدث له إرادات سيئة شريرة يُنَفِّس بها عن هذا الكبت الذي أصابه من الفراغ.
وعلاج هذه المشلكة:
أن يسعى الشاب في تحصيل عمل يناسبه من قراءة أو تجارة أو كتابة أو غيرها، مما يحول بينه وبين هذا الفراغ، ويستوجب أن يكون عضوًا سليما عاملاً في مجتمعه لنفسه ولغيره.
2 الجفاء والبعد بين الشباب وكبار السن من أهليهم ومن غيرهم.
فنرى بعض الكبار يشاهدون الانحراف من شبابهم أو غيرهم فيقفون حيارى عاجزين عن تقويمهم، آيسين من صلاحهم، فينتج عن ذلك بغض هؤلاء الشباب والنفور منهم،وعدم المبالاة بأى حال من أحوالهم، صلحوا أم فسدوا، وربما حكموا بذلك على جميع الشباب، وصار لديهم عقدة نفسية على كل شاب، فيتفكك بذلك المجتمع، وينظر كل من الشباب والكبار إلى صاحبه نظرة الازدراء والاحتقار، وهذا من أكبر الأخطار التي تحدق بالمجتمعات.
وعلاج هذه المشكلة:
أن يحاول كلٌّ من الشباب والكبار إزالة هذه الجفوة والتباعد بينهم، وأن يعتقد الجميع بأن المجتمع بشبابه وكباره



ص -12- كالجسد الواحد، إذا فسد منه عضو أدى ذلك إلى فساد الكل.
كما أن على الكبار أن يشعروا بالمسؤولية الملقاة على عواتقهم نحو شبابهم، وأن يستبعدوا اليأس الجاثم على نفوسهم من صلاح الشباب، فإن الله قادر على كل شيء، فكم من ضال هداه الله، فكان مشعل هداية وداعية إصلاح.
وعلى الشباب أن يُضمروا لكبارهم الإكرام واحترام الآراء، وقبول التوجيه، لأنهم أدركوا من التجارب وواقع الحياة ما لم يدركه هؤلاء، فإذا التقت حكمة الكبار بقوة الشباب نال المجتمع سعادته بإذن الله.
3 الاتصال بقوم منحرفين ومصاحبتهم.
وهذا يؤثر كثيرًا على الشباب في عقلة وتفكيره وسلوكه، ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل". وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل الجليس السوء كنافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة".
وعلاج ذلك:
أن يختار الشاب لصحبته من كان ذا خير وصلاح وعقل، من أجل أن يكتسب من خيره وصلاحه وعقله، فيزن الناس قبل مصاحبتهم بالبحث عن أحوالهم وسمعتهم، فإن كانوا ذوي خلق فاضل ودين مستقيم وسمعة طيبة فهم ضالته المنشودة وغنيمته المحرزة، فليستمسك بهم، وإلا فالواجب الحذر منهم والبعد عنهم، وأن لا يغتر بمعسول القول وحسن المظهر، فإن ذلك خداع وتضليل، يسلكه



ص -13- أصحاب الشر ليجذبوا بسطاء الناس، لعلهم يُكَثِّرون سوادهم، ويغطون بذلك ما فسد من أحوالهم، وما أحسن قول الشاعر:

أبلُّ الرجال إذا اردتَ إخاءهم وتوسمن أمورهم وتفقدِ

فإذا ظفرتَ بذي اللبابة والتّقَى فبه اليدين قريرَ عينٍ فاشددِ

4 قراءة بعض الكتب الهدامة، من رسائل وصحف ومجلات وغيرها.
مما يشكك المرء في دينه وعقيدته، ويجره إلى هاوية التفسخ من الأخلاق الفاضلة، فيقع في الكفر والرذيلة، إذا لم يكن عند الشاب منعة قوية من الثقافة الدينية العميقة، والفكر الثاقب، كي يتمكن بذلك من التفريق بين الحق والباطل، وبين النافع والضار.
فقراء مثل هذه الكتب تقلب الشاب رأسا على عقب؛ لأنها تصادف أرضا خصبة في عقلية الشاب وتفكيره بدون مانع، فتقوى عروقها، ويصلب عودها، وتنعكس في مرآة عقله وحياته.
وعلاج هذه المشكلة:
أن يبتعد عن قراءة مثل هذه الكتب، إلى قراءة كتب أخرى تغرس في قلبه محبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتحقيق الإيمان والعمل الصالح، وليصبر على ذلك، فإن النفس سوف تعالجه أشد المعالجة على قراءة ما كان يألفه من قبل، وتمله وتضجره من قراءة الكتب الأخرى النافعة، بمنزلة من يصارع نفسه على أن تقوم بطاعة الله، فتأبى إلا أن تشتغل باللهو والزور.



ص -14- وأهم الكتب النافعة: كتاب الله، وما كتب عليه أهل العلم من التفسير بالمأثور الصحيح والمعقول الصريح. وكذا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ما كتبه أهل العلم استنباطا من هذين المصدرين أو تفقهاً.
5 ظن بعض الشباب أن الإسلام تقييد للحريات، وكبت للطاقات.
فينفر من الإسلام، ويعتقده دينا رجعيا، يأخذ بيد أهله إلى الوراء، ويحول بينهم وبين التقدم والرقي.
وعلاج هذه المشكلة:
أن يكشف النقاب عن حقيقة الإسلام لهؤلاء الشباب، الذين جهلوا حقيقته لسوء تصورهم، أو قصور علمهم، أو كليهما معا.

ومن يك ذا فم مر مريض يجد مرًا به الماء الزلالا

فالإسلام ليس تقييدًا للحريات، ولكنه تنظيم لها، وتوجيه سليم، حتى لا تصطدم حرية شخص بحرية آخرين عند ما يعطى الحرية بلا حدود، لأنه ما من شخص يريد الحرية المطلقة بلا حدود إلا كانت حريته هذه على حساب حريات الآخرين، فيقع التصادم بين الحريات وتنتشر الفوضى، ويحل الفساد.
ولذلك سمى الله الأحكام الدينية حدودًا، فإذا كان الحكم تحريما قال: { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا }، وإن كان إيجابا قال: { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا }.



ص -15- وهناك فرق بين التقييد الذي ظنه هذا البعض، وبين التوجيه والتنظيم الذي شرعه لعباده الحكيم الخبير.
وعلى هذا فلا داعي لهذه المشكلة من أصلها؛ إذ التنظيم أمر واقعي في جميع المجالات في هذا الكون، والإنسان بطبيعته خاضع لهذا التنظيم الواقعي.
فهو خاضع لسلطان الجوع والعطش، ولنظام الأكل والشرب؛ ولذلك يضطر إلى تنظيم أكله وشربه كمية وكيفية ونوعا، كي يحافظ على صحة بدنه وسلامته.
وهو خاضع كذلك لنظامه الاجتماعي، مستمسك بعادة بلده في مسكنه ولباسه وذهابه ومجيئه، فيخضع مثلاً لشكل اللباس ونوعه، ولشكل البيت ونوعه، ولنظام السير والمرور، وإن لم يخضع لهذا عُدّ شاذًا يستحق ما يستحقه أهل الشذوذ والبعد عن المألوف.
إذن فالحياة كلها خضوع لحدود معينة، كى تسير الأمور على الغرض المقصود، وإذا كان الخضوع للنظم الاجتماعية مثلاً خضوعا لا بد منه لصلاح المجتمع ومنع الفوضوية، ولا يتبرم منه أي مواطن، فالخضوع كذلك للنظم الشرعية أمر لا بد منه لصلاح الأمة.
فكيف يتبرم منه البعض ويرى أنه تقييد للحريات ؟!. إن هذا إلا إفك مبين، وظن باطل أثيم.
والإسلام كذلك ليس كبتا للطاقات، وإنما هو ميدان فسيح للطاقات كلها؛ الفكرية والعقلية والجسمية.



ص -16- فالإسلام يدعوا إلى التفكير والنظر، لكي يعتبر الإنسان وينمي عقله وفكره، فيقول الله تعالى: { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا }، ويقول تعالى: { قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ }.
والإسلام لا يقتصر على الدعوة إلى التفكير والنظر، بل يعيب كذلك على الذين لا يعقلون ولا ينظرون ولا يتفكرون، فيقول الله تعالى: { أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ }، ويقول تعالى: { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاّ بِالْحَقّ }، ويقول تعالى: { وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ }.
والأمر بالنظر والتفكير ما هو إلا تفتيح للطاقات العقلية والفكرية، فكيف يقول البعض: إنه كبت للطاقات ؟. { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً }.
والإسلام قد أباح لأبنائه جميع المتع التي لا ضرر فيها على المرء في بدنه أو دينه أو عقله:



ص -17- فأباح الأكل والشرب من جميع الطيبات: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّه }. { ٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }.
وأباح جميع الألبسة على وفق ما تقتضيه الحكمة والفطرة. فقال تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْر }، وقال تعالى: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَة }.
وأباح التمتع بالنساء بالنكاح الشرعي. فقال تعالى: { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً }.
وفي مجال التكسب لم يكبت الإسلام طاقات أبنائه، بل أحل لهم جميع المكاسب العادلة الصادرة عن رضى، يقول الله تعالى: { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا }، ويقول: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ }،





ص -18- ويقول: { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ }.
فهل بعد ذلك يصح ظن البعض أو قوله بأن الإسلام كبت للطاقات ؟!.