(لا ضرب للزوجة في الإسلام)، ولكن (إذا اصاب العلاقة الزوجية عطب ونفرة وعصيان، فيكون فراق الزوج لزوجته، وترك دار الزوجية، والبعد الكامل عن الدار كوسيلة أخيرة لتمكين الزوجة من ادراك ما لسلوك النفرة والنشوز والتقصير في حقوق الزوجية)، هذا ما انتهى اليه الدكتور عبدالحميد احمد ابو سليمان المفكر الإسلامي المعروف، في بحثه عن (ضرب الزوجات وسيلة لحل الخلافات الزوجية) والذي ينفي فيه تماماً مسألة الضرب واستخدام الايلام الجسدي ضد المرأة، وان بعض الفتاوى استخدمت لالحاق الاذى والضرر بالمرأة، وهناك تفسير خاطئ لـ(الضرب) وانه يعني (اللطم والصفع والجلد وما شابه ذلك من وسائل الاذى البالغ والاهانة).



ويقول الدكتور ابو سليمان ان الشرع اعطى حق الطلاق للرجل في حالة استحالة العشرة مع زوجته والعيش معها في الوقت الذي اعطى للمرأة حق الخلع إذا كرهت زوجها واستحالة العيش في كنفه.

ويتطرق الدكتور عبدالحميد ابو سليمان إلى الاية الكريمة التي ورد فيها الضرب، وهي في سورة النساء يقول تبارك وتعالى: (الرّجال قوّامون على النّساء بما فضّل اللّه بعضهم على بعضٍ وبما أنفقوا من أموالهم فالصّالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ اللّه واللاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلاً إنّ اللّه كان عليّاً كبيراً* وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفّق اللّه بينهما إنّ اللّه كان عليماً خبيراً).

ويرى الدكتور ابو سليمان اننا لابد وان ننظر إلى هذه الاية في إطارها العام، من نظام الاسرة، حتى يمكن فهم حسن دلالتها في إطار مكامن الدين والشرع، فهناك آيات المودة والرحمة، يقول تعالى: (يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام إنّ اللّه كان عليكم رقيباً) ويقول تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّةً ورحمةً إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكّرون) ويقول تعالى: (يا أيّها الّذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّةٍ تعتدّونها فمتّعوهنّ وسرّحوهنّ سراحاً جميلاً).

ومن ثم فاننا لابد ان ننظر في مجمل هذه الايات في ضوء مجمل الشريعة، فنجد ان جوهر العلاقات الزوجية مشاعر (الود) و(الرفق) و(المودة) و(الرحمة) ومن الخطأ الاكتفاء عند النظر في امر تشريعات الاسرة وترتيباتها على التفسيرات والترتيبات التاريخية لنستفتيها من دون ان نلقى بالاً أو اهتماماً لما طرأ من التحديثات الزمانية والمكانية المهمة التي تعكس آثارها على المجتمع بل والحياة الاجتماعية كلها.

ويرى د.عبدالحميد ابو سليمان ان (ضرب الزوجات) وما يثور في النفس والمشاعر من المهانة والاذى البدني يؤدي إلى أمور نفسية عامة، لان الاذى والخوف والارهاب النفسي، وهي أمور تورث السلبية والكره والانصراف، وان الحب والتكريم والثقة أمور تولد الإيجابية. ولذلك لا يصح ان يساء فهم دلالات النصوص وان تستغل لكي تصبح المرأة والاسرة أشبه بالقطيع المملوك، ولابد من إعادة النظر في فهم واقع العلاقات الاسرية في ظل ظروف العصر حتى لا يستمر التوتر والتدهور في أمور الاسرة والمجتمع باسره.

قهر واخضاع

ويرى د.ابو سليمان ان من ابرز الاشكالات التي واجهته في بحثه معنى كلمة (الضرب) في السياق القرآني، وخاصة بعد ان فسرها كثيرون بـ(الايلام) و(الاذى الجسماني) و(المهانة النفسية) بغض النظر عن مدى هذا الاذى والايلام، ليكون ذلك وسيلة من وسائل التعامل مع البالغين، ووسيلة من وسائل اخضاع المرأة لرغبات زوجها، وحملها على طاعته ومعاشرته، ويجد ان ذلك لا يكون ممكناً الا إذا كانت المرأة المسلمة، كما كانت المرأة في بعض الديانات والثقافات، لا مخرج لها من العلاقة الزوجية، ولا سبيل لها إلى النكاح والطلاق غير رغبة زوجها، ولذلك يمكن قهرها واخضاعها لرغبات زوجها وعشرته، على غير رضاها ورغبتها، والالم والاذى الجسدي، أو المعنوي وسيلة من الوسائل الممكن اللجوء اليها لتحقيق تلك الغاية.

بغض وكراهية

ويرى د.ابو سليمان ان عضوية مؤسسة الاسرة في الإسلام، عضوية اختيارية لا قهرية ولا مجال فيها للتسلط والعسف، وفيها الحق لكل من الزوجين مغادرة الاسرة وانهاء العلاقة الزوجية، إذا لم يبق اي واحد منها يرغب في البقاء فيها، ولا يحتمل اعباءها، لان ذلك ولا شك أولى لكل افراد الاسرة، من علاقة تقوم على البغض والكراهية والشقاق، فالزوج إذا كره العشرة له حق (الطلاق) في الإسلام، والمرأة إذا كرهت العشرة لها حق (الخلع) في الإسلام، وذلك برد ما اخذت من المهر أو دونه بالتراضي بين الزوجين، وذلك حتى لا يكون المال من قبل المرأة أو قرابتها والطمع فيه سبباً في تفكك الاسرة. ولذلك لا يمكن ان يكون القهر و(الضرب) وسيلة مقصودة لارغام المرأة على غير ارادتها ورغبتها في المعاشرة، كما ان الضرب ليس وسيلة مناسبة لاشاعة روح المحبة بين الزوجين وليس وسيلة مناسبة لكسب ولاء اطراف العلاقات الحميمة وثقتها.

اللطم والصفع

ويحاول د.ابو سليمان ان يجيب عن معنى (الضرب) اهو اللطم ام الصفع ام الجلد ام سوى لك من ألوان الضرب المؤدي إلى الالم والاذى والمهانة الجسدية والنفسية، والذي يهدف إلى قهر المرأة؟! وهل هذا الضرب الذي يؤدي إلى الألم والمهانة يتفق مع الحب والمودة والولاء والانتماء؟! وهل يؤدي إلى تقوية رغبة المرأة في البقاء في الأسرة؟! واذا لم يكن الضرب بمعنى الاذى والايلام الجسدي والمعنوي، والذي يتخذ بعض الرجال الإشارة اللفظية القرآنية اليه مبرراً وتعلة للجوء اليه في قسوة ضد امرأة استغلالاً للظروف التي قد تجبر بعض النساء على الصبر بسبب الحاجة المادية أو الخوف على الابناء، وهذا يعتبر وسيلة ايجابية تتسق والدوافع القرآنية في بناء الاسرة وعلاقتها الصحيحة، وتؤدي الى كسب ولاء المرأة ومحبتها وحرصها على البقاء داخل الكيان ولكن إذا كان الإسلام اعطى للمرأة حق (الخلع) فلا مجال لـ(الضرب) والايلام والمهانة والقهر في العلاقة الزوجية والمعاشرة، بل انه يضعف الروابط الاسرية ويدفعها إلى التفكك والانهيار.

الصلح والتقارب

ولذلك -والكلام لأبو سليمان- إذا نظرنا إلى ترتيبات الآيات القرآنية، حين تحدثت عن الضرب، فاننا نجدها تهدف إلى ان تدفع بجهود الصلح والتقارب بين الزوجين خطوة أخرى لازالة الشقاق، بأفضل السبل التي تعيد اواصر المحبة والود والتواصل الحميم بين الزوجين قبل ان يضطرا إلى عرض نزاعهما على طرف آخر. ويبحر د.ابو سليمان في معنى كلمة (الضرب) ومشتقاتها في كتاب الله ويرى ان عامة معاني كلمة الضرب في السياق القرآني هي بمعنى العزلة والمفارقة والابعاد والدفع، فالمعنى المقصود من الضرب لا يمكن ان يكون الايلام والمهانة انما هو (البعد) و(الترك) و(المفارقة) و(الاعتزال)، ولذلك لجأ الرسول صلى الله عليه وسلم، حين بدر من بعض زوجاته عصيانه، الى مفارقة منازلهن واعتزالهن لمدة شهر، ليدركن النتائج المترتبة على العصيان، من دون ان يلجأ إلى اي شيء من اللطم أو الاهانة. وينتهي د.ابو سليمان إلى القول ان المعنى المقصود بـ(الضرب) في السياق القرآني بشأن ترتيبات إصلاح العلاقة الزوجية إذا أصابها عطب ونفرة وعصيان بعد الهجر في المضاجع، هو مفارقة الزوج دار الزوجية والبعد الكامل عن المنزل ليكون وسيلة أخيرة لتمكين الزوجة من ادراك سلوك النفرة والنشوز والتقصير في حقوق الزوج، ليوضح لها ان ذلك لابد ان ينتهي إلى الفراق والطلاق!