هل تعلمين أن مشاهدة أطفالك للتليفزيون تؤثر سلبياً علي قوة إدراكهم وتركيزهم وتصيبهم بالاندفاع الزائد في سلوكياتهم وتعوق عملية نمو المخ خاصة في السنوات الأولي من العمر.. هذا ما تؤكده العديد من الدراسات العملية ومنها دراسة حديثة تحدثنا عنها الدكتورة سهير الدفراوي أستاذ صناعة الدواء في الجامعات المصرية والأمريكية والتي لها مؤلف خاص بعنوان "مخاطر التليفزيون علي مخ الطفل". تقول:
منذ نشأة التليفزيون وهو يعد من أكثر الأشياء التي لها جاذبية كبيرة عند الأطفال فهم ينجذبون إليه ويجلسون أمامه دون حركة والسبب في ذلك أن الطفل يندمج بكامل وعيه فيما يشاهده وكأنه في حالة تشبه الغيبوبة أو كأنه انتقل إلي عالم آخر.
لذا نجد أن التليفزيون يغير بالفعل من درجة الوعي لدي الطفل وهو ما أشار إليه الدكتور ماثيو دومونت منذ أكثر من ربع قرن حين صرح في المجلة الأمريكية لطب الأمراض العقلية بأن التليفزيون يقلل من قدرة الأطفال علي الانتباه وقد عزا النشاط الزائد لدي الأطفال بعد مشاهدتهم التليفزيون إلي محاولتهم استرداد النوعية الديناميكية للتليفزيون الذي انتهوا للتو من مشاهدته.
أكدت آخر دراسة عملية ما قاله الدكتور دومونت حيث أجريت علي أكثر من ثلاثة آلاف طفل وأظهرت النتائج الارتباط الوطيد بين عدد الساعات التي يقضيها الأطفال من عمر سنة إلي ثلاث سنوات في مشاهدة التليفزيون وعلامات تضاؤل الانتباه التي تظهر لديهم في سن السابعة.
فكل ساعة زائدة في متوسط الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام التليفزيون يقابلها نسبة زائدة قدرها 10% في معدل احتمال الإصابة بمشاكل الانتباه عندما يصلون إلي سن السابعة.. وقد دعمت هذه الدراسة الدراسات السابقة التي أظهرت ارتباطاً قوياً بين مشاهدة الأطفال للتليفزيون وبين قصر انتباههم وصعوبة تركيزهم والاندفاع الزائد في تصرفاتهم ومن ثم دقت ناقوس الخطر لكل الآباء والأمهات الذين يتركون أولادهم ساعات أمام التليفزيون لمشاهدة الكارتون معتقدين أن هذه المشاهدة لاتصيب أبناءهم بأية أضرار.
مخاطر محفزات بصرية
كذلك أظهرت الدراسات التي أجريت علي فئران تجارب حديثة الولادة أنها عند تعرضها لمستويات مختلفة من المحفزات البصرية التي تحاكي تأثيرات التليفزيون يحدث تغير في تصميم مخها.. وهناك دراسة أخري عن مدي تأثير التليفزيون علي الطفل الرضيع تؤكد أن تأثير التليفزيون يشبه تأثير ضوء ساطع مثل ضوء غرف العمليات ولكنه متقطع مضطرب والطفل الرضيع عندما يتعرض لمثل هذا الضوء يضطرب في البداية ولكنه سرعان ما يتكيف معه وهذا ما يسمي بغلق ميكانيكية المخ ومن ثم تظهر كهرباء مخه وكأنه نائم في حين أنه مستيقظ وفي هذه الحالة يبدو الطفل علي نحو سلبي وكأنه مكبل وعندما يغلق هذا الضوء الساطع المنقطع يصبح الطفل في حالة قلق وعصبية وهذا ما يسمي بحالة الارتداد.
وعلينا أن نعترف أن الأطفال علي وجه الخصوص مغرمون بمشاهدة التليفزيون لأن لديهم حاجة قوية إلي إشباع إدراكهم الحسي علي نحو لايقل عن حاجتهم الشديدة إلي الطعام والعاطفة فعلي سبيل المثال إذا كان هناك طفل يبكي وأخذناه إلي نافذة مطلة علي شارع مزدحم فإنه سوف يتوقف عن البكاء كما أننا إذا أخذنا في تحريك قلادة معدنية أمام طفل يرضع سوف يتوقف عن الرضاعة حتي ينظر إلي القلادة علي الرغم من اهتمامه الشديد بالرضاعة. أما التليفزيون فهو يسيطر علي الطفل عن طريق تقديم الصورة البراقة المتغيرة والتنوع في الصوت والموسيقي والتكرار المتناوب مع التغيرات المفاجئة.
والمراهقون لايختلفون كثيراً عن الأطفال الصغار في انجذابهم للتليفزيون.. فليس علينا سوي أن نتأمل مراهقاً وهو يشاهد لقطة فيديو للتأكد من هذا الأمر.. هذا من شأنه أن ينبه الآباء إلي مسئوليتهم تجاه أطفالهم وأن يلاحظوا أي تغيير في درجة الوعي لدي أطفالهم.
قتل مهارات الابداع
والحقيقة المهمة التي يجب ألا تغيب عن أعيننا هي أن الأطفال الدراجين بين سنة وأربع سنوات هم في سن الاستكشاف حيث يستخدمون حواسهم لاكتشاف العالم من حولهم.. وينتج عن ذلك أنه عندما يجلس الأطفال ساعات أمام شاشة التليفزيون يكتفون بتوليد أنشطة في مناطق المخ المتصلة بالصورة المسطحة وبالصوت ويضيعون الفرص لتوليد الأنشطة الحيوية المتصلة بالحواس الأخري كالشم واللمس وإبصار الصورة ذات الأبعاد وبالأنشطة الأخري مثل الركض واستعمال عضلات جسمهم المختلفة كذلك لايولدون إثارة عامة في الأجزاء الأخري في مخهم.. ونتيجة لذلك فإن الأطفال عندما يقضون أوقات فراغهم في مشاهدة التليفزيون لايصقلون مهاراتهم الاجتماعية ويصبحون إما خجولين أو عدوانيين وفي كلتا الحالتين يظلون غير مدربين علي كيفية التواصل الاجتماعي مع الأطفال الاخرين.
وقد أجمع المدرسون علي أن التليفزيون لم يغير من أسلوب لعب الأطفال خارج الفصل ولكنه غير من طريقة لعب الأطفال داخله حيث أصبح الأطفال يفضلون الجلوس مع المادة التعليمية بدون إطلاق الخيال في لعبهم أو في تعبيرهم الكلامي كما أصبحوا سلبيين في لعبهم يفقدون بسرعة اهتمامهم بما يعملون فنجدهم في حاجة إلي أن نشجعهم لكي يشرعوا في عمل شيء.
وعلي المدي البعيد نجد أن التليفزيون يعوق تطور القدرة الابداعية حيث إنه يحتل مكان اللعب التلقائي ولقد أثبتت التجربة أن الأطفال الذين توقفوا عن مشاهدة التليفزيون أصبحوا يلعبون بطريقة أكثر ابتكاراً أما إذا استأنفوا مشاهدة التليفزيون فإن درجة الابتكار تقل في ألعابهم.
"غياب القراءة"
باختصار فإن التليفزيون يضعف سمة مهمة من سمات انسانيتنا وهي قدرتنا علي القراءة ويحل مكانها وبذلك يجعل المشاهدين من الشباب يتكاسلون عن أن يشكلوا صوراً داخلية وأن يستعملوا شق مخهم المفكر باللفظ ماداموا يحصلون علي المشاهد التليفزيونية الجاهزة. ان المخ يحتاج إلي الصور الداخلية ليكون مبدعاً ويحتاج إلي اللفظ واللغة لتكوين التفكير التحليلي والتجديدي وبناء الثقافات وبذلك فإن المشاهدة المكثفة للتليفزيون تعرض ابداعاتنا للخطر وتصيبنا ببلادة التفكير وضعف القدرة علي الابداع والابتكار.