أن نَعْلَق في زحمة السير ونحن على عجلة من أمرنا، أن نُغْلِق باب السيارة وننسى المفاتيح داخلها، أن ننال تأنيباً من المدير بسبب تأخُّرنا ربع ساعة صباحاً، أن ننادي ابننا للمرة الرابعة ولا يجيب.. أمور يومية تكاد تفقدنا أعصابنا لنتفجَّر غضباً.

لا شك أن ضغوط الحياة العصرية باتت تؤثر في كل الناس وتضعهم في قبضة التوتُّر، حتى إن نسبة واحد إلى أربعة من سكان المدن يشعرون بغليان داخلي يجعلهم عرضة للانفجار في أي لحظة وفي أي مكان.

في الواقع، يُعتبر الغضب من المشاعر الأساسية والضرورية، لكن طريقة تعاملنا معه هي التي تجعل منه إماً بنَّاءً وإما مدمِّراً. صحيحٌ أن المنطق الشعبي يرى أن عدم كبت الغضب في الداخل أمر صحي يتيح التخلص من التوتر والتراكم الداخلي، لكن التعبير عنه من خلال الصراخ والتكسير والعنف يؤثر سلباً في الشخص نفسه وفي عائلته والمحيطين به.
من هنا ضرورة التزام طريق للتحكُّم في الغضب والسيطرة عليه، وهي ترتكز على خمس خطوات تسهل عملية استيعابه، ويمكن لكل فرد اعتمادها عند الحاجة، وهي:

1- خُذْ نفساً عميقاً: مهما بدت هذه الطريقة بسيطة لكنها تساعد حقاً على تهدئة الغضب، فالجسم في حالة التوتر هذه يفرز الأدرينالين الذي يهيئه للمعركة، فيزيد من ضربات القلب وضغط الدم. أخْذُ نفس عميق يعيد النمط الطبيعي لدقات القلب، ما يرسل إشارة إلى الدماغ بأن الجسم لم يعُدْ في حاجة إلى الأدرينالين.

2- ابتعد قليلاً عن مكان الأزمة: حين تشعر أن غضبك في تصاعد حاول أن تبتعد عن المكان الذي بدأتَ تتوتر فيه، وامنح نفسك الفرصة لاستعادة السيطرة على أعصابك. اذهب إلى الشرفة أو إلى دورة المياه، خُذْ نفساً عميقاً واغسل وجهك بالماء. عندما تجد أنك أصبحت قادراً على التفكير بوضوح عُدْ وواجه الأمر.

3- عبِّر بوضوح عما أثار غضبك: فأن تغضب بلا سبب لمجرد أن أعصابك متعبة، وتبدأ في إلقاء التهم وتعميمها على الآخرين، لا يفيد في تهدئة الأمور والوصول إلى حل. اذكر ما الذي حصل بالضبط، وإذا كان الآخر على خطأ فلا شك أنه سيعترف بذلك، وإذا كان على صواب فتفسيره سيساعد في توضيح الأمور بينكما. أما أن تبدأ بالشتم والصراخ والكسر فالنتيجة تكون مواجهة مماثلة من قِبل الآخر.

4- استعمل دفتر مذكرات يومية: إذا كنتَ تجد أن نوبات الغضب التي تجتاحك تتوالى في وتيرة متسارعة فمن الأفضل أن تنقل غضبك إلى الورق، فتعبِّر عنه من خلال الكتابة، بذلك يصبح بإمكانك فهم مشاعرك والتعامل مع الضغينة بشكل أفضل. بعدها، تفاهم بهدوء مع مَن سبَّب غضبك وتعامل بوعي مع السبب كي لا تتأذى أنت أو مَن حولك.

5- تعرَّف الظروف التي تجعلك أكثر عرضة للغضب: حاول أن تدرس الوضع فيما بعد وتعرَّف العوامل التي ساهمت في إشعال غضبك. فمثلاً، إذا لمستَ بعد التجارب أن التعب أحدها تجنَّب الجدال مع الآخرين في أوقات مماثلة. استأذنْ منهم بتأجيل النقاش إلى وقت تكون فيه مرتاحاً ومستعداً، ولكن التزم بهذا الموعد كي لا تبدو متهرِّباً.

أخيراً، إذا وجدتَ أن الغضب أصبح من طبعك، وأنه بات وسيلتك الوحيدة للتعاطي مع معظم أمور حياتك، فاعرف أنك في حاجة إلى مساعدة اختصاصي في علم النفس قادر على معرفة الأسباب الدفينة والمكبوتة لغضبك، فيعينك على إيجاد أفضل الحلول.