يظن بعض الناس أن الاثم الأكبر في الجرائم الأخلاقية متعلق بارتكاب الفاحشة.. ويعتقدون أن ما يقترفونه من الحماقات ومقدمات تلك الفاحشة أقل منها في الاثم ودونها في العقاب والمؤاخذة ولهذا فإنهم تحت وطأة هذا الفهم الخاطيء يستبيحون لأنفسهم أن يرتكبوا من المخالفات ما هو دون الفحش وربما ظنوا أنها نوع من الخطأ الخفيف الخارج عن دلالة قول الله تعالي: "والذين هم لفروجهم حافظون إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون".
وهذا خطأ في الفهم وشطط في التعامل مع مدلول هذا القول الكريم لأن الله تعالي قد جعل ما دون الاستمتاع الحلال بالزوجة وملك اليمين عند وجوده تعديا ومن ثم شمل معني التعدي الزنا الكامل ومقدماته لأنه دون الاستمتاع الحلال والزنا حرام قطعا فيكون ما معه علي شاكلته في الحكم.
ومما يدل علي هذا المعني قوله تعالي: "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا" فإن النهي في هذا القول الكريم منصب علي قربان الزنا. ومن ثم كان ذلك القربان محرما علي سبيل الاستقلال عن الجريمة الكبري وهي الزنا. والنهي يفيد التحريم. فدل ذلك علي أن كل ما يقرب من الزنا ابتداء من النظر المحرمة فالكلمة النابية. ثم ما يئول إليه ذلك من المقدمات المعروفة يعد من قبيل المحرم بالآية الكريمة. ولأنه كما وصفه الشارع الحكيم يعد فاحشة وسبيلا سيئا لجريمة نكراء وهي الزنا والعياذ بالله تعالي ولأن للشيء حكم غايته وما يتوصل به إلي الحرام يكون حراما.
وإذا كان الله قد حرم ما يقرب من الزنا أو يؤدي إليه يكون تحريم الزنا في هذا القول الكريم ثابتا من باب أولي. إضافة إلي الأدلة الأخري التي تفيد تحريمه القاطع من الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة.
وفي هذا التنظيم الشرعي لتحريم الجرائم الأخلاقية ما يفضح أولئك الذين يرتكبون من الحماقات ما يعد مقدمة لجريمة الزنا أو يفعلون من المثيرات ما يهيج الغرائز ويدفع الطائشين من الناس إلي الوقوع في براثن الجرائم المتصلة بها كما أن فيه ما يدل علي أن الذين يجاهرون بمقدمات الفحش علنا علي الناس يستحقون العقاب عليه. نعم العقاب نص علي جريمة الزنا. وهو لا يمنع أن يكون العقاب علي مقدمات الزنا تعزيرا بحفظ الحياء في المجتمع ويقيه من أفعال السوء.