يقول جساس شعرا من ضمايري فدمع عيني على الوجنات طاف
والنار في مهجتي قد أحرقت كبدي من جور قوم ما لهم أنصاف
قولك صحيح ما لنا عندة قيمة ولا كلام ونحن مـن الاشـراف
سبعة أقاليم ملك تبع حازها وعلى المدائـن والقريـات طـاف
والكرام والنخل والآثمار جمع حاز الجميع من البلدان والآطراف
روحي ياسعاد خلى ناقتك ترعى بين الروم ولست منـة أخـاف


(قال الراوي ) فلما انتهى جساس من شعرة ونظامة فرحت العجوز وانشرح صدرها فقبلت يدة وخرجت من عندة وقالت لعبدها خذوا هذة الناقة واتركوها ترعى في البستان المعروف بحي كليب واجعلوها تهدم الحيطان وتقطع الاشجار وتاكل
الاغصان واذا اعترضكم فاشتموة وسبوة واذا أقتضى الامر اقتلوة ولا تخافوا سمعا وطاعة ثم أخذوا الناقة وساروا بها الى ذلك المكان .
(قال الراوي ) وكان هذا البستان كأنة روضة جنان كثير الاشجار والفواكة والاثمار وكان كليب قد اعتنى بة حتى صار من احسن منتزهات الدنيا وكان لايسمح لاحد ان يدخل الية سوىهو وعيالة فقط فلما أخذت العبيد الناقة دخلوا بها بعد ان هدموا الحائط وصاروا يقلعوا الزهور ويكسروا أغصان الشجر وكانت الناقة تأكل العريس وأثمار الكرم وكان كليب قام حارسا يحرسة اسمة ياقوت فلما نظر الحارس تلك الفعال هجم على العبيد بالعصا وقال لهم اخرجوا ياكلاب من البستان قبل أن يحل بكم الهوان فشتموة وسبوة ثم ضربوة فهرب من بين أيديهم وجاء الى كليب وأعلمة بواقعة الحال فاغتاظ غيظا شديدا وجاء الى ذلك المكان ومعة أربعة غلمان فراى العبدين أحدهما جالس على سريرة أي الذي كان يجلس علية وقت النزهة والآخر دائر مع الناقة بين الكروم والزهور وهو يسب الامير كليب ويشتمة فعند ذلك تراكضت غلمان كليب على العبيد لتقبض عليهما فتركا الناقة وهربا فأحضرت الغلمان الناقة أمام كليب فأمر بذبحها فذبحوها وطرحوها خارج البستان وكانت عبيد العجوز تراقب عن بعد ما يجري على الناقة فلما شاهدوا ما كان م امرها رجعوا على الاعقاب وأعلموا مولاتهم بما جرى وكان وكيف أن غلمان كليب ذبحوا الناقة بامر مولاهم وطرحوها خارج
البستان فقالت الآن بلغت مرادي وأخذت ثاري من الاعادي ثم أمرت العبد أن يسلخ الناقة ويأتيها بجلدها فسلر العبد وسلخها اليها وقامت من وقتها ووضعت التراب على راسها وشقت ثيابها مع بناتها وعبيدها وجواريها وأخذت جلد الناقة وسارت بها لعند الامير جساس فدخلت علية وهو في الديوان مع الاكابر والاعيان وصارت تندب وتبكي وألقت الجد بين يدية فقال ملامك أيتها العجوز وما الذي أصابك فحدثتة في القصة وقالت لة اخر الكلام لوكنت أعلم بأن ليس لك عند ابن ربيعة قدر ولامقام
ماكنت تركت ناقتي في حماه حتى يذبحها بل أني اعتمدت على كلامك نطرا لعلمي برفعة مقامك بين اهلك واقواك حتى جرى ماجرى بسبك ثم أنشدت تقول :


تقول سعاد من قلب موجع أيا جساس غابوا في بزيلـك
أتيت اليوم مع اهلي وبعلي لحيك يا فتى نطلب جميلـك
نزلنا في جوارك يا معظم وقلنا ليس في الدنيـا مثيلـك
فقلت لهم دعوا الناقة ترعى بغيط كليب تحسبـة خليلـك
فرحت طلقتهم وسمعت قولك ذبحها جئت حالا اشتكي لك
فان كانت لكم ذمة وحرمة فانهض يا امير وشد حيلـك
فخذ حقي من الباغي كليبا ورب العرب مولانـا كفيلـك

(قال الراوي ) فلما فرغت العجوز من كلامها استعظم جساس تلك القبضة وعصفت في راسه نخوة الجاهلية وقال للعجوز أذهبي بأمان فأنا أعرف شغلي فذهبت الى خيامها واستبسرت ببلوغوسادس بيت قلت الزير أخي شديد البأس قهـار العـداه
وسابع بيت سالم كون رجال لآخذ الثار لاتعطي ونـاه
وثامن بيـت بالـك لاتخلـي لاشيـخ كبيـر ولافتـاه
وتاسع بيت بالك لاتصلح وأن صالحت شكـوت للالـه
وعاشربيت أن خالفت قولي فأنا وياك الى قاضي القضاه

ولما انتهى كليب من كلامه التفت الى العبد وقال له افعل الان ما تريد فقال والله ياأمير ما تستحق الا كل خير وان يدي لاتطاوعني على ذبحك قال اذبحني لانني في ألم شديد وعن قريب تأتي أخوتي وباقي الرجال والحريم فعند ذلك اخرج العبد السكين وانحنى عليه وذبحه من الوريد الى الوريد ولوث المنديل بدمه ورجع الى عند سيدته فأعلمها نا ثم أنه بعد هذا الكلام أشار يقول :



يقول أمير مرة من قصيد بأن العار مايمحوه مـاح
جنيت اليوم يا جساس حربا علينا في المسا والصباح
وقدت النار في بكر وتغلب يعم لهيبها كل النواحـي
أيا جساس تقتل ابن عمك كليب البرمكي ليث البطاح
أمير ما كان له مثيلا شديد البأس في يـوم الكفـاح
ايا جساس من قتل ابن عمه يبيت الليل يسهر للصباح
فسوف ترى بما جرى بنا اذا برز المهلهـل للكفـاح
فيسلب مالنا قهرا وغصبا بأطراف العوالي والصفاح


( قال الراوي ) فلما فرغ من هذا النشيد أجابه جساس بهذا القصيد وعمر السامعين يطول :


تأهل مثل أهبه ذي الكفاح فان الامـر زاد عـن التلاحـي
فأني ان جلبت عليك حربا فاني ليث حـرب فـي الكفـاح
فكيف عن الملام فلست أخشى بيوم الحرب من طعن الرماح
وأني حين تنشر العوالي أعيد الرمـح فـي أثـر الجـراح
تعدت تغلـب ظلـم علينـا بـلا ذنـب يعـد ولاجنـاح
ومالي همه ايدا قصد سـوى قتـل العـدى يـوم الكفـاح


قال الراوي ) فلما فرغ جساس من كلامه قال أبوه سوف ترى ما يحل بنا من البلاء والويل من سيف المهلهل فارس الخيل ثم صار يبكي ويتأسف ويلطم كفا على كف ثم قال لأولاده الرأي عندي أن نكتف جساس ونرسله الى الزير وأخوته ليقتلوه بثأر كليب وبهذه الوسيله تزول الفتنه وتطفي النار وتزول الاحزان والاكدار فان المصيبه عظيمة وعاقبتها ذميمه وخيمه فقالت اولاده ماهذا الكلام يابانا فهل بعد كليب غير جساس يليق أن يكون ملكا فأن كنت تحسب جساب المهلهل فما هو الا كالاهبل وليس له داب الا اكل الكباب وشرب الشراب وقال مرة العياذو بالله من كيد الشيطان الرجيم ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم ثم قال لاولاده وان اخيكم همام له عند الزير مدة ايام فنخاف ان يعلم الزير بقتل اخيه فيقتله ولا يبقيه .

( قال الراوي) وكان لهمام جاريه اسمها رباب فاستعاده مرة اليه وقال لها اقطعي البقاع وسيري الى بير السباع واعلمي همام سرا بما جرى وتجدد قولي له ان يرجع بالعجل خوفا من ان يقتل فسارت الجاريه حتى وصلت الى هناك فوجدت الزير وهمام على سفرة الطعام وهما بالكلام ويشربان المدام ويتحدثان بالكلام فلما رآها همام وثب اليها وقال ما دهاك قالت سر طويل وحزن وعويل ثم أعلمته سرا بواقعة الحال وطلبت منه المسير الى الاطلال فلما وقف على حقيقة الاحوال اعتراه الانذال وغاب عن الصواب وتبدل انشراحه بالحزن
اسد الغاب فوجدهما يتكلمان سرا ويميان عليه فعظم الامر لديه فسل الحسام وقال ماهو الخبر ياهمام فاني اراكم في قلق واهتمام واشار يقول :


يقول الزير ابو ليلى المهلهل أحس النار في قلبـي لهيـب
فقلبي موجع والجسم ناحل ولا القى الـى جسمـي طبيـب
وشاب الراس مني والعوارض فاني صرت في حال عجيب
وافكر في الزمان وشؤم فعله وهذا الدهـر يتقلـب قليـب
ايا همام الا يا ابن عمي فمالـك خائـف واقـف رعيـب
فما ابصر الحرمه تقول لك تناديـك وانـت لهـا تجيـب
اراكم تكتموا الاسرار عني كأنـي بينكـم رجـل غريـب
اراكم في حديث وفي وشاوش وبين ذا وذا امـر عجيـب
فلا تخل الامور من الحوادث يا همـام اعلمنـي تصيـب
والا افتحوا لي الباب حتى اروح عني بـدا قلبـي يطيـب


يتبع.........................

(قال الراوي ) فلما فرغ من شعره أجابه همام يقول :


يقول همام اسمع يا مهلهل فدمعي فوق الخدود سكيـب
وناري بالحشا قد أحرقتني أحس لها طي الفؤاد لهيب
أقول أنت تسمع يا مهلهل بأنك صاحبي نعم الحبيـب
فما نحن في وشاوش لاوانت بيننـا رجـل غريـب
انا واياك في طرب ولهو ولا تحسب حسابات الحسيب
جعلنا يا فتى نيت جملكم جرى دمه على نحره سكيب


فلما سمع الزير هذا الشعر توقد قلبه بلهيب الجمر وأجابه يقول :


يقول الزير يا همام اسمع ان ابن عمـي لـي نسيـب
فما لك علم في وقتك كله ولا في القضيه لـك طليـب
فقم اذهب الى اهلك يا نسيبي بلا تطويل من قلب المعيب
فتأتي أخوتي ثم يقتلونك ويدعونك على الغبـرا كثيـب
فما أقدر أن أحميك منهم وانت محب ايا نعـم الحبيـب
فلو جينا ما عيـش أكلنـا وكاسـات شربنـاه بطيـب
لكنت أمد يدي تحت سيفي وآخذ ثار أخوي عن قريـب


( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من هذا الشعر والنظام قال لهمام انت من دون بني مرة نديمي وصديقي وزوج أختي ورفيقي ليس عندك علم بهذا المنكر فلا تخاف ولاتفزع فقال همام لقد جرى القلم يا ابن العم والذي مضى ما بقى يرجع فأما تقتلني عوض عن أخيك أو تأخذ منا ما يرضيك وترفع عن الحرب والقتال وتتركنا نبقى في الاطلال فو الله صعب على هذا الامر والتهب قلبي بنار الجمر لما سمعت بهذا الخبر المهول فلا كان جساس المهار قال الزير وحق من يعرف الغيب وروح أخي كليب أني لا أرفع السيف عنكم حتى اشفي غليلي كان من الجبابرة السبعه وكان يقول وحق رب العباد لابد ان افتك ببني بكر الاوغاد واقتل الشيوخ والاولاد ولما طال المطال وهو على هذا الحال قال له شيبان بن همام دع عنك هذا الكلام واشرب المدام فانك عاجز يا خال عن هذه الفعال فمن انت من الابطال حتى تتكلم بهذا المقال وتتباهى على الامراء واكابر الناس كأبي همام وعمي جساس ثم انشد اليه يقول وعمر السامعين يطول :


انشد شيبان وقال في بيوت ودمعـي مـن عينـي طـال
خالي اسمـع مـا أقـول وحـط قولـي وسـط البـال
خلي الهرج ووطي النفس واتـرك عنـك القيـل وقـال
تقـول تكيـد بنـي مـرة وتقـتـل كــل الابـطـال
غدا يا خالي هـم يأتـوك بخيـل كثيـر ونعـم رجـال
يظهر خيول عليك تجـول ودق طبـول كمـا الزلـزال
ونرج الارض بطول وعرض ترحوا قتلي بضرب صقال
يجيء جساس قوي الباس كـذا العبـاس زكـي الحـال
وياتي عمر بخيل ضمر وصفـر ونمـر وابـو جفـال
يجي ملـك القـوم كـان بيـوم الكـون كسبـع صـال
وأخي شيبون بطل مجنون وابي همـام ان جـال ومـال
وتاتي الشوس وكل عبوس يخلوا الـروس تـلال تـلال

فلما انتهى شيبان من كلامه أجابه الزير على شعره ونظامه :


يقول الزير أواه أواه يا ابـن اختـي عقلـي زال
يولي غدا الفرسان تجيك يخوفني من أهل أنـذال
أتاريك انت عدو مبين كلامك ما خلالـي حـال
وانا العربيد بيوم نكيد للروس اكيد بطعن وعوال
اكيد الشوس اقطع الروس انا الجبار فغير محـال
وبعد كليب لابيع الروح اشلكـم بالرمـح شـلال
وبعد كليب اخلي السيف طول العمر بكم عمـال
وبعد كليب سياج البيض ما أعتق منكـم رجـال
وانت يا ابن اختي اليـوم عـدت بغيـر محـال
وابوك أغدي سيفي فيه وأعشي الرمح من الابطال

( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من انشاده نهض الغلام ليركب على جواده ويلحق بأبيه وأعمامه فضربه الزير بجامه القاه على الارض قتيل وفي دماه جديل ثم قطع عنقه ووضعه في مخلاه حصانه ولفها في قربوس السرج وتركها فسار الجواد حتى وصل الى القبيله وسار الى بيت مولاه فلما رأت أم الولد جواد الغلام وهو في تلك الصفه قالت للجاريه دونك جواد سيدك فتقدمت الجاريه وأخذت المخلاة فوجدت فيها رأس شيبان فاستعظمت ذلك الشان واعلمت بواقعة الحال فطار عقلها لما نظرت راس ابنها مقطوع فضجت بالبكاء والنواح والعويل والصياح فاجتمعت عليها نساء الحي من كل مكان ولما سمع همام الخبر طار من عينيه الشرر فبكى واشتكى وقال لزوجته ضباع نظرت ما فعل أخوك فو الله لم يبق لي غريم سواه فشقت ثيابها وسارت عند أخيها المهلهل ولامته على ما فعل وقالت اتقتل ابن أختك بثأر أخيك ثم أشارت تقول :


تقول ضباع يا سالم علامك بجاه كليـب ماسويـت بابنـي
بثأر كليب تقتل ابن أختك وتحرق مهجتي وتزيـد حزنـي
حزنت على كليب وماجرى له وحزني في صميم القلب مبني
ولكن قد حكم ربي مراده وربي مـا كتـب لـي يصيبنـي

فأجابها الزير بهذه الابيات :


يقول الزير من قلب حريق بقتل كليب زاد اليوم حزني
الا يا أخت قلي من بكاك ولا تخشين من أمر يعبنـي
فو الله ثم والله ثم والله اله العرش منذ ادعـو يجبنـي
فلا بد لي من حرب الاعادي وقتل كل جبار طلبنـي

..................يتبع
فلما فرغ الزير من كلامه قالت له الله درك ياسالم ياقهار الاسود القشاعم لقد زالت لوعتي الان وخفت عني الاحزان لما سمعت شعرك يافارس الفرسان وعرفت ما انت معول عليه من الحرب والطعن وأخذ الثأر وكشف العار ثم رجعت الى الديار وهي في قلق وافتكار هذا ماكان من امره

( قال الراوي ) ولما اشتهر موت كليب ووصل الى ابنائه الخبر وعلمت بذلك جميع أهله وبناته فمزقوا الثياب
والاكتئاب فلما طال بينهما الحديث والخطاب خرج الزير من بين الاطناب كأنه واكثروا من البكاء والانتحاب فتهتكت لوجه الملاح ووقع في الحي العويل والصياح وكسرت الفرسان السيوف والرماح وخرجت بنت كليب من الخدور وهن مهتكات الستور نشرت الشعور حافيات الا الاقدام يقطعن السهول والاكام وقدامهن اختهن اليمامه وكان ذلك اليوم مثل يوم القيامه ولما وصلن اليه وجدن الطيور حائمات عليه فوقعن على جثته وقبلن يديه وارتمين حواليه ولما قرأنا ذلك الشعر الذي كتبه على الصخرة زادت احزانهن واخذن يلطمان على وجوههن ثم اقبلت اخوة كليب الى ذلك المكان وازدحمت الرجال والنسوان والابطال والفرسان والسادات والاعيان يرثوه بالاشعار واجروا لهيب نارها سوء البطل الاوحد والسيف المهند والصحصاح الشهير الذي ليس له في ذلك العصر نظير عمها المهلهل الملقب بسالم الزير فسارت هي واختها اليها وتوقفت عليه فقالت والله ياعماه مكانك حزنان بما جرى علينا وكان من طوارق الزمان يقتل اخيك ملك العصر والاوان ثم القت نفسها غميانه في حجره وضمها الى صدره وقد حار في امرها ولما افاقت اشتدت عليها الحسرات فأنشدت هذا الابيات :



مات ابي ياعمي من طعن القنا غدر به جساس ذا الكلاب المشوم
وانت اليوم جالس في صفاك يا مهلهل بالعجـل انهـض قـوم
يا مهلهل ضاقت الدنيا علي وساقني البيـن كاسـات السمـوم

( قال الراوي ) فلما فرغت اليمامه من هذا الشعر والنظام زادت على المهلهل الاوجاع والالام فنهض على الاقدام سبع الاجام وصار النهار في وجهه مثل الظلام قال لبنات اخيه سوف ترون ما افعله واجريه ثم اعتد بأله حربه وجلاده فركب ظهر جواده وسار مع البنات يقطع الاراضي والفلوات حتى وصل الى ذلك المكان فوجده مملؤ بالابطال والفرسان والبنات والنسوان وهم يبكون ويلطمون وينحون ويندبون فلما رأوا المهلهل قد اقبل فتحوا له الطريق حتى دخل فوجد أخاه وهو مطروح والدماء من جسده تقطر وتسوح والناس واقفه حواليه فألقا نفسه عليه وهو يبكي ملء عينيه ويقول سلامتك ياأمير اليمامه ياصاحب الجهه والكرامه فقد احرقت قلبي بفقدك فلا كان من عيش بعدك ولما اشتد عليه الامر ارته اليمامه وصية أخيه المكتوبه على الصخره فقرأها وقال وحق الاله المتعال اني لا اصالح الى الابد مادامت روحي في هذا الجسد ثم بكى وتنهد ورثاه بهذه القصيده أم السادات واكبر العمد وهي من أجود مراثي العرب واحسن الاشعار أهل الفضل والادب :


كليب لاخير في الدنيا وما فيها ان انت خليتها لم يبقـى واليهـا
فيها تنعي النعاة كليبا فقلت له مالت بنا الارض أم مالت رواسيها
ليت السماء على من تحتها وقعت حالت الارض فاندكت أهاليها
الناحر النوق للضيفان يطعمها والواهب الميتة الحمراء براعيهـا
الحلم والجود كانا من طبائعه ماكل اللطافـه ياقـوم تحصيهـا
ضجت منازل بالخلان قد درست تبكي كليب نهار مـع لياليهـا
كليب اي فتى زين ومكرمة تقـود خيـلا الـى خيـل تلاقيهـا
تكون اولها في حين كرتها وانت بالكـر يـوم الكـر حاميهـا
غدرك جساس ياعزي ويا سند وليس جساس من يحسب تواليها
لا أصلح الله منا من يصالحهم حتى يصالح ذيب المعز راعيهـا
وتوالد البغله الخضرا خدالجه وانت تحيـا مـن الغبـرا تاليهـا
ويحلب الشاة من اسنانها لبن وتسرع النوق لاترعـى مراعيهـا



( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من هذا المرثيه الغراء وسمعته السادات والامراء تعجبوا من فصاحة لسانه وقوة قلبه وجنانه ومااحتوة اليه من الالفاظ الرقيقه والمعاني البليغه الدقيقه وقالوا والله لقد جاد سالم الزير وفاق على الاشعار والمشاهير بهذا الكلام الذي هو كالدر النظير ثم اجتمع الامراء المقدمين وقالوا للعرب المجتمعين انها ماعاد ينفع البكاء والانتحاب وان اكرام الميت دفنه في التراب ثم أتوبكليب الى الديار ودفنوه بكل أحترام واعتبار واحتفال ووقارو رثوه
بنفائس الاشعار وبنوا على قبره قبه من أعظم القبب وطلوا حيطانها بالذهب والفضه فكانت من العجب في بلادالعرب زخرفوها بالنقش الفاخر كتبوا على حيطانها اسماء الاله القادر .
(قال الراوي ) وبعد أن تلو أسماء الاله القادر وسمعتها السادات ورؤساء العشائر دفنوا الامير
كليب كما تقدم الكلام ذبح الزير على قبره النوق والاغنام وفرق المال والطعام على الارامل
والآيتام ثم جلس في الديوان وجميع الآكابر والآعيان وأبطال الميدان والفرسان واخوانه الشجعان وقال أعلموا أيها الآمراء والساده الكرام أن جساس أهانكم وقتل ابن عمكم وملككم
فاستعدوا لاخذ الثار وكشف العار من بني بكر الاشرار فلما سمعوا منه هذا الكلام أجابوه الى ذلك المرام وقالوا عن فرذ لسان أننا بين يديك ولا نبخل بأراوحنا عليك لان الامير كليب لاينتهي ولم تلد ةمثله النساء ثم انهم تحالفوا معه وعاهدوه على الكرسي المملكه وبايعوه واجلسوه فلما تملك على القبيله طرد امراه اخيه الجليله فسارت الى بيت ابيها وجواريها وكانت جليله بولد ذكر سوف يأتي عند الخبر واستعد الزير من ذلك اليوم لقتال القوم وحلف بأعظم الاقسامه بأنه لايشرب المدام ولايلتذ بطعام حتى يأخذ يأخذ ثأره بعد الحسام وينتقم من بني بكر أشد الانتقام
او انه يموت تحت ارجل الخيل ولايبالي بالويل ثم امر الرؤساء والقواد بجمع العساكر والاجناد
وان يكون في استعداد للحرب فامتثلوا امره في الحال وتجمعت الفرسان والابطال حتى امتلات الروابي والتلال وكانت قد انضمت اليه عدة قبائل وامدوه في العساكر والجحافل حتى سار في لأربعمائة الف وقال لما بلغ بني بكر هذا الخبر اعتراهم القلق والضجر وخافوا من العواقب وحلول النوائب فجمعوا المراكب والكتائب وسار بهم الامير الى الذئاب وهومكان شهير يبعد ثلاثه أيام عن قبيله الزير وهناك أنضمت اليهم بعض القبائل من العربان فكانوا نحو ثلاثمائه
ألف واقاموا في ذلك المكان ولما سمع الزير برحيل مرة واولادة الى الديار قال لا بد أن اقتفي الاثار وافني الكبار والضغار ثم امر الفائد الكبير بسرعه المسير فامتثلوا ماامره وفعلوا ما ذكرة وفي الحال دق طبل الرجوع فارتجت منه السهول والمروج وهو الطبل الذي كان لتبع حسان ولم
تكن الا ساعه من الزمان حتى ركبت الابطال والفرسان وركب المهلهل متسربلا بالسلاح كأنه
ليث الغاب وعلى راسه الرايات والجنود ومن حوله ......



واتمنى ان تنال على اعجابكم وارجو منكم تثبيته ولكم جزيل الشكر والتقدير,,,,,,,,,,


الكاتب


:23ar: {}{اخـــ القمر ــــت}{} :23ar: