(( إلــى عَـــالـــَم لـــــورانس ))
في لحظةٍ من اللحَظاتِ غَزتِ الهُمُومُ أَوطَاني . . .
وتَسَلَّقَتِ الغُمُومُ حُصُوني . . .
هَاجَمَتْني بِكُلِ قُوَاهَا . . .
تَوَشَّحَتْ سَمَائي بِعَبَاءَةٍ سَوْدَاءَ . . .
حَاولتُ أنْ أُبْصِرَ نَفْسِي فَمَا اسْتَطَعْتُ إلى ذَلك سَبِيل . . .
تَلَمَّستُ أَنْوَارَ الأفرَاحِ فَلمْ أَجِدْهَا ، وَبَحَثْتُ عَنْ مَصَابِيحِ السَّمَاءِ فَلَمْ أُشَاهِدْهَا . . .
إِنَّهَا غَمَامَةٌ شَمِلَتْ أَوْطَاني ، وَأرْهَقَتْ تَفْكِيِري . . .
حَاوَلَتِ الهُمُومُ أَنْ تَقْذِفَ عَلَيَّ مِنْ زَفَرَاتِهَا المُمِيتَه ، وَنَظَرَاتِهَا القَاتِلَه . . .
فِعْلاً لَقَدْ أَصْبَحْتُ يَتِيْماً …
يُتْمٌ . . . مَا أَقْسَاهُ ! وَمَا أَشَدَّه !!
إِنَّهُ يُتْمُ أَبٍ يُسَمَّى بِـ (( الأفْرَاح )) . . .
خَاطَبْتُ نَفْسِي فَلَمْ تُجِبْنِي . . .
لَقَدْ كَانَتْ سَابِحَةً فِي خِضَمِّ بَحْرٍ مُتَلاطِمٍ مِن الغُمُوم . . .
بَذَلْتُ وِسْعي لإنْقَاذِهَا . . .
لَمْ أَسْتَطِعْ . . .
إذْ لا قَوَارِبَ نَجَاة حَوْلِي . . .
صَرَخْتُ بِأعْلَى صَوتِي مُنَادِياً إِيَّاهَا فَلَمْ تُخَاطِبْنِي . . .
تَوَسَّلْتُ إِليهَا فَلَمْ تَرْحَمْنِي . . .
تَقَطَّعَتْ أَوتَارِي أَوْ كَادَتْ . . .
تَحَطَّمَتْ آمَالِي أو شَارَفَتْ . . .
نَظَرَاتِي اِرْتَبَكَتْ . . .
أَضْحَتْ ظَلاماً بَعْدَ نُور . . .
فِرَاشِي أَصَبَحَ جَلِيداً بَعْدَ لِيُونَه . . .
مَنَاظِري الجَمِيْلَةُ تَاهَتْ في مُسْتَنْقَعِ الهُمُومِ وَالأحْزَان . . .
كُتُبِي مَوْطِنُ أُنْسِي عَنِّي احْتَجَبَتْ . . .
قَلَمِي صَارَ أَسِيرَ غُمُومِي . . .
لَمْ يَنْطِقْ . . .
لَمْ يُحَرِّكْ شَفَتَيه . . .
دَمَهُ جَفَّ . . .
فِعْلاً . . .
أَصْبَحَ صُمّاً . . .
أَصْبَحَ بُكْماً . . .
أَصْبَحَ عُمْياً . . .
عَينَايَ . . . جُزْءُ مِنِّي
(( أَلِفْتُهَا وَألِفَتْنِي ))
مَا أَدرِي مَا خَطْبُهَا !!!
ذَبُلَتْ . . .
غَارَتْ . . .
جُفُونُها تَهَدَّلَتْ . . .
جَسَدِي أُنْهِك . . .
أُتْعِبْ . . .
أُرْهِق . . .
أَمْرِي عَجَبٌ . . .
وَضْعِي قَلِقٌ . . .
* * * * * *
وَبَيْنَمَا أَهِيمُ فِي غَيَاهِبِ الأحْزَانِ وَالهُمُوم . . .
إِذَا بِطَارِقٍ يَطْرُقُ بَابِي . . .
طَرْقٌ يُشْبِهُ نَبَضَاتِ القَلب . . .
شُدِهْتُ . . .
وَقَفْتُ . . .
تَسَاءَلت :….
مَنْ تَسَوّرَ دَارِي ؟
مَنْ وَصلَ إلى غُرُفَاتي ؟
ظَلَلْتُ أُفَكِرُ ، وَالخَوفُ يَهُزُّ جَوَانِحِي . . .
يَاتُرَى . . .
أَهِي نِهَايه ؟
حَلَّتْ . . .
قَرُبَتْ . . .
لا أَدْرِي . . .
مَا أَشَدَّهَا مِنْ آلام !
زَادَتْ عَليَّ الهُمُوم . . .
لا أَدْرِي مَاذَا أَفْعَل !
هَل السَّيَّافُ عَلى بَابِي أَو العَدُوُّ غَزَانِي ؟
حَــــاوَلْتُ أَنْ أَسْتَجْمِعَ رِيقِـي ؛ كَي أبُثَّ الطُّمَأنِينَةَ في نَفْسِي . . .
قَرُبْتُ مِن البَاب . . .
أَمْسَكْتُ بِمِزْلاجِه . . .
خِفْتُ . . .
تَرَكْتُه . . .
تَرَاجَعْتُ . . .
تَرَدّدُ عَجِيب . . .
خَوفاً من عَالَمِ المَجْهُول . . .
عُدتُّ إِلى بَابي مَرَةً أُخْرى . . .
عَزَمتُ أَمْري . . .
كَانَتْ يَدَايَ تَرْتَجِفَان . . .
أَصَابِعِي تَقَوْقَعَتْ عَلى بَعْضِهَا خَوفاً . . .
مِيَاهُ الخَوفِ تَجْرِي فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ جَسَدِي . . .
إِنَّهَا خَالِيةٌ مِن العُذُوبَه . . .
لا أِدْرِي كَيفَ أَصِفُهَا . . .
لا بَارِدَةٌ فَتُسَكِّنْ أَحْزَاني . . .
وَلا حَارَّةٌ فَتُقَوِّي عَزِيمَتي . . .
عَجِيُبٌ أَمْرُها . . .
* * * * *
وَبَعْدَ صِرَاعٍ طَويلٍ حَاوَلْتُ فَتْحَ البَاب . . .
فَتَحْتُ جُزْءاً مِنْه . . .
وَجِسْمِي مُرْتَمٍ عَلَى جُزْئِهِ الآخَر . . .
رَفَعْتُ عَيْنَيَّ الذَّابِلَتِينِ . . .
وَإذَا بِشَخْصِ لأوَّلِ مَرَّةٍ أَلْتَقِيه . . .
مَلامِحُهُ غَرِيبَه . . .
قَسَمَاتُ وَجْهِهِ عَجِيبَه . . .
زَادَنِي خَوفاً عَلَى خَوف . . .
وَحُزْناً عَلى حُزن . . .
ظَلَّ صَامِتاً . . .
يَنْظُرُ إليّ . . .
سَأَلْتُه . . .
مَنْ تَكُون ؟
لَمْ يُجْبْنِي . . .
لَمْ يُعِرْنِي أَيَّ انْتِبَاه . . .
جَلَسَ يَنْظُرُ فِيَّ . . .
في تَكْوِيني . . .
يَتَفَكَّر . . .
يَتَأمَّل . . .
* * * * *
وبَعْدَ تَأمّلاَتِه المُخِيفَه . . .
أَدْخَلَ يَدَهُ في جَيبِه . . .
خِفُت . . .
أَصَابَتْني رَوعَه . . .
أَخَرَجَ رِسالَه . . .
لَيسَتْ أيَّ رِسَاله . . .
رِسَالَةٍ نَاصِعَةِ البَيَاض . . .
ذَاتِ رَوْنَقٍ لَمْ تَرَهُ عَينَاي . . .
فِيهَا نُور . . .
لَمْ أَحْظَ بِرؤيَتِه قَبْلُ . . .
وَضَعَهَا عَنْدَ عَتَبَة بَابِي . . .
لَمْ تُبَاشِر يَدَه يَدِي . . .
أَرَدْتُ أَنْ أَسأَلَه :….
كَيفَ جِئْتَ ؟
كَيفَ تَسَلَّقْتَ أَسْوَاري ؟
مِمَّنَ هَذهِ الرِّسَاله . . .
أسْئِلَةٌ كَثِيره . . .
لَمْ يُمْهِلِني . . .
وَفَجَأه . . .
وَبِلَمْحِ البَصَر . . .
إذَا بي لا أَرَى أَمَامِي شَيئاً . . .
* * * * *
أَخَذتُ الرسالة . . .
جَلَسْتُ أَنْظُرُ فيها . . .
فِي طَوَابِعِها . . .
لأحَدّدَ مِنْ أَيِّ مَكَانٍ جَاءَتْ . . .
لَم أُبصِر سِوى رُمُوز . . .
رُمُوزِ المُرْسِل (( صادٌ بَاء ))
فَتَحتُ الرِّسَاله . . .
لَيسَتْ أَيَّ رِسَالةٍ أَفْتَحُها . . .
عَينَايَ تَحَليَتا بِقُوَّةٍ لَمْ أَعْهَدْهَا . . .
تَأَمَّلتُ فِيهَا . . .
فِإذَا مَكْتُوبٌ فِيهَا هَذِه السُّطُور . . .
(( إلــى عَـــالـــَم لـــــورانس ))
أخِي صَاحِبَ الأحْزَانِ والهُمُوم . . .
سَلامٌ مِن اللهِ عَليكَ وَرَحْمَةٌ مِنْهُ وَبَركَة . . .
تَحِيَّةٌ جَمِيلَةٌ . . مُتَنَاسِقَةُ الحُرُوف . . رَائعَةُ الأدَاء . . مُتَمَاسِكَةُ الأطْرَاف . . عَذْبَةُ المعَاني . .
حَوَتْ أَلْطَفَ الكَلِمَات ، وَألذَّ المُكْتَسَبَات . . .
تَحِيَّةٌ تَحْمِلُ صَاحِبَها إلى عَالَمِ الأمَانِ وَالاطمِئنَان . . .
إلى عَالَمِ الصَّفَاء . . .
إلى عَالَمِ السُّمُوِ بالنَّفْسِ وَالفُؤَاد . . .
فَمَا أَجَمَلَها مِن عِبَارَه
وَمَا أَحْسَنَهَا مِن تَكْوِين
* * * * *
صَاحِبَ الأحْزَانِ والغُمُوم . . .
أَنَا بِدُوني تَصْعُبُ الأشَيَاء . . .
كُلٌّ يَحْتَاجُنِي عَلَى سَوَاء . . .
بِدُوني لا يَنْتَصِرُ الشُّجْعَان . . .
وَلا تُشيَّدُ البُلْدَان . . .
وَلا ينُتْجُ المُبْدِعُون . . .
وَلا يَفُوزُ العَامِلُون . . .
بِدُوني لا تُبْنَى الحَضَارَات . . .
وَلا تَقُومُ العِمَارَات . . .
وَلا تُصْنَعُ الطَّائرَات . . .
وَلا الدَّبَّابَات . . .
وَلا السَّيَّارَات . . .
وكُلُّ مَا هُوَ آت . . .
إنَّني الهَوَاءُ . . .
مَنْ فَقَدَني مَات . . .
وَمَنْ اسْتَغْنَى عَنّي فَهُوَ في أَسْوَءِ السَّاعَات . . .
إِنَّني سَهْلٌ صَعب . . .
جَمَعْتُ المُتَنَاقِضَات . . .
وَمَعَ هَذا فَأنَا مُهِمٌ للأرواح ، وَمغَذٍ للنُّفُوس . . .
أَمْنَحُ الاسْتِقْرَارَ وَالأمَان . . .
أَفْتَحُ الآفَاقَ مِنْ جَدِيد . . .
إنَّني عَدُوّ اليَأْسِ وَالقُنُوط . . .
أَحْمِلُ بِسَاطَ الحَيَاةِ الجَمِيلَه …
بِي تُشْرِقُ لِلآخَرِينَ الأيَّــام ؛ لأطْرُدَ كُلَّ جَرَاثِيمِ القُنُوط …
بِي يُشَقُّ عُبَابُ البِحَار . . .
لأنَّ أَصْدَافي جَمِيله . . . وَلآليء فَرِيدَه . . . وَمَكْنُونَاتِي عَجِيبَه . . .
أَكْسُو جَمَالَ الحيَاه . . .
وَأَخْلَعُ قَبِيحَ السِّمَات . . .
سُفُني لا تَخَافُ الأمَوَاج . . .
وَلا تُبَالي مِنْ تَجَمُّعِ الأفْوَاج . . .
بِي تَخْضَرُّ الأرْضُ . . .
لا تَصفَرّ . . .
فَتُعْطِي مِن خُضْرَتِهَا الصَفَاءَ للنُّفُوس . . .
وَمِن أَغصَانِهَا طِيبَ الحَيَاه . . .
وَمِن ثَمَرَاتِهَا رَوَعَةَ الخِتَام . . .
فَلِمَاذا لا أَعْتَزُّ بِنَفْسِي ، ولا أَثِقُ بِقُدُرَاتي ؟
مِنِّي تَخَافُ الأعدَاء . . .
وَيَتَقَوّى بِي الضُّعَفَاء . . .
إِنَّني طَارِدُ الأحْزَان . . .
مُيَتِّمُهَا . . .
قَاتِلُهَا . . .
فَهَلْ تَحْفَلُ بِصُحْبَتِي ؟
اِجْعَلْنِي مَعَكَ رَايَةً
اِحْمِلْهَا دَوْماً . . .
اِرْفَعْني عِزّاً . . .
اِقْهَرْ حُزْناً . . .
اِرْمِ هَمّاً . . .
أَبْعِدْ غَمّاً . . .
رَايَتِي جَمِيلَة . . .
لَيْسَتْ سَودَاءَ كَرَايَةِ الهُمُوم . . .
إنَّهَا بَيْضَاءُ نَاصِعَة . . تُحَرِكُهَا رِيَاحٌ طَيِبةُ النَّسِيم . . جَمِيلةُ الغُدُو وَالرَّوَاح . .
مَعِي قَطَرَاتُ النَّدَى أَسْقِي بِهَا القُلُوبَ العَلِيلَة . . .
وَأَرْقَى بِالنُّفُوسِ الضَّعِيفَه . . .
فَمَا أعْظَمَني
فَهَلْ تَعْرِفًنِي يَا صَاحِبَ الأحْزَان ؟
* * * * *
صَاحِبَ الأحْزَان . . .
حُرُوفِي جَمِيلَةٌ رَقِيقَه . . .
كُلُّ جُزْءٍ مِنِّي يَحْمِلُ مَعَنى . . .
فَهَلْ أَدْرَكْتَنِي . . .
* * * * *
أَوَّلُ حَرْفٍ مِنِّي (( صَاد )) . . .
صُمُودٌ في مُوَاجَهَةِ الحَيَاةِ الكَئِيبَه . . .
فَأنَا أَحْمِلُ العَزِيمَةَ بَينَ كَيَانِي . . .
صَادِقٌ مَعَ مَنْ يَحْمِلُنِي . . .
صَانِعٌ لِلمَعْرُوفِ لِمَنْ يُخَالِطُني . . .
صَائِدٌ لأجَمَل مَا في الحَيَاةِ مِن الطُّيُور . . .
صَاعِد بِهِمَمِ الآخَرينَ نَحوَ المعَالي . . .
صَالِحٌ في نَفْسِي مُصْلِحٌ غَيرِي …
وِثِاني حُرُوفي (( باء )) . . .
بُعْدُ عَنْ عَالَمِ الهُمُومِ وَالأحْزَان . . .
بَرَاءةٌ مِن اليَأسِ وَالقُنُوط . . .
بَارِقَةُ أَمِلٍ نَحْوَ مُسْتَقْبَلٍ مُشْرِق . . .
بَاسِمٌ في وَجْهِ الحَيَاه . . .
بَانِي أَمْجَادِ العُظَمَاء . . .
* * * * *
وَثَالِثُ حُرُوفي (( راء )) . . .
رُؤْيَةٌ لِجَمَالِ الحَيَاه . . .
رَائِدٌ في العَطَاء . . .
رَاسِمٌ أَحْلَى الأمَاني . . .
رَؤوفٌ بِأصحَابي . . .
* * * * *
وَأمَّا حَرَكَاتي وَسَكَنَاتي . . .
فما أَحلاهَا ..
صَادِي مَفْتُوحَة . . .
حَرَكَةٌ جَمِيلَةٌ خَفِيفَه . . .
تَعْنِي تَنَفُّس الهُمُوم . . .
وَانْفِتَاحاً نَحْوَ عَالَمِ الجَمَالِ وَالسَّعَادَه . . .
وَبَائي سَاكِنَة . . .
أَبْعَثُ لِحَامِلي الهُدُوءَ وَالطُّمَأنِينَةَ وَالسُّكُون . . .
وَرَائي مَضْمُومُة . . .
أَضُمُّ الهُمُومَ وَأَرْمِيهَا لأبْعَثَ الحَيَاةَ مِنْ جَدِيد . . .
(( لـورانس .. هذه رسالتي الأخيرة إليك ))
بقلـــــم .. التـــــــواقــــــة
.........
فائق أمنياتي
لـــورانس
التـواقــة ..
رمز لإمرأة وهمية من صنع خيال لورانس .. وربما كانت ساكنة في إحدى زوايا الزمن .
مواقع النشر (المفضلة)