[align=justify]وطني ...
وطني لو شغلت بالخلد عنه ..
نازعتني إليه في الخلد نفسي ..

وطني .. حملتك ذات يوم .. و أنا مسافرة ..
وضعتك برفق في حقيبة سفري .. و أغلقت الحقيبة .. و أغلقت معها كل آلامك و جراحاتك .. و كل أيامي معك .. و رحلت .. رحلت حيث وددت أن أبعد و أنت معي .. ضاعت حقيبتي في طريق سفري .. فظننت أنك ضعت معها .. أرهقت نفسي بالبحث عنها مع أن ما كان بها لم يكن سوى بعض أشلاء و ذكريات قديمة ، كان بها قلم اسود كاد يجف من كثرة الكتابة فيك و مفكرة سجلت فيها كل لحظة عشتها فيك و أسميتها مفكرة الذكريات .. كما كان بها مجلة قديمة بها موضوع عنك و ألبوم لصور قديمة ، كل تلك الأشياء لم تكن بالقدر الذي يمكنني فيه أن أبحث عن تلك الحقيبة و لكن كارثتي أنك كنت بداخلها .. لست أعلم في أي صورة كنت متجسداً هل كنت في ألبوم الصور أم في المجلة القديمة أم كنت متجسداً في ذاك القلم .. لست أدري لكن ما أوقنه بأنك كنت في داخل حقيبة السفر .. أين يمكن أن أجدك أيتها الحقيبة؟؟! .
و لما أدركت أن البحث عن الحقيبة غير مجدي .. تناسيت الحقيبة و لكن طيفك لم يغب يوماً عن مخيلتي .
مرت السنوات عاماً تلو الآخر .. سنوات تمضي كلمح البصر .. و أخرى تجرجر أقدامها متثاقلة .. مرت السنين و عدت .. عدت إليك يا وطني .. عدت إنسانة بلا ملامح .. إنسانة أكلتها الغربة لحماً و سرت عدواها في عظامها.
عدت بعد كل تلك السنين التي عانيت فيها ما عانيت .. لكن لم يكن العود أحدم كما يقولون .. إذ سرعان ما حزمت حقيبة أخرى و هممت بالرحيل فقد وجدت أن كل شيء فيك قد تغير و تبدل .. لم أؤمن يوماً بأنك سوف تتغير .. و لكن ما رأيته أجبرني على أن أشد الرحال فحزمت الحقيبة ووضعت فيها أشلائي .. كان بها قلم مذهب غالي الثمن و مجلة أجنبية تحكي عن التطور الصناعي في بلاد الغرب و ألبوم صور حديث الطراز يحمل لي صوراً في بلاد الغربة و بعض الأشلاء القديمة ..
وطأت قدماي أرض مطارك وقفت مع موظف الميزان ووضعت حقيبتي كي تُزَن .. صدمتني المفاجأة وزن الحقيبة يفوق كل تصور .. زيادة خيالية في الوزن .. سألني موظف الوزن ضاحكاً عما بداخل الحقيبة.
أجبته قلم و مجلة و ألبوم صور و بعض الأشلاء .. و .. وتذكرت أخيراً بأني حملت بداخلها مليون ميل مربع دون أن أدري ..
عندها فقط أدركت بأن جذوري تنفس الحياة تحت أرضك .. و عندها فقط تركت لهم الحقيبة .. و عدت راجعة إليك يا وطني الحبيب.[/align]