[align=center] بابا مات ...! ، بابا مات ....! أخيراً بدأت أميز الأصوات من حولي وأصبحت قادراً علي تجميع الحروف لأصنع منها كلمات ...، لكن ما هذا الصخب ؟َ! ما هذه الوجوه التي تجيش بالبكاء ويرددون هذه الكلمات الغريبة ...، ما معني - بابا - وماذا تعني - مات - ؟!


الخميس 1 يناير

أيامٌ مضت ...، لم أشعر بجديد إلا أن هذا الضجيج قد انخفض بعض الشيء ....

و بدأت أشعر بغياب ذلك السائل الأبيض -اللذيذ- الذي أرتوي منه والمحبب إلي قلبي ...، فقد تم إستبداله بسائلٍ أخر أقل -لذة- يُفرزُ من - لعبة - بلاستيكية غريبة ...

الإثنين 5 يناير

أيامٌ أخري مضت وأصبح هذا السائل الغريب يقل هو الأخر..، وبدأت أشعر بألام ووخزات في بطني كلما إزدادت فترة غياب السائل ..، تدفعني إلي البكاء الشديد ...، إلي أن يقترب مني ذلك الوجه الحنون البائس النحيف بعينين لامعتين تحملا نظرة حزن وإشفاق لم أر مثلهما - في الواقع لم أر غيرهما - ...، تجبرني علي الإشفاق عليها...، فأتحمل ألام بطني ...، فأسكت بكائي ....!

الأربعاء 7 يناير

لست أدري من أنا ؟... ولماذا أنا ؟ ...، الحياةُ أمامي عبارة عن دمية صغيرة ألهو بها بيدي ...، و سائلٌ أبيض انتظره من الحين للأخر أملأ به بطني ..و ...و يالا خجلي ...! ..، في الواقع بالإضافة إلي - إحم - ذلك الإفراز كريه الرائحة المخضب باللون البني الذي يؤرقني ويوقظ من حولي ليقترب ذلك الوجه مني ثانية وقد تبدلت ملامح الإشفاق والطيبة البائسة لتتحول إلي ملامح من العنف والقسوة ..، أود أن أستطيع الكلام لأقول لـ (ماما) أن " الأمر ليس بيدي ...، لا أستطيع التحكم في مؤخرتي ...! " .

السبت 10 يناير

بدأت أعي بعض الكلمات ...، فكلمة (ماما) تعني شخص جميل ذو ملامح طيبة بائسة تعطي سائلاً أبيض طازج من جسدها ولأسباب غير معلومة تمتنع عن العطاء فجأة لتبدله بأخر ...، واستنجت بخبرتي أن كلمة -بابا- تعني شخص قريب من (ماما) وبشدة بدليل أنها تبكي بحسرة كلما سمعت ذلك الإسم ...، لكني للأسف لم أر (بابا) قط ...، في حين أن خبرتي لم تسعفني بإدراك معني كلمة (مات) ..، ولكن علي الأرجح أنها كلمة -سيئة- ...!

الثلاثاء 13 يناير

حالتي تزداد سوءاً ..، فكثيراً ما يتركوني دون هذا السائل ...، فلم أعد أطيق ...، أضطر إلي البكاء ... لكن سامحيني يا (ماما) فهذا يحدث دون إرادة مني ...!

الأربعاء 14 يناير

كلمة جديدة تضاف إلي قاموسي .... فسمعتهم يسمون -السائل- المحبب إلي قلبي " لبناًًََ " ....، ولازلت مضطرا للصراخ حتي لا يتأخروا عليَّ في إحضاره ...، عجباً لذلك السائل السحري الذي يجهز علي ألامي في دقائق معدودة ....!

الجمعة 15 يناير

إستيقظت من نومي .... لأجد أسئلةً كثيرة تتزاحم في رأسي ...، فمثلاً أين ذهب سريري الصغير اللين ...، ومن الذي ألقي بي علي هذه الأرضة الصلبة الباردة ...، ومن هؤلاء الأشخاص ذوي الوجوه الكادحة ؟! ...، عجباً ... لماذا يحملون أثاث المنزل ويغادرون به هكذا ....، وما هذه الأوراق التي تداولتها (ماما) من الأشخاص قبل أن يغادروا....؟!

سرعان ما أخذت (ماما) الأوراق وغادرت المنزل ..، ومضت خمس دقائق ولم أشعر ساعتها إلا والسائل الأبيض يجري في أحشائي ....!

السبت 16 يناير

برودة الأرض تكاد تقسم ظهري ... إضطررت للإستصراخ ...، فوالله لم أكن أقصد إزعاجك يا (ماما) ولكن فقط لألفت إنتباهك إلي سوءة هذا الوضع ليس إلا ....

الأثنين 18 يناير

منذ فجر اليوم و(ماما) تبكي بحرقة ...، أود أن أقوم من مرقدي هذا لأمسح بكفي الصغير دموعها ...، وأود أن أستطيع الكلام لأخفف ألامها والتي لا أعرف من أين تأتي ...، أتحتاج هي الأخرة إلي السائل الأبيض مثلي ؟! ....

الثلاثاء 19 يناير

كلمة جديدة تضاف إلي قاموسي ... فـ (ماما) هي التي أنجبتني ...، ولكن هذا المفهوم لم يكتمل فهمه لدي بعد ...!

الخميس 21 يناير

بكائي يزيد من بكاء (ماما) ... والذي دفعها لترتدي ملابسها وتغادر المنزل وبسرعة ....

يبدوا أنني سأكون طفلاً ذكيا ...، فقد استنتجت أنها لا تستطيع احضار السائل إلا بواسطة تلك الأوراق التي تداولتها مقابل الأثاث ... ولكن الأثاث قد ذهب فكيف سوف تـ ...

طردت من رأسي تلك الوساوس الشيطانية التي تؤكد صعوبة عودة (ماما) بالسائل وأخذت أدعو الله أن يوفقها وتعود به ....

أخيراً عادت (ماما) ...، ولكنها حضرت بدونه وفي صحبتها شخص غريب ...، ترتسم علي وجهه إبتسامة لم أرتح لها ويلفظ بكلمات لم أفهمها ولم أدخلها في قاموسي بعد ...، أراه يزج بجسده ليدخل مع (ماما) حجرتها ...، يغلق الباب خلفه ...، يطفأ الأنوار ...، يعم السواد والسكون ...، ومضت حوالي الساعة ولم أشعر ساعتها إلا والسائل الأبيض يجري في أحشائي ....!

الجمعة 22 يناير

نفس الإبتسامة الوقحة التي ارتسمت علي وجه - شخص - أمس ...، ارتسمت علي وجه - شخص - اليوم ...!

الأربعاء 27 يناير

لم يكن هذا اليوم مثل الأيام الماضية ...، فلم يأت أي شخص غريب للمنزل ...، دعوت الله أن يأتي حتي لا أموت جوعا...! ، رأيت (ماما) وقد إرتدت ملابسها .... فارتسمت علي وجهي إبتسامة فقد إزداد أملي في أن تحضر لي السائل من أسفل المنزل ...، لكنها فاجئتني بأنها قد حملتني علي ذراعيها لأنزل معها ...!

هل سنذهب نحن إلي ذلك الشخص - الذي لم يأت - لنحضر من عنده السائل ....؟!

مضينا معاً في الطرقات ...، مناظر جديدة غريبة تسقط علي عيناي لأول وهلة ...، حتي وصلنا إلي مكان حالك السواد ....

إن قلبي يطرب فرحاً ...، معني هذا السواد أن الأنوار قد إنطفأت ... ودقائق معدودة ولسوف يجري هذا السائل الأبيض في أحشائي .... لكن ....

ما هذا ...؟!

إن (ماما) تضعني برفق علي هذه الأرض المتسخة الخشنة وانحنت لتطبع قبلة حارة علي جبيني بين دموع منهمرة ترتطم علي وجنتي ... و ... يا إلهي ...!

إنها تتركني ...!

تتركني وحيداً ....!

في هذا المكان القاحط المظلم ....!

أريد أن أصرخ ... ليتني أستطيع الكلام لأقول بحرقة وتوسل :-(أمي) .... عودي ....

عودي ولن أطالبك مرة أخري بهذا السائل اللعين ....ولأموتن بين ذراعيكي أهون من أموت هنا وحيداً .....


أمي ...؟!

لفظت بهذه الكلمات بأعلي صوتي .... ولكن حنجرتي الصغيرة لم تستطع ترجمتها إلا إلي صراخ وعويل وبكاء ....!

في هذه اللحظة إستوعبت المزيد من الكلمات ....

(بابا) تعني هو ذلك الشخص الذي ألقي بي إلي هذه الحياة الحقيرة ....

و(مات) تعني الكلمة التي لولاها لما جئت إلي هذا المكان القذر المقفر ....

أحزاني غلبت فرحتي بالكلمات الجديدة ....

فلتستمر الأحزان إذاً .....

وليستمر بكائي ....

----------------------------------- إنتهت ...[/align]