[moveo=left]# الفلسفة الإســلاميــة .[/moveo]





أصولا لكل شيء في الحياة فلسفة، العلم له فلسفته التي ترجعه الى مجموعة من المقولات الأولية والمسلمات العقلية وتحدد له إطاره النظري وترسم له أفقا للحركة نحو الأمام والتطور، والتربية لها فلسفتها التي تحدد مرجعيتها وأهدافها ووسائلها، والدين له فلسفته التي تنمو على حواشيه وأطرافه لتدعم النقل بالعقل ولتبارز أهل صنعه الكلام بأسلحتهم نفسها، والسياسة لها فلسفتها التي لا تمل من تقنيع المنافع والمطامع بالأخلاق والفضائل، والإصلاح أخيرا لا بد له من فلسفة تحدد هويته وترسم ملامحه.

والفلسفة تعبير يقصد به حركة العقل الموضوعي أو غير الموضوعي للوصول الى نتيجة يراد إثباتها ونشرها وتعميمها، فالفلسفة لم تكن يوما موضوعية وحيادية وغير منحازة، من هنا تشكل الطيف الواسع من الفلسفات المادية والروحية، الدينية واللادينية، الأخلاقية والبوهيمية، الأمر الذي يجعل المرء أقرب الى الشك في سعي الفلاسفة نحو الحقيقة، بل ان بعضا من الفلسفة الحديثة رأى أن أهم هدف يمكن ان يسعى إليه هو الطعن في الفلسفة وحركة العقل وإمكانية الوصول الى الحقيقة في حال وجودها.

إسلاميا نشأ علم الكلام باعتباره أصل الفلسفة الاسلامية قبل ان يتم الاتصال باليونان على أيدي المعتزلة، ثم جاءت فترة الترجمة والنقل عن اليونان والرومان، والهند، فبدأت المعرفة الإسلامية تصطبغ بصبغة هذه الفلسفات الى حدود تم فيها تجاوز الأصول المعتمدة في النصوص الاسلامية، مما ادى في النهاية الى ردود أفعال “سلفية” عنيفة أجهزت على الكيان الفلسفي الإسلامي بالكامل. إلا أننا يجب ألا ننسى أو نتناسى أن الفلسفة الإسلامية بقيت تعبر عن نفسها في مصنفات العقيدة وعلم التوحيد، وفي التصوف بجميع ألوانه، وفي فلسفة إسلامية أصيلة نقضت فلسفة اليونان ومنطقهم كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية.

في العالم اليوم غلو في الزهد بالفلسفة أو في التظاهر بهذا الزهد، فالعلم لم يعد يسيره الإنسان بقدر ما يسير هو الإنسان، والتضاعف المعرفي راح يعصف بالتأمل وبالتفلسف وبالحاجة إليهما.

والدين في الغرب يشهد تقهقرا امام العلمانية الى جانب صحوة روحانية غير عقلية في القواعد الشعبية، والتربية ابتدعت لنفسها علما ادعت أنه استقل عن الفلسفة مع كونه غارقا حتى أذنيه في الفلسفة، أما في بلادنا العربية والإسلامية فمنذ الرعيل المحترم من فلاسفة المسلمين كابن رشد وابن سينا والفارابي أصيبت الفلسفة العربية الإسلامية بالعقم، وتحول المشتغلون في الفلسفة بعدهم الى مجرد مترجمين وناقلين للتجارب الفلسفية العالمية.

على الرغم من ان الفلسفة عبر تاريخها لم تنج يوما من التحيز ولم توصف يوما بالحيادية، فإن تراجعها في زماننا هذا مؤشر خطر لأنه يعني نزع الصبغة الإنسانية والعقلية عن أي حركة بشرية، فلا يمكن للفلسفة أن تعيش في زمن عولمة قائم على الجري واللهاث دون مجرد التقاط للأنفاس. ان العولمة تعني فقدان المعنى والاستسلام لأمواج المعارف والمعلومات والبضائع والسلع وحتى القيم من بنات “التغول” الإمبريالي.

ونحن اليوم مدعوون الى ورشة الإصلاح لا يمكن ان نستسلم لثقافة عالمية تتقهقر فيها الفلسفة أمام مد الفوضى والعشوائية والتسليم لقارونية المال وفرعونية القوة، إصلاحنا يجب ان يبدأ بتحديد هويتنا وثقافتنا وديننا والقصد من وجودنا في هذه الحياة، وهذا يعني “تفلسفا” في زمن نهاية الفلسفة وموتها. ولكنه يعني في الوقت نفسه تفلسفا ليس لمجرد التفلسف والدوران حول النفس، إنه تفلسف من يبحث عن معنى وجوده بعيدا عن حكمة أو جنون الآخرين.

لم تزدهر الفلسفة العربية إلا عندما كانت فلسفة إسلامية، ولن يجدي إصلاحنا إلا إذا قام على مرتكزات فلسفة إسلامية، وإذا نزعت العولمة اليوم الى تحويل البشر الى قطيع تحركه شهواته أو غريزة الانقياد فيه وراء الأقوى. فإننا سنجلس على مصطبة الزمن لقليل من الفلسفة يجعل إصلاحنا ناجعا وحاميا لهويتنا في الوقت نفسه.